الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجلُ الشريرُ الذي أفسدَ الكوكب

فاطمة ناعوت

2021 / 11 / 14
حقوق الانسان


كان هناك كوكبٌ. وحدث أن وُجِد رجلان اثنان على هذا الكوكب. فكان من الطبيعي أن يتقاسم الرجلان كلَّ خيرات الكوكب بالتساوي، دون أن يجور واحدٌ على حق أخيه. أما لو تغلّب الأقوى منهما على الضعيف وانتزع حقَّه في الهواء والماء والثمر، سنكون أمام ظاهرة همجية تعتمد مبدأ: “البقاء للأقوى". فإن وُجِد رجلٌ وامرأة على هذا الكوكب. يجب أن تتساوى حقوقهما وواجباتهما دون تمييز، مع احترام الاختلاف النوعي بين الطرفين. فإن كان على ذاك الكوكب بشريان أحدهما صحيحُ البدن مفتول العضلات، والآخر سقيمٌ أو كسيح أو أعمى أو أصمّ، هنا نقف أمام مبدأين علينا الاختيار بينهما: 1- العدلُ الأعمى والمساواة بليدة القلب، وتقضي بأن يتساوى الاثنان في الحقوق والواجبات، دون النظر إلى قوة الأول وضعف الثاني. 2- العدل الواعي والمساواة المثقفة، وتقضي بأن يحتوى القويُّ السقيمَ ويحميه من جبروت الطبيعة وشراسة الضواري، دون أن يجور على حقه في الثمر وطيبات الأرض. فإن حدث وكان أحدهما أخضرَ اللون، وكان الثاني أزرق البشرة. هل يجور لونُ الإنسان على حقوقه أو واجباته؟! مبدأ الحق والخير والجمال يقول: "لا دخل للون المواطن في حقوقه وواجباته." فإن حدث أن اختار أحدهما أن يقدّس الشمسَ، وأختار زميلُه أن يقدّس القمرَ، فهل يقتتلان من أجل هذا؟ هل يطمعُ أحدهما في أن يقتصَّ من حقوق أخيه لاختلاف الفكرة والرؤية؟ أم يخلو كلٌّ إلى قدسه في خلوته، ثم يخرج إلى صاحبه يصافحه ويتشارك معه الحياة في سلام وتوادّ؟
ثمّ حدث وظهر فوق هذا الكوكب رجلٌ ثالث. فاتفق الرجلان أن يُعاد تقسيم الأرض والثمر والطيبات على ثلاثة أنفس بدلا من اثنين، وفق مبدأ العدل الجميل الذي أقرّاه منذ البدء. وكان الرجل الثالث لطيفًا مسالمًا، ومرّت الأيام في هدوء؛ حتى قرر هذا الثالث أن يزرع بين الصديقين فتنة، ليستلب منهما الكوكب. فراح يوغرُ صدرَ أحدهما ضدَّ الآخر، ويوهمه أن له حقوقًا تفوق حقوق صاحبه نتيجة اختلاف اللون أو المعتقد. ماذا يحدث آنذاك؟ يحدث الاقتتال والحروب ويختلّ التوازن ويخسر الجميعُ.
ثم يحدث أن يظهر شخصٌ طيب ينادي بمبادئ الجمال والعدالة والخير والمساواة. ويحبّه كثيرٌ من الناس لأنه يكرّس في الأرض الفطرةَ الإنسانية السليمة وينادي بطبائع الأمور الأولى البديهية. ويمقته بعضُ الناس لأن لهم مآربَ ومصالحَ في إشعال الفتن بين الناس لأغراض في نفوسهم.
في المجتمعات المثقفة المتحضرة، يُحمَل على الأعناق ذلك الشخصُ الطيب المنادي بمبادئ الإنسانية، ويوضع الشرير رقم 3 وراء القضبان حتى تتطهر روحُه من دنايا العنصرية والطائفية. وفي المجتمعات الظلامية، يُحمل الثالثُ الشرير فوق الأعناق، ويحارَب ويُقتلُ الرجل الطيب الذي راح ينادي بمبادئ الإنسانية والمساواة والحق والخير والجمال.
تنصُّ المادةُ (53) من الدستور المصري على ما يلي: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العِرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحضُّ على الكراهية جريمة، يعاقبُ عليها القانون. تلتزمُ الدولةُ باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.”
وكما نرى جميعُ ما سبق بديهياتٌ، يجب أن تكون مستقرّةً في أعماقنا وأفكارنا دون نصّ دستوري. لكن الدساتير في جميع الدول المحترمة تنصُّ عليها لتنبيه مَن في قلبه مرضٌ حتى يدركَ أن المجتمع يحمي الآخرين من شروره. فطبيعةُ الإنسان معقدة، ويحدثُ أن ينسى الناسُ طبيعةَ الأشياء، نتيجة عوامل كثيرة مثل سيطرة تيار فاشيّ على عقول البسطاء، أو تعارضُ مصالح بعض الطوائف مع تلك البديهيات الأولية التي استقرّ عليها العالم منذ بدء الخليقة وفجر التاريخ، والتي هي من طبائع الأمور التي تنادي بالعدالة في الحقوق والواجبات. هنا يضطر حكماءُ ذلك المجتمع أن يُذكّروا الناسَ بالبديهيات الأولى، فيكتبون قواعدَ نبيلةً يسير عليها الناس، وبديهياتٍ ما كان يجب أن ينصّ عليها دستور، لكننا نفعل لأن الناس تنسى البديهيات!
السؤالُ هنا: الرجلُ الثالثُ الشرير الذي ينادي بالظلم والعنصرية والتفرقة بين الناس على أساس العقائد، كيف يُسمح له بأن يُلاحقَ الرجلَ الطيبَ الذي ينادي بحقوق المواطَنة في الوطن والعدل بين الناس على اختلاف عقائدهم؟ العقيدةُ شأنٌ خاص بين الإنسان وربّه، أما المواطنة فشأنٌ عام بين جميع المواطنين دون تمييز، وبين الوطن. “الدينُ لله والوطن لمن يحترم دستور الوطن".
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر


.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود




.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023


.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | عنف واعتقالات في مظاهرات طلابية في أم