الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنية الحكاية في (تيمور الحزين)

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 16
الادب والفن


يعد القاص المبدع أحمد خلف, أحد أهم الأسماء الفاعلة في مشهد القصة العراقية، ورمزاً من رموزها، ويقف بجدارة في طليعة كتاب القصة في العراق، متخذاً من الإنسان قضيته الأهم، وبالرغم من ولعه بالتجريب والمغايرة, فأنه ظل مخلصاً ملازماً لخصوصية تجربته, ولم تغره عوالم الكتاب الآخرين «بورخيس، وماركيز ، وايكو، وكاليفينو » الذين كانت لهم سطوة كبيرة على بعض معاصريه من الجيل الستيني، بقدر انجذابه للتاريخ، أعني تاريخه الشخصي وتاريخ أمته معا, وهذا ما نتلمسه عبر مجموعة «صراخ في علبة» ١٩٩٠ التي أعدها فاتحة منجزه الإبداعي, في حين جاءت مجموعته التالية «خريف البلدة» ١٩٩٥ متوجة ومكرسة هذه التجربة القصصية المميزة، لتحقق نجاحا فائق الأهمية في ربيع القصة العراقية، ولتشكل علامة فارقة في مسيرة القصة العربية, لما لهذه التجربة القصصية من خصوصية وعمق وحيوية.

وفي منتصف عام ٢٠٠٠، أي بعد خمسة أعوام من صدور مجموعته تلك، صدرت له مجمـوعة جـديدة بعنـوان «تيمـور الحزين» وتكاد تكون ملحقا للمجموعة السابقة آنفة الذكر وتنهج المنهج ذاته في استلهام التاريخ والموروث الحكائي عبر شخصيات معاصرة لا تمتلك زمام أمرها, وهي تقاوم قدرها من دون أن تصل الى غاية وجودها وكينونتها، فبطل قصص احمد خلف غالباً ما يكون شخصية مثقفة، أستاذاً أو كاتباً أو شاعرا، تعي ذاتها وتعاني تشظي هذه الذات في عالم مليء بالجور والقسوة والضياع، وهي مهشمة مهملة في الظل، منسية وحيدة حزينة، راضية بمصيرها المجهول دون أي احتجـاج.

فالأستـاذ بطل قصـة «الأستاذ» يعود دائما خالي الوفاض الى البيت، يرفض أن يرافقه أحد، يعتاش على خياله وأحلامه ويجترهما، وهو يدرك حجم الخراب الذي يحيط به، لكنه يحلم بغد آتٍ قريب، وهو وحيد وكئيب ومرصود, وحياته فانية, وهكذا نجد الأستاذ في قصة أخرى هي «المتسول» بالمواصفات ذاتها, وجل ما يخشاه أن يموت وحيداً في مدينة الحجر ولا يشيعه أحد، وهذا الأستاذ نراه في قصة ثالثة « كيد النساء في دفع البلاء » ينشغل عن هموم يومه الثقيل بسرد الحكايات والذكريات من ذاكرته ومن بطون الكتب «إنه يلفق حكايات» وما أن يبدأ السرد حتى يندغم في الحكاية، وبطـل الحكايـة، أي أن الشخصية الرئيسية تتلاشى في شخصية ثانوية, هي التي تقع على عاتقها كل المحمولات الفكرية والسياسية, وبعبـارة أخرى نستطيع القول، إن في قصص «تيمـور الحزين» ثمة راوٍ رئيسي يكاد يكون حياديا، وراوٍ ضمني يبث الخطـاب الرمزي، كما هو الحال في قصص «رنين، وحكاية عجيبة، وتيمور الحزين» فهذه القصص تنفلق بنيويا الى مسارين، مسار أفقي «القصة ـ الشخصية» ومسار عمودي «الحكاية - البطل» حيث تنبثق من القصة عادة حكاية، حكاية داخل حكاية، تتلبس أجواء الحكي ولغته بسياقها المعتاد مما يمنح القاص فرصة سانحة للبوح بما يثقل كاهل شخوصه لإدانة الواقع، واقع الحكاية، بنبرة ساخرة، والحكاية عند شخوص أحمد خلف القصصية هي وسيلـة لمقارعة الموت, والامساك بالحياة (سيهرب ملاك الموت إن تكلمتم) ص 36 و(صانع الحكايات, رجل يبيع الحب والسلوى) ص ٧٥
وللموت حضور مهيمن في قصص هذه المجموعة، فثمة شخص على وشك الموت وهو يروي تاريخه السري في قصة «رنين» وثمة أب يحتضر في المستشفى وهو يسرد حكاية حياته العجيبة في قصة «حكاية عجيبة» وثمة فتاة في السابعة عشرة من العمر, ستموت لا محالة قتلا، غسلا للعار في قصة «عين التمساح» والفتـاة تراهم يدفنون شخصا في حديقة المنزل في قصة «كل البيوت» وثمة رجل ميت يحملونه على الأكتاف ليهيمن على متن قصة «رجل فوق الاحتمال»

ويجعل أحمد خلف نهايات قصصه دائما مفتوحةً لا تجزم بأمر ما, بقدر ما تحتمل عدة دلالات، والمفارقة أن هذه الخواتم ترتبط بوجود كلب أو عدة كلاب (هو ذا محاصر بعشرات الكلاب تحدق به عن قرب وتوشك ان تطبق عليه في الحال) ص 16 «الأستاذ» و(أصبح المتسول والكلب يسيران معا، كرفيقين متـلازمـين دون خـلاص) ص ۳۱ «المتسول» و(كان الأولاد يجدون في المطاردة المستمرة للكلب، وهو يحاول الدخول الى أحد المنازل لينقذ جلده من الموت المحقق) ص ۱۰۸ «كل البيوت» و(لم أجد أخي ولم أر الكلب معه، ضاع صوتي في الريح لما ناديته وأختفى في الظـلام) ص ١٢٤ «رجـل فـوق الاحتمال»

وفي الختام أود أن أشيد بقصة «كل البيوت» الرائعة, وما تحمله من دلالات إنسانية, عالجها القاص, بوعي ثاقب واتقان شديد, وقد طورها وحولها الى رواية انتهى منها مؤخرا، أتمنى أن أراها مطبوعة بين دفتي كتاب في الأشهر القادمة لنقراها جميعا بشغف ومتعة.
...
جريدة العراق ٣٠ / ٣ / ٢٠٠١








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال