الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراقنا لم يسقط بعد... ولكن ان سقط فقد كنا نحن الذين قد أسقطناه

أمير المفرجي

2006 / 8 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم يتفق اثنان من العراقيين على وجود الاحتلال ومسؤوليته الكاملة على الدمار والقتل في بلدنا الا كان ثالثهم أكثر حماسا وتوترا رافعا يديه غاضبا وهاتفا بأن امريكا وحلفاءها هم السبب في خراب العراق وان عملية تحرير الشعب العراقي ودخول القوات الغازية عام 2003 ما كانت الا لعبة امريكية أكل عليها الدهر وشرب اخرجتها ادارة بوش المتطرفة من ارشيف الخارجية البريطانية غرضها الاحتلال واستعباد الشعوب. اليوم وبعد ثلاث سنوات من الاحتلال يقتل العراقي ويهتك عرضه وتحصد همجية المحتل العديد من اطفال ونساء العراق. اليوم يُجرح احساس العراقي البسيط المؤمن برسالته السماوية وتهدم اضرحته وتُمس أئمته. اليوم وبوجود الاحتلال يُقسم العراقي ويصنف الى أطياف عنصرية واثنية وتشهد الساحة السياسية تشرذما لاحدود له في القدرة السياسية وفي اللحظة التي يُعمق فيها الطرح الطائفي والعشائري يُحرم العراقيون في الاعلان عن انتمائهم للعروبة فهم إما شيعة أو سنة أو مسيحيين. في الوقت تحاك الدسائس لتقسيم عرب العراق ويُخصص الاعلام الغربي وقته الكبير للكلام عن مظلومية طائفة وطغيان أخرى، ومسوؤلية جماعة في القتل وعدم مسوؤلية الاخرى. وهكذا ومنذ احتلال البلاد وتدنيس التراب لم يشهد العراق عنفاً يماثل الذي يشهده اليوم الا اذا اعتبرنا بأن ملايين الاطفال والشيوخ والذين ماتوا من الحصار جزء من عملية التحرير هذه.

ولسائل أن يسأل... عن ماذا وعن اي دعوة يريد بها المحتل الخير لنا. هل اننا شعب يجذب ويُفكر به بالمودة والحنان والحرص على مساعدته من قبل هكذا نوع من نظم سياسية رأسمالية لا يهمها سوى مصالحها الامبريالية؟ حيث انها لم تأت لتبني بل أتت غازية لتسرق وتفرق شعبا ولم يُذكر لها التأريخ حسنة سوى القتل والهمجية من هيروشيما الى فيتنام. ما هو السر من هذه الانتخابات وبوجود دمى طائفية وكما ارادوا تسميتها. لها خصوصيتها الشخصية الاثنية والبعيدة كل البعد عن قيم الوطن الواحد وشرف الدفاع عنه ووجوده، بعد ان جعلوا من كيانها المتشرذم احزاباً سياسية يشاهدها ويُجمع الناس خلفها زورا كل حسب لقبه ومسقط رأسه ليصبح عراقي التأريخ والوطن الواحد الى مجرد ابن منطقة او محافظة لاحول له ولا قوة في ارض رافدين اضحت في ليلة وضحاها وبفعل عصا بوش السحرية الى أوطان وأوطان.
ما سر هذه الاحداث المؤلمة والتدمير للمجتمع العراقي والتحريك الطائفي بإشعال الفتن ومنذ دخول المحتل بعد ان دُمرت الدولة وحل الجيش. وهل هي اشارة لبدء تقسيم الوطن اذا ما اخذنا بعين الاعتبار الوقت الذي طال به الحصار القاسي على بلدنا والذي قتل ولمدة 13 عاما الملايين من اهلنا وكانت نتائجه في نهاية المطاف ارجاع العراق الى ادنى مستوى اقتصادي واجتماعي ليكون لقمة سهلة ومجتمعاً ضعيفاً سهل الاحتلال. واخيرا هل اصبح الآن واضحا الوضع الخطير لبلدنا الواحد بعد ثلاث سنوات من غياب مراكز البلاد السيادية من جيش وقوات امنية وطنية واستبدالها بميليشيات اثنية مسلحة بأحدث الاسلحة والخبرات الاجنبية تأخذ اوامرها من دمى الاحتلال المسيرة وان افراد هذه المليشيات هم من المناطق المقسمة طائفيا وتحت غطاء جيش العراق الجديد.

يبقى العراق المحور التأريخي لكل استراتيجية سياسية تحدد مستقبل علاقات دول العالم، لم نكن مبالغين في مقالة سابقة عندما قلنا بأن من ارض بغداد الرشيد والرافدين سيولد عالم جديد. ونجاح أو اخفاق عراق ما بعد الاحتلال سيحدد نوعية وشكلية خط السياسة الدولية في الشرق الاوسط، ومن ثم فإنه سيحدد السياسة العالمية للفترة المتبقية من القرن. من هذه الفكرة جاءت الادارة الامريكية وفي رأسها العديد من الافكار ابتداء من تدمير واذلال الانسان العراقي وهدم الدولة العراقية القوية لبلاد المياه والنفط والطاقة البشرية المميزة. وبهكذا ترتبط مسألة تدمير واذلال المجتمع العراقي بالاهداف الاستراتيجية الامريكية التي تهدف في نهاية المطاف الى فرض الهيمنة على النظام العالمي بما فيها التحكم في الثروات النفطية واخضاعها الى سيطرة مباشرة. بالإضافة الى اعادة رسم الخريطة السياسية الجديدة عن طريق خلق كيانات ودويلات هزيلة للمحافظة على التفوق الاسرائيلي في المنطقة. ومن هنا سعت الادارة الامريكية الى تفتيت العراق وتقسيمه الى ثلاثة كيانات طائفية وبدأ العمل به حال سقوط السيادة ودخول القوات الغازية وتم ازالة مفاهيم الوطن وقيم المواطنة العراقية من جميع مرافق الدولة ودخلت المحاصصة الاثنية من اوسع الابواب وبتشجيع رسمي من مستشاري الولايات المتحدة في حكومة عراق ما بعد الاحتلال. وقد تم التخطيط لانجاح هذا التفتيت المتعمد والمدروس ويمكن ان نلخص مظاهره كالاتي:

أولا: العمل على تشجيع وبناء تيارات طائفية أياً كان مصدرها تمثل جميع الاجزاء الثلاثة للفيدراليات وتزويدها بالاموال واظهارها اعلاميا محليا ودوليا.

ثانيا: تأهيل بعض من هذه الاحزاب الطائفية وزجها في مكونات جيش وشرطة العراق الجديد حيث يكفينا النظر في ما يحدث من جرائم القتل والتعذيب في سجون الداخلية السيئة الصيت.

ثالثا: التركيز على الاسم والكينونة لرجال السياسة الجدد وجعلها مرجعاً رمزياً يُمثل الطائفة الدينية للمناطق والاقاليم ان صح التعبير المراد فصلها. وبهذا قُسم من يحكم العراق ومن يعارضهم على اساس المنطقة والطائفة ومالنا الا ان نتأمل الاسماء والالقاب لممثلي الدولة والاحزاب المعارضة.
رابعا: تشجيع الميليشيات الطائفية وغض النظر عن وجودها بل استعمالها في نشر الفوضى والقتل الطائفي وليس لنا الا ان نرجع بعض الوقت الى الوراء لرؤية الجريمة البشعة في سامراء التي اقترفتها قوات الاحتلال الامريكية ومن معها من دول المنطقة ورد فعل المليشيات الطائفية غير المسؤولة التي رضت بحرق مساجد وقتل اخوة وبأسم الدين.
خامسا: استعمال الآلة الاعلامية الامريكية المسيطرة على العراق والعالم لبث هذه المعلومات المبيتة عن طريق اعلام القنوات الفضائية وغيرها لتثبيت هذه السياسة الانفصالية في أذهان العراقي وغير العراقي.
ولتثبيت هذه الاكاذيب واظهارها للعالم كحقيقة للمجتمع العراقي، استعمل المحتل وبجودة الانتخابات المزيفة الاخيرة كوسيلة للقبول بالأمر الواقع لتكون الخطوة الاساسية لاحتمالات التقسيم ولم يتأخر في اعلانها كمعيار للطبيعة التي يتخيلها للمجتمع العراقي فكان تزوير الانتخابات الاخيرة هو الوسيلة له. لنقرأ ماكتبه مراسل وكالة رويترز وعن طريق مراسلها ليس في العراق بل في لندن وهذا بيت القصيد. كتب غيديون لونغ :(في وضوح أشبه بما يمكن أن يتسم به تعداد للسكان ترسم نتائج الانتخابات العراقية المعلنة صورة لامة مقسمة بشدة بين ثلاث طوائف تختلف في أهدافها ومبادئها ومعتقداتها. وتظهر أن الناخبين الذين توجهوا لمراكز الاقتراع أدلوا بأصواتهم على أسس دينية وعرقية الى حد بعيد (...) في الاقاليم الكردية الثلاثة في الشمال على سبيل المثال أعطى 90 % من الناخبين أصواتهم للتحالف الكردي الذي تعهد بالدفع نحو مزيد من الحكم الذاتي للاكراد الذين يريد الكثير منهم الاستقلال التام عن العراق. وفي الجنوب لم يكن نجاح الائتلاف العراقي الموحد أكبر التحالفات الشيعية أقل قوة ففي محافظات ميسان والمثنى وذي قار حصل الائتلاف على 85 % من الاصوات أي أكثر بنحو 20 مرة مما فاز به أقرب منافسيه.(...)وأثبت العرب السنة مدى نفوذهم في محافظة الانبارالغربية معقل المقاومة ضد الاحتلال وذلك بعد أن قاطعوا الى حد بعيد الانتخابات التي أجريت في كانون الثاني 2005. (...)لكن نتائج الانتخابات تظهر مدى ابتعاد العراقيين الذين أتيحت لهم حرية التصويت للمرة الاولى عن فكرة الحكومة المركزية(...) واستنادا الى معلومات من بطاقات توزيع المواد الغذائية التي استخدمت خلال العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة على العراق في التسعينيات فان الاحصاء يبين مدى حدة انقسام البلد بين الشيعة والسنة. ففي محافظات النجف والقادسية وميسان الجنوبية على سبيل المثال يمثل الشيعة بين 98 و 99% من السكان. وعلى النقيض من ذلك يشكل السنة 99% من سكان محافظتي الانبار وصلاح الدين)
لا ندري كيف استطاع هذا الاعلامي وبهذه السرعة الفائقة من تشخيص الحالة العراقية ونشر دراسته اذا ما علمنا بأن هذا التقرير قد نشر بساعات قليلة بعد انتهاء انتخابات المحتل المزورة في البلاد. من هذا المنطق، تتضح الصورة وتكتمل المشاهد وتوضع النقاط على الحروف مجسمة المخطط الكبير والنية الاكيدة لتجزئتنا وهدم تأريخنا تأريخ العراق الواحد حيث يسمح للعراقي في الوقت الحاضر من الدفاع عن شيعيته او سنيته ويقدم له الوقت الكافي للكلام في اعلام الشرق والغرب خصوصا اذ كان هذا الرمز هو الممثل لطائفة او عقيدة تدخل في اطار البرنامج المعمول به في عراق اليوم. بالعكس فإن فكرة الدفاع عن الوطن ورفض الحالة الطائفية المفتعلة لا تشجع الاعلام الغربي من تقديمها ولأسباب واضحة. وبهذا فقد اغلقت الابواب بوجه الوطنيين الذين لا يحملون أية شارة جزئية من العراق وفتحت لمن يحمل رموز الطائفية.

هذه هي حقيقة الدوافع المبيتة لجريمة احتلال العراق وهدم دولته الشرعية. هذه هي حالة الوضع الاليم الذي يُجبر فيه الشعب العراقي الواحد الى التقاتل الطائفي ونسيان ماضيه المشرف.
ان الولايات المتحدة واعداء العراق اياً كان شكلهم ودينهم، وان قتلة شعبنا أياً كان بعدهم او قربهم قد اتحدوا من أجل كسر وحدة الارض وهدم العراق. لنكن جميعا حصن العراق الحصين. لنقولها سوية...لا للطائفية لا للتعصب الديني لا لتدمير المساجد والاماكن الطاهرة لأئمة العراق والاسلام لا للاحتلال وجرائمه لا والف لا لتفتيت العراق وقتل العراقيين. الوطن في اعناقكم. العراق لم يسقط بعد حتى بوجود المحتل. العراق يقاوم. يريدون اسقاطة بالطائفية. لقد ظنوكم نزلاء وطن مستعار وليس احفاد عراق الحضارات العظيم. الاوطان العظيمة لا تسقطها جيوش الاحتلال أياً كانت عظمتها ولكن لا سامح الله ان سقط الوطن فقد كنا نحن الذين قد اسقطناه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل