الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليتنفس القلم

دينا سليم حنحن

2021 / 11 / 13
الادب والفن


بقلم : جمانا سمير العتبة - ليبيا.

الكاتبة دينا سليم حنحن
"تبقى الذّاكرة حيّة والشّعب لا ينسى" رواية ما دونه الغبار".
قلم استطاع أن ينبش الذاكرة ويدونها بلسان من عايشها، لسان حمل اللهجة الفلسطينية ليزيل ما تراكم من غبار، في ذاكرة كل من تشرد وغاب، عملت بقلمها لإرجاع كلمات تجعل من القارئ المغترب يقف عندها ويبتسم، كم من الوقت لم يسمع هذه الكلمة أو تلك في غربته؟ وكأنها بطريقة كتابتها داعبت تلك الذكرى من أب أو جد عاش القهر، فاحتفظ بلهجته كإثبات للهوية في الغربة.
استطاعت الكاتبة دينا حنحن أن تدون التاريخ على لسان من عايشه، فعمدت أن تأخذ القارئ للمكان والزمان ليعيش اللحظة ويشاهد الحدث بشخوصه، فأصبح القلم حاملا للقارئ، يسافر فيه عبر زمن القهر لترتسم الصورة وتحفر في ذهنه، تاريخ لا ينسى.
رواية كتبتها بإتقان مدركة تماما بأن التاريخ يجب أن يكتب، ويصل لما بعد هذا الجيل الذي سمع ممن عاصروا القهر، فهناك أجيال ستأتي لتسمع قصصا ممن سمعوها، ولكنها بروايتها وطريقة كتابتها استطاعت أن تضع التاريخ بأيدي أجيال ولدوا، وعاشوا بعيدا عن بلادهم.
" أما الشّحبار فمقدور عليه، كلها ولعة بابور وتنكتين ميّ وفلقة صابون" بجملة واحدة حلقت الكاتبة بالقارئ ليجلس أسفل شجرة عمرها بعمر قهر أجدادنا، في بلاد غاب عنها وأرجعته بضع كلمات من لهجة حاول الشتات أن يدفنها.
ما كتبته الكاتبة في الرواية في وصف هول ما حصل في النكبة 1948 ، وقد أبدعت في إعطاء الوصف للحالة الشعورية، أبدعت الكاتبة في وصفها للحدث من خلال رسم عين طفلة صغيرة تزاحمت واختلطت عليها مشاعر الحدث.
"استغربت نمط انتحابهم ومحاولتهم للنجاة، شحبَ وعيها واصفرّت دواخلها، غمغمت بكلمات غير مفهومة، تشوّش فكرها واحتارت باتخاذ القرار وتساءلت عما يحدث، لم تستطع وصف شعورها نحو كل ما جرى حولها، لم تنسجم روحها مع هاتيك اللحظات، تارة، تبنّت شعور الرحمة والإشفاق على الآخرين، مقابل شعور القسوة والهيمنة، تارة أخرى، ترددت، هل تعطف أم تخاف، هل تضعف أم تزداد حذرا؟ هل تعضّ أناملها الرقيقة حسرة، أم تساوي المهرولين باليمام الجريح، هل تنظر لكل هؤلاء بعين الطفلة، أم بعين الفتاة التي كبرت فجأة؟ لقد غيّرتها هذه اللحظة كثيرا، لقد كبرت فجأة!"
وفي صورة ربما يستغربها القارئ، استطاعت الكاتبة أن تصف وجعا لانسان تعامل مع من سرق بيته، كيف لأي منا أن يقف أمام باب بيته وغير مسموح له أن يدخله، من بيوت اللد إلى بيوت الشيخ جراح، صورة تتكرر منذ سبعين عاما، ففي بلادنا يبدو أن الأحداث تنتقل مع الغبار من مكان إلى آخر.
- انتظرت في فتحة الباب هادئة، صفقت اليهودية الباب في وجهها، وهدّدتها بصوت مغموم:
"إن لم تذهبي حالا سوف يعتبرك الجنود متسلّلة، بما أنكِ اخترقت أمر منع التجوال وأتيتِ إلى هنا، سأخبرهم، حضرتِ بقصد التّهديد؟ اذهبي قبل وصول الكتيبة، تمرّ من هنا يوميا في هذا الوقت".
"كتيبة الجنود تحرسكم يا لصوص، وأنتم داخل بيوتنا، تحرس بيوتنا منّا وكأننا نحن اللصوص؟" أجابتها جميلة.
كثر من كتبوا تاريخ الحدث، ولكن الكاتبة أرّخت مئة عام من القهر الفلسطيني، فدونت ما حملته كل ذرة غبار مرت من هناك، قلم تنفس عبر الغبار وتنفسنا معه. اخترت لكم هذا الصباح بعضا من السطور لنشرب فنجان قهوتنا على حصيرة فرشتها الرواية على ترابنا:
- أدركتني ذاكرة العدم، انكشف عريُ الطريق، طريق يداعبه الفراغ غير مرصوف بالناس، أزمنة بأقدار وحرمات، بغياب الوجوه!
- أدركتُ فيما بعد أن الانتظار ثقافة مكتسبة يتقنها المقهورون
- نحن - الفلسطينيين - لا مكان لنا نتعلق به، لا إن كُنّا في الدّاخل، ولا إن كنّا في الخارج، إن حصل وتعلّقنا بشجرة ما، نخشى على الحساسين إن فقدت مكانها، مثلنا!
- استعدت الأرض لمراقصة العُزَّل، أسقطت الأكثرية في قاع الترحال، فتحولوا في ساعة من الزّمان إلى مشرّدين، لقد جردّتهم الحرب من كل شيء، أبقت لهم فقط أرواحهم الشاردة وعيونهم الباكية.
- الصّمت عزيمة المصدومين والسّكون حيرة التائهين، سكنهم الرّعب الهمجيّ وهبط عليهم الفزع، لا أحد يستطيع إسكات الضّجيج الداخلي عند الخسارة.
اجتمعت صرخة جماعية وصل صداها حدود السّماء:
- فلسطين!
وعندما جمعت شهادات الذين ما يزالون أحياء:
- توقف سليم عن الكلام فجأة، حصل ما يدعو إلى السرور، وهو أن والدته التي تعاني من مرض الزهايمر، أصرّت على التحدث معي، وكأن كلمة يافا أثارتها وأحيَت الذاكرة داخلها، هي ممن يعانون من الاحتفاظ بالذاكرة القديمة، صرخت قائلة وبأعلى صوتها (يافا).
- طبعا، لأنكِ سوف تدوّنين ليس فقط تاريخ العائلة الكبيرة، وإنما تاريخ مدينة اغتصبت عنوة، إنك تدونين تاريخ وطن، وتاريخ المنطقة الذي سيّرته بعض الرؤوس، فبتنا من الشعوب التي تسير على أصابعها، لا تستغربي من حديثي، لكن أخبرك أنهم هم من صنع لنا تاريخنا.
- يقع في منطقة دير القصر، (أزان) خزّان ماء، هناك سكن حنّا ضبيط، على مقربة منه، بيت أبو سيمون، وسمعان حنحن، عائلة العزوني، أبو خليل، عيسى حنحن، موسى حنحن، إسكندر رزق، عائلة الحصري، ثم تأتي سلسلة حواصل، أقامت فيه عائلة الزّير، بجانب الحواصل طريقا ضيقة، على رأسها حارة دحبور، حيث فرن الخبز، ثم صيدلية كيّ أبي مريم، يأتي شارع عريض، تقابله المدرسة، ثم الكنيسة، ومن الجهة الأخرى، مصبنة تعود لعائلة حنحن.
*ذاكرتك قوية!
* قلت لكِ يا بنتي إن الذاكرة مقبرتنا
- أقلّ من ساعتين وبنكون في بيروت، بنقعد كم يوم حتى نشوف شو بدو يصير وبعدين بنرجع، كان مفكر أن الحدود راح تبقى مفتوحة، وأن اليهود مش راح يبقوا، بتذكّر إني بكيت كل الطريق حتى وصلنا مع إللي وصلوا، مئات الناس، كلهم فلسطينية، وما عدنا إلى يافا أبدا، وبقيت مفاتيح الدار معنا، وهياها بعدها معنا هنا، زوجي رحمه الله، توفي قبل خمس سنوات، احتفظ بشرائط وصور وأشياء كثيرة من الوطن، احتفظَ بها أكثر من سبعين سنة.
- من يفقد أبا يفقد كيانا وسندًا، راح داود حنحن، راح جدّكم.
ولدت الكاتبة دينا سليم حنحن عام 1957 في مدينة اللد الفلسطينية، ماجستير في التربية الخاصة وعلم النفس الاجتماعي، وجائزة خاصة لفحص نوع الإعاقة لعسري التعليمي، وتقيم الآن في أستراليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا