الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس بالتلقين وحده..

سمر يزبك

2006 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


منذ الأيام الأولى للحرب على لبنان صارت الفضائية السورية في حالة استنفار كامل، وباتت أروقة التلفزيون السوري أشبه بخلية نحل بذل فيها العديد من العاملين والإداريين كل ما استطاعوه من جهد. مع ذلك كانت المفارقة اللافتة أن أول صورة حملت توقيع الكاميرا السورية، واستطاع التلفزيون السوري الاستئثار بفرصة تصويرها بشكل مباشر، هي جثث العمال السوريين من فقراء الأكراد، الذين قضوا في مجزرة القاع، بعد وصولهم إلى مشافي مدينة حمص.
كان غريباً أكثر أن التلفزيون، في دولة تتمتع وزراة الإعلام فيها بميزانية ضخمة، لا يملك ما يمكنه من متابعة مجريات الحرب، من آلا ت تصوير وكاميرات وأجهزة أخرى. فكل الصور التلفزيونية التي بثتها الفضائية السورية عن الحرب كانت مأخوذة عن المحطات الأخرى، وهو أمر لا يدعو إلى القلق فحسب، بل يثير أسئلة كثيرة حول التناقض بين ما معروض على الشاشة من تعبئة عقائدية وديماغوجية، وما هو تقني وفني على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، لسنا نملك جواباً شافياً على سؤال بسيط: لماذا صمتت الفضائية السورية عن خبر مجزرة القاع، وانتظرت حتى المساء لتعلق عليه وتبث الصور، رغم أنه يخصّ مواطنين سوريين؟ ولماذا لم تنقله عن جاراتها الفضائيات الأخرى على الأقل، إذا كانت عاجزة عن نقله مباشرة بوسائلها؟
والأمر لا يقتصر على العجز الفني عن التغطية، لأنّ الشق الآخر من المشكلة يخص بعض المشرفين على البرامج التي استضافت جمهرة من المحللين السياسيين لم يكونوا بالطبع أفضل حالاً من الكاميرات السورية الغائبة، وكان أغلبهم من أصحاب الصوت الواحد. وخلال 33 يوماً من الحرب لم نحظ بفرصة وجود محلل سياسي واحد تحدث بشكل مختلف عن الذي سبقه، حتى لاح وكأنهم جوقة غناء تكرر العبارات الفضفاضة ذاتها، بحماس متماثل، وبالمانشيتات القديمة التي تعود إلى ستينات القرن الماضي. وفي الأغلب، حتى لا أقول في المطلق، كانت الممارسة بأسرها استمراراً لتوجيه دعائي وسياسي لا يغطي الحرب مهنياً بقدر ما يحاول تجييرها، ولا يتناول قضايا البلد المنكوب بقدر ما يركز على أمور ذات صلة بالوضع السوري.
المعلقون، الذين أرهقوا أبصارنا واثقلوا على آذاننا، لم يكونوا أفضل حالاً من محاوريهم في الغالب، لأن الحوار يتطلب تباين لغتين على الأقل، وهو الأمر الذي بدا غائباً لأن الضيف والمُضيف كانا يكرران نفس الكلام ونفس الحوار. كان الخطاب أشبه بسرد ممل معاد من النوع الذي ينفر منه الجمهور وتبغضه الكاميرا، وكان تلقينياً جاهزاً ومعداً سلفاً، يفتقر إلى الابتكار ويندر فيه الاختلاف. وليس غريباً أنّ الناس انفضوا عنه، خصوصاً وان منافسة الفضائيات الأخرى كانت على قدم وساق.
صحيح أن تقاليد العمل في التلفزيون السوري ما تزال أسيرة قواعد الالتزام بالخط الحكومي الرسمي، وهي بالتالي لا تملك هوامش الحرية المهنية المتوفرة في الفضائيات المنافسة، إلا أنّ كسب بعض شرائح الجمهور السوري يتطلب الحدّ الأدنى من احترام عقله. فليس بالتلقين الرسمي وحده تحيا العدسة!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا