الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدر كتاب جديد للباحث صاحب الربيعي بعنوان: خواطر منسية وذكريات في محطات المنافي.

صاحب الربيعي

2021 / 11 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


جاء في المدخل: المنافي محطات انتظار لقطار مجهول الهوية والاتجاه، يسير بك على سكة العمر لمحطة منفى آخر، وتجلس على أحد مقاعد الانتظار، وترصد وجوه المارة، وتراقب حراكهم وصعودهم، ونزولهم من قطارات ذاهبة، وآتية. وهناك ألوف من العيون ترصدك أيضاً، وكلهم يمضون صامتون في سباق مع الزمن، ولكل منهم حكاية غير منتهية تقوده للمجهول. وحدهم المسافرون يعرفون أين يذهبون، ويتجهون؟، لأنهم لم يفقدون أوطانهم، ولا هوياتهم، ويتحدثون مع بعضهم بأصواتٍ عالية، ويضحكون بهستيريةٍ من الفرح، ولا يخشون بعضهم بعضاً، ويفترشون أرض محطات القطارات، وينامون ملئ جفونهم إلى جانب حقائبهم الكبيرة، ولا يخشون أحداً.
وكائنات المنافي ينزون في الأماكن المعزولة خافتة الضوء من محطات القطارات، ويخشون الجميع ـ ويخشونهم الجميع أيضاً ـ فهم مشتبه بهم لا يحملون هويات معترفاً فيها، ولا أوطان تعترف بهم، وحين يغادرون محطات القطارات يغادرونها بخوفٍ، وتوجس للبحث عن مأوى ينقذهم من التشرد، والجوع فلا أوطانهم تستعيدهم، ولا أعمارهم الباقية تعينهم على السفر إلى المجهول ثانيةً.
المسافرون يحملون حقائبهم الكبيرة على ظهورهم، ويمضون فرحين، وكائنات المنافي يحملون حقائب صغيرة بأديهمٍ لكنها ثقيلة جداً بما تحوي من الهموم، والمآسي، والخوف فتصبح خطواتهم متعثرةً. ولا قيمة لجميع وثائقهم الثبوتية التي يحملونها، ولا حتى للشهادات الدراسية، ولا حتى لشهادات الخبرة، ويشتبه بهم رجال الشرطة، وترصدهم عيون كاميرات المراقبة المنتشرة في جميع الطرقات والأزقة، وحتى في المطاعم الشعبية التي يرتادونه لسد جوعهم الأبدي فيها.
كائنات المنافي يشتغلون مثل عمال البناء لتشيد تاريخاً مزيفاً لهم في المنافي لا يعترف أحدٌ به، وحالما يرحلون إلى منفى آخر يتركونه خلفهم إما في مدافن الموتى، أو نهباً للسراق، ويبذلون ما في وسعهم لبناء تاريخ جديد لهم في منفاهم الجديد، وحين يرحلون غالباً ـ أو يجبرون على الرحيل ـ يحملون حقائب أصغر من الحقائب التي دخلوا فيها البلد أول مرة، ولا أحد يعترف بتاريخهم المشتت في محطات المنافي، ولا بشاهدة القبور في مدافن الموتى، ولا حتى بالشهود لأصدقائهم في المنافي. ويشك الآخرون بأن جميع وثائقهم مزورة لأن محطات المنافي أصبحت وسيلةً للارتزاق، وتحقيق طموحات الفاشلين، وتبيض صفحات اللصوص، والمجرمين مَمن يدعون الشرف، والنزاهة ـ أكثر مما يدعون كائنات المنافي ـ ويقدمون الوثائق المزورة لإثبات ادعائهم، وكائنات المنافي، تقف عاجزةً عن إثبات هوياتها، وصحة وثائقها، وتاريخها المشتت، والمدفون في مقابر المنافي الكثيرة.
تهاجمهم جحافل الصمت، والحسرة على سنوات العمر التي خسروها، وهم متسلحون بأوهام المبادئ، والنضال، ورغم ذلك راهنوا عند عودتهم إلى الوطن سوف ينصفهم لكنهم وجدوا أن الوطن ضائع هو الآخر أكثر منهم، ويحكمه أصحاب التاريخ المزيف، واللصوص الذين لا يتطيرون فقط من تاريخ كائنات المنافي الحقيقي وحسب بل من خبراتهم وإنجازاتهم العلمية. لذلك عادوا إلى المنافي ثانيةً يشكروهم على حُسن الضيافة، والاعتراف بهم ككائنات المنافي لهم تاريخ حقيقي، ومسجل، ومعترف به منذ وصولهم دول المنافي، ورغم أنه لا يزيد على ربع أعمارهم لكنه تاريخاً معترفاً فيه فمن الأفضل أن تموت بتاريخٍ جزئي معترف فيه من أن تموت عديم التاريخ.
إن يستذكر كائن المنافي الأيام الجميلة في محطات المنافي يمد بعمره سنوات أكثر، لكن حين لا يدفن في ذاكرته سنوات العذاب فأنها تقصر من عمره الباقي في المنفى، وحتى يستعيد كائن المنافي جزءاً من تاريخه في المنافي، فعليه أن يبحث عن شركاء له بالتاريخ المشترك ليعترف أحدهم بتاريخ الآخر، ورغم أن معظم الناس لا يرغبون في نبش ذكريات الماضي التعسة، لكنهم يسعدون بنبش ذكريات الماضي السعيدة حتى يسعدون أنفسهم في الحاضر الغافي على شواطئ ذكريات العمر.
ولا أحد يقر لك بذلك سوى مَن تقاسمت معها ـ على رصيف الهموم ـ رغيف السعادة والحب والعشق، ومازلت تحتفظ لها في ذلك الجزء الخفي من روحك ذكريات الحب، والعشق، وأن فرضت الأقدار أحكامها بفراق أجسادكما فأرواحكما حين تفترق لن تعيد جميع عواطف الآخر وأحاسيسه فجميع الشرائع السماوية، والوضعية تبيح السرقة المتبادلة بهذه الحالة خاصةً إذا كانت السرقة برضى الطرفين. وحين تكون مديناً للطرف الآخر ـ أو مدينان لبعضكما بعضاً ـ بفترات السعادة من العمر فأن تدوينها يؤرخ لكائن المنافي تاريخاً من السعادة المشتركة يستله من تحت ركام هائل من تاريخ الهموم، والتعاسة التي فرضتها الأقدار.
المؤلف: صاحب الربيعي
عنوان الكتاب: خواطر منسية وذكريات في محطات المنافي.
حجم الكتاب: (17 × 24) سم.
عدد الصفحات: 363 صفحة.
دار النشر: دار الكُتاب ـ ستوكهولم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشهد مرعب يظهر ما حدث لشاحنة حاولت عبور نهر جارف في كينيا


.. شبح كورونا.. -أسترازينيكا- تعترف بآثار جانبية للقاحها | #الظ




.. تسبب الحريق في مقتله.. مسن مخمور يشعل النار في قاعة رقص في #


.. شاهد| كاميرا أمنية توثق عملية الطعن التي نفذها السائح التركي




.. الموت يهدد مرضى الفشل الكلوي بعد تدمير الاحتلال بمنى غسيل ال