الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


# الأدب و الفعل الإنساني # حين تتوقف الكتابة أمام اللغز الأبدي

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 15
الادب والفن


ثمة سؤال سرمدي أبدي يلاحقنا دوما، ترى ما جدوى الكتابة؟ ولماذا نكتب؟ ومن أجلِ ماذا؟ ولمن؟ وهل هناك من يقرأ لنا, ويصغي لنبض كلماتنا؟ أنها لأسئلة محيرة وطالما حاول المفكرون والنقاد حل هذا اللغز ولم يتوصلوا الى نتيجة نهائية.

إن الأدب معرفة تراكمية لا يلغي أخره أوله، بل يزيده حيوية ويضيئه اشعاعاً, كمتوالية أُفقية, منذ ملحمة كلكامش وحتى الآن، وما كان يؤرق شكسبير وتيشخوف مازال يؤرقنا، الهاجس واحد، والأغنية ذاتها, نؤديها بطرق متنوعة.

الكتابة ـ جل الكتابات الإبداعية - باختصار شديد عملية توكيد للذات، حالة انفعالية وقلق خلاق, ووعي ثاقب لكائن فائق الحساسية, يكنى بالأديب, أداته الكلمات, ورأسماله الخيال الذي هو (السمة الفارقة للإنسان كونه كائناً يتقدم) حسب "كولردج " وبما أن الأدباء كائنات ممسوسة بعض الشيء، أو فيها شيء من المس، فلابد أن تلجأ الى البوح، لأن البوح عملية تنفيسية تطهيرية, عن كل ما يعتمل داخل الإنسان من هواجس وأفكار ورؤى, وما يدهمه من مشاعر الخوف والحب والحزن و و و.

فخلف كل نصٍ, نصٌ آخر، ولكل نص منجز نص مفترض، فالقصة التي حاكتها مخيلة قاص حاذق, لها بلا شك أرضية واقعية لا يحيد عنها, لأن العمل الأدبي - مصدره الواقع وتأثيره في الواقع، لكنها ليست بالضرورة واقعية, مهما كانت قوتها التعبيـريـة- كما يقر روجيه غارودي.
إذن ثمة حافز ودافع وراء هذا الواقع, هو الرغبة في البوح, كون أبطال الكاتب ما هم سوى (أقنعة يروي من ورائها قصته) حسب میشال بیتور .

إن الأدب فعل إنساني متفرد, وموقف من الحياة والناس والواقع والوجود, وهو قدر أولئك الحالمين الخياليين الافذاذ, الذين يعتقدون أن الحياة حكاية يرويها معتوه، لكن لا أحد يصغي ولا أحد يصدق سواهم أو المجبولين على شاكلتهم، مخبولون مفتونون بأوهامهم وأحلامهم وعوالمهم التي لا تشبه عالمنا الصلب الصلد الصقيل، البارد الجاف الجائر .

نحن معشر الأدباء, قوم مهشمون، مهمشون، معزولون, ومثخنون بالجراح والجمال, لكننا نتفرد بامتياز بحس إنساني, وبهذا الحس نتحدى كل الهول, وكان بلزاك على حق حين كتب الى أخته لور (ليحيا البقالون, فأنهم يبيعون طوال النهار, ويحصون في الليل أرباحهم، ويسعدون، لكنهم ينفقون وقتهم بين الجبن والصابون، ليحيا الأدباء فانهم جميعاً مملقون من المال وأغنياء بكبريائهم فقط)

لكن ما جدوى الكتابة في هكذا زمن إزاء الجوع والدمار والموت ؟ أتساءل بحرقة ما جدوى الكتابات الماسخة الباذخة الباهتة, التي تناغي وتدغدغ, وتتعامى عن الحقيقة, وتتعالى على الواقع والهم الإنساني.

مساكين أولئك الذين يلجأون الى الأساطير والحكايـات وينبشون في بطون التاريخ, بحثاً عن مادة تلهيهم عن صخب وعنف ما يحيط بهم, صحيح أن الكتابة فعل ذاتي وجداني فرداني يخص الأنا ويعني بالآخر, لكن الكتابة مسؤولية كبرى, والكاتب مسؤول من طراز خاص .. هل يتفرج بهدوء من برجه العاجي على عالم يمور ويغور، عالم غير متوازن، عالم مجنون أجوف، أم يجهر بصوته ويسمي الأشياء بأسمائها, ويملأ الدنيا صخبا وصراخاً, صراخ الفرسان الشجعان؟ !

أوليس الأدب (فعلاً اجتماعياً لإنسان منعزل) كما يذهب الشاعر (ييتس) أوليست الكتابة قتالاً نبيلاً ضد ذلك الوحش الذي يسمونه العبث (المتولد من التصادم الناتج عن هذا النداء الإنساني عندما يصطدم بصمت العالم اللامنطقي) كما يؤكد ألبيركامو.

لا يملك الكاتب الرصين, سوى وسيلة واحدة لمواجهة بشاعة الواقع, هي الكتابة الرصينة آلة الرصد والكشف والاحالة، بما يحيا وبما يكون .. فطوبى له, وهو يكالب زمناً عسيراً لأنه ابن مجتمعه, لكنه لا يمثل بالضرورة ايديولوجية ذلك المجتمع، أنهُ متنافر معها، متمرد عليها، غير مطمئن لها .. أنه شاهد حقيقي على عصره وشهيد ازلي له.
...
جريدة الثورة 2 / 1 / 1998
جريدة الصباح 7 / 12 / 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا