الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتكار وابن عمه الشرير

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 11 / 17
الادارة و الاقتصاد


[في هذا المقال يميز الكاتب بين مصطلحين رئيسيين الأول هو "monopoly" ويعني احتكار عملية "بيع" السلع والبضائع للمستهلكين، والثاني هو "monopsony" ويعني احتكار عملية "شراء" السلع والبضائع من المنتجين. وسوف نلاحظ أن الشركات المملوكة والتابعة للدولة في أغلب الاقتصادات العربية تحتكر عملية البيع للمستهلكين النهائيين لأنها المحتكر النهائي لعمليات الإنتاج والتصنيع، ومن ثم المحدد النهائي "لسعر البيع" للمستهلك. وحيث أنها هي المحتكر النهائي لعمليات الإنتاج والتصنيع، فهي كذلك المحدد النهائي "لسعر شراء" السلع والبضائع من المنتج. فالفلاح المصري، مثلاً، حين يشتري سلعة مثل الخبز كمستهلك نهائي يشتريها بالسعر الذي حدده الاحتكار الحكومي، كذلك هو حين يبيع محصوله سيجد احتكاراً حكومياً على قمة السلسة يحدد له سعر الشراء. وهكذا يصبح ضحية لكلا الاحتكارين معاً، الشراء والبيع، أو كمنتج ومستهلك.]
***

صحيفة نيويورك تايمز
بنيامين أبلبوم

ظلت هيئات مكافحة الاحتكار الأمريكية طيلة العقود الماضية مغمضة العينين حيال عمليات اندماج لشركات كبرى كان لها عظيم الأثر على الأسواق، لكنها تستيقظ أخيراً من سباتها، الأمر الذي يمثل تطوراً حميداً للغاية للاقتصاد الأمريكي.

هذا الشهر أقامت وزارة العدل الأمريكية دعوى قضائية ضد دار النشر بنجوين راندوم هاوس لمنعها من شراء منافستها سيمون وشيستر، فيما يعد خطوة طال انتظارها على طريق مناهضة الاحتكار. ومن خلال هذه القضية تسعى إدارة بايدن لتذليل العراقيل التي ظلت تعطل جهود مكافحة الاحتكار منذ الثمانينات.

إن ما تستأثر به الشركات الكبرى من قوة قد يضر بالاقتصاد بطرق متعددة، أكثرها شيوعاً أن الشركات ذات القوة الاحتكارية تستطيع أن تفرض أسعاراً أعلى على المستهلكين. وكل ما قد فعلته الجهات الرقابية الفيدرالية المناهضة للاحتكار خلال العقود الماضية هو أنها رفضت الصفقات التي كان يرجح أن تؤدي إلى زيادة في الأسعار.

بيد أن الشركات الكبيرة تستطيع أيضاً جني الأرباح عبر ممارسة الضغط على عمالها ومورديها، وتستطيع التأثير على الساسة لتعزيز ميزاتها.

في هذا السياق تمثل القضية الحالية منعطفاً في مساعي مكافحة الاحتكار، حيث تدعي الحكومة أن تدخلها هذه المرة يهدف لحماية العمال، وهم في هذه الحالة الأشخاص الذين يكتبون الكتب. فالناشرون يدفعون للمؤلفين لكي يكتبوا. وأن يوجد ناشرون أقل يعني منافسة أقل، وتقول الحكومة أن السماح لهذا الاندماج قد يؤدي إلى أن تدفع الشركة المندمجة الناتجة، ومنافسوها المتبقون، أتعاباً أدنى للمؤلفين.

من هنا تبرز أهمية ضبط مقدار ما تمارسه الشركات من قوة على العمال وعلى المستهلكين كذلك كإجراء تصحيحي ضروري. ثمة دراسة في 2018 قدرت أن 20 بالمائة من الأمريكيين يعملون في أسواق كثيفة العمالة بدرجة عالية، ما يعني وجود بدائل قليلة من أرباب العمل للعمل الذي يتقنونه ضمن مسافة تنقل معقولة. "هذا يعني أن أرباب العمل عندهم المقدرة لتخفيض أجور هؤلاء الأشخاص"، على حد قول الخبير الاقتصادي بجامعة بنسلفانيا وأحد مؤلفي الدراسة، إيوانا مارينيسكو. وفي بحث منفصل، قدرت السيدة مارينيسكو وزملائها المؤلفين أن أرباب العمل يدفعون للعمال أجوراً أقل بحوالي 17 بالمائة من المبلغ المستحق لهم قياساً بإنتاجيتهم.

يواجه المؤلفون نفس الخلل في ميزان القوة الذي قد أفضى إلى تخفيض الأجور لمهندسي الكمبيوتر في وادي السليكون وللعمال الذين يقطعون الدجاج إلى شرائح. ففي العام الفائت اتهمت الحكومة المالك السابق لشركة توظيف علاج طبيعي بولاية تكساس، نيراج جيندال، بالتآمر مع أرباب عمل آخرين بمنطقة دالاس لتخفيض الأجور المدفوعة للمعالجين الطبيعيين. وفي يناير أدانت وزارة العدل شركة إس سي إيه، وهي فرع تابع لمجموعة يونايتد هيلث، لإبرامها اتفاقيات تقضي بعدم توظيف عمال من شركات رعاية صحية أخرى. وشملت الأدلة المقدمة من طرف الحكومة رسالة إلكترونية صريحة أرسلها مدير بإحدى شركات الرعاية الصحية الأخرى تطرق فيها بالحديث حول "الاتفاق" على عدم توظيف العمال من شركات مشاركة أخرى.

من الوهلة الأولى، قد يبدو أن الشركات ذات القدرة للضغط على العمال- المصطلح الفني هو "احتكار الشراء"- قد تمرر المدخرات إلى المستهلكين في شكل أسعار أقل. أنا مؤلف، ومثل ستفين كينج، أنا مسرور لتدخل الحكومة. لكن ألن تكون الشركة المندمجة الجديدة أفضل بالنسبة للقراء؟

في الحقيقة، احتكارات الشراء سيئة للمستهلكين أيضاً. احتكار البيع واحتكار الشراء هما شكلان مختلفان من أشكال القوة السوقية، لكن كليهما يمكنا الشركات من بيع بضاعة أقل من دون جني مال أقل. وبتعبير المدعي العام ميريك جارلاند، صناعة النشر المتمركزة ستنتج "عدداً أقل من الكتب وتنوعاً أقل للمستهلكين."

تركز شكوى بنجوين على الضرر المحتمل على المؤلفين الذين يحصلون على أعلى الأجور من الناشرين، أشخاص من أمثال السيد كينج وأوباما. وهؤلاء يمثلون مجموعة محدودة من الضحايا قد لا تلقى تعاطفاً كبيراً، لكن رغم ذلك يظل الاختيار استراتيجياً. فالرضا بالحد الأدنى من مكافحة الاحتكار هو من التقاليد المتأصلة بقوة في فقه القضاء الفيدرالي. وتحاول إدارة بايدن تغيير 40 سنة من هذا التفكير القانوني. ومن الجيد البدء بقضية محدودة حيث الوقائع واضحة نسبياً.

إن فكرة قصر إنفاذ مكافحة الاحتكار على رفاهية المستهلك قد طرحت في السبعينيات من قبل اقتصاديين ومحامين محافظين اعتقدوا أن الاقتصاد لم يكن بحاجة إلى إشراف من قبل الحكومة. واعتقدوا أن سلوك المصلحة الذاتية من جانب الشركات كان بوجه عام يصب في الصالح العام أيضاً، وأن قوى السوق كفيلة بضبط السلوك المنحرف.

في كتاب مؤثر صدر في 1978، "إشكالية مكافحة الاحتكار"، جادل الفقيه القضائي المحافظ روبرت بورك أن الإجراءات الحكومية لإنفاذ مكافحة الاحتكار كانت تعسفية وضارة اقتصادياً. ولأنه ما كان يستطيع أن يمحي وجود قوانين مكافحة الاحتكار، فقد عمد إلى صياغة معيار حد أدنى جديد غايته "رفاهية المستهلك": في غياب الأدلة القطعية على وجود ضرر يلحق بالمستهلكين، على حد قوله، لا يجب أن تتدخل الحكومة. (وتماشياً مع أعراف الحديث المحافظ، أصر السيد بروك أيضاً على أن هذا المعيار الجديد لم يكن جديد فعلاً.)

لقد عرض الرئيس بايدن مقاربته لمكافحة الاحتكار في صورة مغايرة لما ذهب إليه السيد بورك. "قبل أربعين سنة، اخترنا الطريق الخطأ، في رأيي، حين اتبعنا الفلسفة الخاطئة لأناس من أمثال روبرت بورك، وتقاعسنا عن إنفاذ القوانين التي تشجع المنافسة،" على حد قول بايدن هذا العام لدى التوقيع على أمر تنفيذي يحدد القطاعات التي ستسعى فيها الحكومة لزيادة المنافسة. وأضاف أنه يريد أن يستعيد ما وصفه تقليد مكافحة الاحتكار من عهد إدارتي الرئيسين السابقين فرانكلين روزفلت وثيودر روزفلت.

لكن وفقاً للمؤرخ آلان برينكلي، كان ثمة لحظة حاسمة في انحسار الجهود لمكافحة الاحتكار أتت قبل عدة عقود من السيد بورك، حين تحولت إدارة فرانكلين روزفلت من التركيز على إعادة هيكلة الاقتصاد إلى التركيز على معالجة عدم تكافؤ الفرص والمداخيل. ومن ثم عقد أنصار سياسة "الصفقة الجديدة" هدنة مع خصومهم، لن تسعى الحكومة بمقتضاها إلى "إعادة توزيع القوة الاقتصادية والحد من عدم التكافؤ بمقدار ما سوف تخلق نظام رفاهية تعويضي (ما سوف تسميه الأجيال التالية "شبكة الضمان") لهؤلاء الذي قد أخفق رأسمالهم،" كما كتب السيد برينكلي. لن تعيد الحكومة تشكيل المؤسسات الرأسمالية، بل ستعيد تشكيل البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعمل فيها تلك المؤسسات."

ثمة طريقة أخرى لطرح النقطة نفسها وهي أن الليبراليين منذ فرانكلين روزفلت قد ركزوا تفكيرهم على تحسين حياة الأمريكيين كمستهلكين بينما تجاهلوا إلى حد بعيد رفاهيتهم كمنتجين. وفي هذا الإطار يعد مفهوم السيد بورك لمكافحة الاحتكار تعبيراً منطقياً، ولو متطرفاً، عن تلك النظرة للعالم. وقد نقول إنه بلور النتائج المترتبة على اختيارات الرئيس روزفلت.

لذلك يمكن القول إن إدارة الرئيس بايدن في تحركها لحماية المنتجين لا تبتعد عن فكر وفلسفة السيد بورك فحسب، وإنما تبتعد كذلك عن سياسات الرئيس روزفلت. وهذه هي النقلة التي قد طال انتظارها.
____________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.nytimes.com/2021/11/15/opinion/antitrust-penguin-biden.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتراجع إنتاج الحبوب في المغرب


.. وزير المالية يكشف أسباب انقطاع الكهرباء.. وحجم الدعم للخبز و




.. وزير المالية يكشف أسباب انقطاع الكهرباء.. وحجم الدعم للخبز و


.. موجز أخبار السابعة مساءً - الرئيس السيسي: نستهدف تعظيم إنتاج




.. الرئيس السيسي: نهدف رفع إنتاجية الفدان في مشروعات توشكى