الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنقذونا نحن نختنق...صرخات من آسفي.

مصطفى الفاز

2021 / 11 / 17
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


انقذونا نحن نختنق... صرخات من آسفي

ما الذي يجعل سكان مدينة آسفي يعبرون بأشكال مختلفة عن احتجاجهم على الأوضاع المعيشية المتدهورة؟ ولماذا يحتل التنديد بالحالة البيئية في الإقليم حيزا مهما في هذه الاحتجاجات؟ كيف نفهم العلاقة بين التركز الرأسمالي عبر استثمارات ضخمة للشركات المتعددة الجنسيات في البنية الصناعية للإقليم وتدهور المقاولات الصغرى؟ ولماذا لا يعكس نمو الأداء الصناعي مستويات جيدة للتنمية في احترام تام للبيئة وحق الساكنة في الهواء النقي؟
بالعودة إلى خلاصات الدراسات رغم قلتها، المتعلقة بالبيئة والمصادر المسببة للمخاطر الصحية على الأحياء بإقليم آسفي، مثل الدراسة المنجزة بطلب من الحكومة المغربية والتي قامت بها مجموعة البنك الإفريقي للتنمية Projet Amélioration de la qualité et du service de l’eau potable ، والتي تركز على الخلاصات ذات البعد التنموي في توفير الماء الصالح للشرب دون أن تذكر المشاكل البيئية على اعتبار أن المجموعة البنكية هي مجموعة استثمارية رأسمالية تربط بالأرقام نمو المشاريع الممولة بالتنمية المباشرة من منطلق ربحي. أيضا واعتمادا على استيراد أرقام النمو لتسويق نموذج تنموي مجالي، انكبت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة على انجاز دراسات تبين احترام الدولة المغربية لكل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتغير المناخي دون الأخذ بعين الاعتبار تحقيقات المجتمع المدني المحلي حول الكوارث البيئية. ولا يمكن كذلك إغفال دراسة المكتب الشريف للفوسفاط المنجزة شهر فبراير 2011 Etude d’impact sur l’environnement التي تريد أن تقنع الرأي العام الدولي قبل الوطني والمحلي بأن المكتب لاعب أساسي في التنمية المجالية والاجتماعية بفضل نمو معاملاته واستثماراته.
لكن منظمات أخرى غير حكومية مثل Suissaid السويسرية و تحقيقات صحفية وطنية ودولية ومنظمات المجتمع المدني ركزت على الفصل بين الأرقام المعلنة في معدلات النمو و الواقع التنموي البئيس، وبدأت التساؤلات تطرح حول الظواهر الصحية المقلقة المتزايدة مثل صعوبات في التنفس، الأمراض الجلدية، هشاشة الأسنان، الاختناقات، الأمراض السرطانية ....في ظل شح المعلومات وتزييف المعطيات. كما تطورت أساليب التحقيق والبحث بتتبع حالة نزلاء المراكز الصحية أو عائلات بعض الذين قضوا نحبهم وأيضا من خلال المطالب المرفوعة من وسط احتجاجات الساكنة وكلها مجهوذات تفيد أنه لا يمكن التسليم بأن صحة وسلامة العمال و الساكنة مضمونة بالإقليم.
فالمركب الكيماوي الذي وضعت الدراسة حوله مند سنة 1958 وأخذ في التوسع وتنويع الأنشطة الإنتاجية وفق استثمارات عمومية وخاصة تركز على الربح السريع وبأقل التكاليف لخدمة الطلب الدولي على أنواع الأسمدة بالزيادة في قدرات المعالجة والتصدير، هذا المركب المتعدد الذي يقع قريبا جدا من الكثافة السكانية، تنثر مدخناته الشاهقة كميات هائلة من الدخان والغبار المشحون بالمواد السامة في سماء
المدينة.
فالتقارير غير الحكومية تثبت وجود مواد تدخل في الصناعة الكيماوية والمعروفة بخطورتها وتستعمل بكميات أكثر من النسب المسموح بها دوليا، مثل مادة الأمونياك والفلور وحمض الفوسفوريك وحمض الكبريت. ولعل المجهود الكبير للمجتمع المحلي وجد صداه عندما قامت صحيفة الغارديان البريطانية بتحقيق ميداني ووقفت على تعدد الإصابات في صفوف العمال والساكنة، ووقفت أيضا على الارتباط الوثيق بين تلك المواد السامة وأعراض سرطان الحلق والأمراض الصدرية و توهج العيون. كما أشارت إلى خلاصات منظمة السلام الأخضر التي قالت أن "مصانع الفوسفاط بآسفي أنتجت خلال سنة 2018 حوالي 30 طن من غاز أكسيد الكبريت المسبب في حالات الاختناق" و ذكرت الجمعية النووية العالمية أن "الفوسفاط المغربي يحتوي على نسب عالية من الكادميوم واليورانيوم وهما من المعادن الثقيلة "
وقد تعمقت المشاكل البيئية للإقليم عندما أعلنت مجموعة " سافييك " بداية التشغيل التجاري للمحطة الحرارية بآسفي سنة 2018 بمعية الكونسورسيوم المتحكم في الانجاز والتدبير لمدة 30 سنة: انترناشيونال باور و ناريفا هولدينغ و او دي اف انترناشيونال الفرنسية و تشاينا دتانغ كوربورايشن الصينية، وركزت هي الأخرى على الربط بين نمو إنتاج الكهرباء وانعكاس هذا النمو على تنمية الإقليم.
في حين ظل النمو يخدم الأجندة الربحية للكونسورسيوم وظلت التنمية بعيدة جدا عن مجموعة من الدواوير والجماعات، وتعمق الاستغلال أكثر باعتماد المشروع على شركات المناولة في استقدام يد عاملة مغربية وأجنبية، لخفض التكلفة والتحكم في وثيرة الإنتاج بعيدا عن أضواء النقابة ومصاريف الحماية الاجتماعية، توفي عدد منهم في حوادث شغل، واعتمد التمويل على الشراكات المبرمة مع الأبناك الوطنية والعالمية.
وقد أشار عمر الزيدي عضو الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية " أن المغرب أهدى طبقا من ذهب للشركات متعددة الجنسيات حيث أنه تخلى عن " السيادة الطاقية "... وأن ثمن بيع الكهرباء من المجموعات الكبرى للمكتب الوطني للكهرباء قد يكلف المغرب والمغاربة دفع أضعاف الأسعار الحالية المتعلقة بالكهرباء ".
في الوقت الذي تزعم فيه حزب بوديموس حركة سياسية اسبانية تدعو إلى عدم التعامل مع المنتجات الآتية من إقليم آسفي بسبب مخلفاتها البيئية وحصدها للأرواح، و في الوقت الذي التزمت فيه دول الاتحاد الأوربي بالتخلص من المحطات المشغلة بالطاقة الأحفورية، تمادت مجموعة "سافييك" في خططها الإنتاجية، حيث رصدت منظمات المجتمع المدني شاحنات الفحم الحجري وهي تجوب الشوارع الرئيسية وكميات منها مجمعة بالرصيف المينائي.
أمام التصريحات الرسمية المصرة على ترويج الحديث عن المدخل التنموي لمخطط التسريع الصناعي دون انعكاسات بيئية وصحية أوضحت منظمة ACTION DE CAREME وجود علاقة بين المواد التحويلية المستعملة في معالجة الفحم و الصناعة الكيماوية والحالات المرضية المرصودة في صفوف العمال و الساكنة وقامت بدراسة مستقلة أكدت فيها وجود تلك العلاقة بل أنها نبهت المكاتب التجارية الدولية المتعاملة مع المركبات الكيماوية بأنها تخرق حقا أساسيا من حقوق الإنسان، وأشارت إلى "وجود مستويات عليا من التلوث البيئي وعواقبه الوخيمة على سلامة العمال والسكان"، وذكرت المنظمة أنواع الأمراض المنتشرة، تنفسية وسرطان وأمراض العيون، كما ركزت على تحليل جودة الهواء والنسب العالية للتلوث التي تفوق المستويات المعروفة عالميا.
والتحقيق المنشور على صفحات العالم 24 الذي اعتمد على وثائق "توكسي اكولوجي" يشير إلى الاستخدام المفرط لمادة الامونياك، حيث "من معدل 36% الموجود دوليا تستعمل مجموعة "سافييك" 100%" مما يرفع من وتيرة تركيز غاز الامونياك بهدف الربح المادي دون اكتراث للأرواح.
وأشارت منظمات المجتمع المدني المهتمة بالبيئة أن المجموعة تنهج سياسة تقليص صمامات الأمان قصد الاقتصاد في التكلفة.
في دراسة ل Antonin Pottier بعنوان Le capitalisme est-il compatible avec les-limit-es écologiques ?
تبين كيف "أن البحث المستمر للرأسمالية عن الربح وتخفيض التكاليف وتدبير ندرة المواد الأولية لا يمكنها البتة أن تكون نظاما اقتصاديا صديقا للبيئة "، والرأسمالية التبعية تزيد من حدة تدمير البيئة والإنسان بسبب تضاعف الاستغلال وفتح الأبواب للشركات المتعددة الجنسيات التي تهيمن كما الحال بإقليم آسفي على كل المشاريع ونهجها سياسة الإقصاء اتجاه المقاولات الصغرى بسبب غياب المنافسة وتكافؤ الفرص وانتشار الفساد من سياسة إعداد التراب، إلى فتح العروض والمناقصات والتشغيل ومنح تراخيص الاستغلال. فالسلطات تعرف جيدا بأن شركة الإسمنت والجبس، إضافة إلى الأثر البيئي الذي تخلفه مقالعها على الغطاء النباتي، تقتصد في تكلفة الطاقة باستقدام العجلات المطاطية بدون ترخيص وحرقها كبديل طاقي رخيص ولكنه مكلف بيئيا وصحيا.
وحتى يكون الفساد هو قاعدة المعاملات الأساسية لخدمة الاستغلال المكثف للمجال، يتم غض الطرف عن انتشار المقالع السرية كما أقرت بذلك لجنة مراقبة المقالع بجماعة أحد أحراره التي كشفت وجود 17 مقلعا سريا منتشرة بالدواوير التابعة للجماعة، تصل مساحة كل مقلع 6 هكتار، بالإضافة إلى وجود مقالع أخرى ولكنها غير مراقبة من حيث توسيع المساحة المسموح بها. هذه المقالع شكلت وسائل غير قانونية للاغتناء غير المشروع وتسببها في أضرار كبيرة على البيئة: انتشار الغبار وانجراف التربة وكثرة الحفر وتقلص المساحات المزروعة ومجالات الرعي. وما تقدمه السلطات المحلية المنتخبة من امتيازات سخية، شجع الشركات التي تدخل المنطقة بموجب عقود مع الجماعات الترابية، بهدف انجاز مشاريع طرقية أو غيرها، على الاستغلال المكثف للتربة دون أداء المستحقات، وقيامها بأعمال الحفر وتحميل أطنان من الأتربة بطريقة عشوائية ودون مراقبة.
لقد أصبح الوضع البيئي جد كارثي بالإقليم، وبلغ حجم الضرر حدا يفشل كل محاولات الإحياء البيولوجي سواء بسد سيدي عبد الرحمان الذي لم يعد يحسب من بين المناطق الرطبة، و الاستغلال المكثف للفرشة المائية وتلوث الباقي منها، وعزل مثلث مصب وادي تانسيفت عن المحيط بسبب تراكم الطمي والحصى والنفايات المنزلية والصناعية ومرجان معاصر الزيتون والتي حولت المساحة البحرية المحمية إلى جحيم بيئي وأضحت تهدد أنواع من الأسماك بالانقراض مثل سمك الدرعي. ولاتزال المدينة إلى اليوم تعيش أزمة بيئية وصحية مقلقة للغاية ولازالت الساكنة تقاوم الاستغلال البشع و الاختناق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة