الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهر وسر أمرأة- سيرة الأنهار

فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)

2021 / 11 / 15
الادب والفن


المرأة التي تتبعتك إلى المصب، لم تمنحها أيها النهر خصب جرفك
فظلت من دون كل عاشقيك
عقيم
في المتوارث الفراتي وربما في كل بلاد الله ، ان الأمهات يحرصن على أن يدفن سر ابنائهن في مكان ذو معنى – (وسر الطفل) هو ما تلفه القابلة مع المقص من بقايا الحبل السري- وعادة يكون ملفوف بشاش ابيض هذا اذا كان المولود في مشفى كما حدث مع اخي الأصغر ، الذي سرقت سره من أمي، واخترت أن أدفنه بنفسي خلف صفوف مدرستي الابتدائية، متمنية ان يحظى بمكانة علمية جيدة، اذن ربما يعود لي الفضل في كونه حاصل على شهادة عليا في الاقتصاد، اما اذا كان مثلي ولد في غرفة طينية، فسيكون من الجيد لو كانت قابلته حضرت قبل ان يقفز مثلي، إلى حياة ، لا تعرف ماذا تعطيه ، فيصير حضور قابلته مرتبطا بالبحث عن (قيدة) شفرة موس حلاقة قديمة ومستعملة ، لتقص بها حبله السري وتلفه بخرقة لم تحفظ لونها أمي ،و ربما من حسن حظي ان ابي لم يقتنع باسم قابلتي فهيمة، حين طلبت اليه الجدات ذلك، واختار لي اسما ، لم تهو روحي غيره ابدا.
عادة تختار النساء أماكن ذوات معنى لدفن سر ابنائهن، وكنت كلما سألت امي اين دفنتي سري؟ تقول انها لم تدفنه بل ألقت به الى نهر قريب، كان اسمه العيفاري، وميزة العيفاري انه كان متفرعا عن الفرات وكان يمر باراضي زراعية واسعة جدا، لو لم تخبرني امي هذه القصة باكرا ، لو انها تجاهلت سؤالي او نست مثلا اين وضعت سري، ربما لأيقنت اني فتاة اشبه الكثيرات، ولما اصبحت ابنة النهر ، أتبعه ويستوطنني، للنهر أولاد وابنة وحيدة هي فلسطين .
لمست الماء مرات كثيرة ، تنزل قدمي إليه بحذر ، مثل تائبة أغتسل من خطيئة سنوات الهجر والفقد والحرمان، فيأتيني صوته محملا بكل دموع الامهات ونذور العاشقات الغارقة مع شموع انتظارهن للغائبين ، يا ابنة النهر الذي تلاشى يوم هجرته براءة لهوك على الجرف المشتول بأغاني الحصاد ، وتلويحة المناجل وهي تغني لموسم مكتظ بالرجاء الذي لا يجيء الا بالتعب ،وبالكثير من شموس عفيفة في لهيب آب ، كنت يومها أغني في بستان أبي لرجل يشبهه تماما في أحلامه ، لكنها يا أيها الماضي في غيابه ، لكنها كما أنت ، تمضي على حياء من صلوات غير مجابه إلى حيث لا نشتهي ، فتعمر في القلب قصور من الخيبات ، وعلى الوجه تكبر مثل ندبة لا ينفع معها مشرط التجميل ، ولا حتى وصفات العطارين .
للنهر رائحة تفيض بها روحي في وحدة لا يدانيها في الاغتراب الا امعانه في هذا الذهاب الذي لا يتوقف ،

عدت إليك يا أبي تائبة من كل احلامي ، فلا بيتي ضج بلهو الصغار ، وطالما تمنيت ان يحمل احدهم اسمك ، ولا وجه حبيب هربت إليه سرا كل ما فاضت به أماني هذا العمر البخيل ، لونتها يا أبي بكل الاقلام التي كنت ادعي انها لدرس الجغرافية ، في الحقيقة الجغرافية الوحيدة التي عرفتها كانت يدك المرتجفة وهي تشد على يدي بعد غياب طويل ، كفك مجرة الاكوان ، توزعت فيها هضاب الاولاد ، وشهقت جبال امنياتك ، وخطت الارض دورتها ، هناك حيث لوحت لي يوما من خلف الحاجز الزجاجي في مطار غريب ، وسألتني بمثل التوسل ، قد لا أراك ؟ يدك ، كانت تجر إلي سري من نهر غاب في زحمة العمران الجديد وتمدد المدن ، المدن الجديدة يا أبي لا تعرف أن النهر الذي اندثر ، دفن سري في مكان ما ، ربما عاد به إلى انهار بعيدة جدا ، حيث تتبعتها سحابة ، حسبتها دليلي ، لكن السماء اوسع من أن تحتوي سحابة يتيمة ، ولدت يوم كنا نجمع البيادر ، وننتظر قسمة ضيزى ، حيث لنا حصة المواسم القادمة ، وانتظار مطر يجيء محملا بالحزن وبالكثير من اللا جدوى ، اذكرها يوم كانت اختي تغني وهي تحمل على رأسها حزمة من السنابل التي لم يأن حصادها ، كنا نستعجل القطاف ، لم نتحلى بصبرك ، وبصيرتك ، فكانت تغني
((تعبت هواي ، صبرت هواي وانت ولا يجي وعدك ))

أي وعد كانت تنتظر ؟ وهي التي مضت كما النهر ، إلى حيث المنتهى ، وحيث اللاأياب …..ومن أين يجيء الوعد ، وأن جاء ؟ ماذا كنا ننتظر منه ، فقيرة احلامنا ،يا لبخل الحياة حين يجيء ربيعها فارغا من شغفنا ، كنت تحلم كثيرا ، لكنه النهر ماض في مشيئته ، وما زلت اتبعه ، سري هناك ، حيث قالت أمي أنها رمت به إليه ، فصرت فتاة بقلب سمكة ، احسن التفلت من شباك الازمات ، اتفادى كل فالات السنين ، بحنكة فلاحة قديمة ،أسورني بالاغاني المملؤة بالجني وبالفيض، وبصبر النخيل ، وبروح نهر لا يعرف أي وجهة يقصد ، لكنه لا يستطع حتى ان يتوقف، كذلك أمضي ، وتمضي معي ذاكرة ، متخمة بالاسماء التي لا تحفظها غير شواهد مرمرية ، كلما بللتها دموع الزائرين ، نز من قلبي نهر.

لا اخشى الانهار ، لا أهاب غرقي فيها ، فهناك قطرة من دمي البكر، اخذها الفرات ، وخرقة من ثوب امي وشفرة تحمل ألمي الاول ، لكنه النهر يعرف أني اولى الشجرات الزاحفة على جرفه ، ومن يومها كل الاشجار شقيقاتي ، وكل العصافير تبني اعشاشها في قلبي، لكنني تعبت ، وأريد لسري ان ينبت ولو بقلب سلحفاة ، تتمطى على جرف ما ، ولو بقلب صدفة يلفظها الشاطيء ، لا تحمل لؤلؤة يطمع بها صياد ، لكنها تحمل سري

فلسطين الجنابي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى