الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المُعْجَب بالمعري والسياب والداعي إلى الهم الخاص فوزي كريم في حوار فكري رصين.

شكيب كاظم

2021 / 11 / 18
الادب والفن


هذا حوار غير محظوظ، والحظ يؤدي دوره في أمور الحياة الدنيا كلها، هذا الحوار المعرفي الثقافي المهم، الذي أجراه الشاعر والإعلامي المغربي ياسين عدنان، مع الشاعر والناثر والمفكر فوزي كريم (1945-2019)، عانى إحباطات كادت تودي به، لولا إصرار مُجْريه ياسين، على انتشاله من وهدة الصمت وإذاعته مكتوبا، فلقد شاءت مصادفات الحياة الدنيا، أن يتعرف ياسين الذي كان وزملاؤه من شباب أدباء المغرب، ينشرون في جريدة ( القدس العربي)نتاجاتهم، أن يقرأ إعلانا عن قرب صدور مجلة ثقافية في لندن، يتولى إصدارها الشاعر العراقي المغترب فوزي كريم، فيوطد ياسين العزم على الكتابة إلى مجلة ( اللحظة الشعرية).
أرسل قصيدة تفعيلة هو الذي كان يعاني أزمة روحية وفكرية، جعلته يفقد ثقته بالشعر الموزون والقافية وما جاد به الخليل بن أحمد الفراهيدي، وما عتمت هذه القصيدة أن نشرت، بعد حذف كلمة واحدة (قنطرة) هذا الحذف كان مدعاة لأسى، ثم اتصال معاتِب للناشر فوزي كريم، الذي أوضح له وجهة نظره في حذف هذه الكلمة، التي رأى ان القصيدة صارت أجمل وأبهى بعد حذفها، هذه المهاتفة أضحت سببا في انعقاد آصرة صداقة امتدت إلى عقدين من الزمن، ومن ثم أثمرت هذا الحوار الجميل الذي تولت نشره مجلة ( الأقلام) العراقية الرائدة، التي تواصل الصدور منذ سنة ١٩٦٤؛نشرته في ضمن الكتاب؛ الهدية مع كل عدد من أعدادها؛ نشرته تحت عنوان ( رياح هادئة. في ضيافة فوزي كريم) (تموز 2021).
ألصحفي المشاكس
يعود هذا الحوار إلى سنة ٢٠٠٠، يوم الاحتفال بمئوية الجواهري الكبير، دعي إلى هذا الحفل الذي أقيم في كردستان العراق، عديد الأدباء العراقيين منهم- كما يذكر ياسين عدنان- فوزي كريم، وفاضل العزاوي، ومحمد سعيد الصكار، وزهير الجزائري، وشاكر الأنباري، والفنان التشكيلي جبر علوان.
كان الروح الصحفي يلح على ياسين عدنان، كي يستغل هذه الفرصة، حين انطلقت الحافلة من دمشق تقل هذا الجمع الغفير، من الأدباء العراقيين والعرب، مروراً بمدينة القامشلي وحتى الخابور العراقية، كانت المسافة طويلة والرحلة البرية مرهقة، لكن ياسين عدنان ما فرط بهذه المناسبة التي قلما تحصل؛ استثمرها بإدارة حوار ثقافي شامل، هو الذي حذق هذه المهنة، إذ كان يواصل تقديم برنامجه التلفزيوني الثقافي من على شاشة التلفزيون المغربي تحت عنوان (مشارف)، وقد ضربت بالرأس الكأس والشمول، مما أطلق للقريحة عنانها.
ما اكتفى ياسين بمحاورة فوزي فقط، بل تلبسته مشاكسة الصحفي الإعلامي، فكان ينقل بعض آراء فوزي إلى فاضل العزاوي، حتى إذا وصلت الحافلة إلى غايتها، كان الحوار قد بلغ شأوه وغايته، وقد استأمنه ياسين في شريط تسجيل صوتي، لكن المصادفات تؤدي أدوارها الطيبة مرات، وأحيانا تؤدي أدوارا فاجعة، لقد فُقِد هذا الشريط، الذي ترك في نفسه أسوأ الآثار، لكن ثاب ياسين إلى نفسه واستطاع تلافي هذا الإحباط، من خلال مواصلة محادثة فوزي عبر وسائل التواصل الأخرى.
حوار فكري عميق
في هذا الحوار الذي ناف على المئة صفحة، زانته مقدمة رشيقة أنيقة كتبها الدكتور حسن ناظم؛ الذي وصف فوزيا بالشاعر والناثر الآسر، كما كتب عنه أكثر من كتاب، منها (أنسنة الشعر. نحو حداثة أخرى: فوزي كريم نموذجا) المركز الثقافي العربي ٢٠٠٦، فضلا عن (إضاءة التوت وعتمة الدفلى. حوار مع فوزي كريم) دار المدى ٢٠١٣، في هذا الحوار الذي هو إضاءات كاشفة عن آرائه التي بثها عبر كتبه (ثياب الإمبراطور: الشعر ومرايا الحداثة الخادعة) المدى ٢٠٠٠ و(العودة إلى كاردينيا، سيرة ذاتية) المدى ٢٠٠٤ فضلا عن (تهافت الستينيين، أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي) المدى ٢٠٠٦كذلك (مراعي الصبار) المدى ٢٠١٥، وفيها الكثير من الجرأة والصدق، حتى أنه لا يجيب عن بعض الأسئلة التي يرى فيها خدشا لخصيصة الصدق، لأن جوابه قد لا يكون صادقا خالصا لأسباب شتى، كما عرف عنه نأيه عن الأفكار التي استحوذت على توجهات الأدباء، وجعلتهم ينشغلون بالهم العام، بعيدا عن الهم الذاتي والخاص، والذي يسميه، المعترك الداخلي ومن نماذجه المعري والسياب، في مواجهة شعراء المعترك الخارجي، ويقف في الصدارة منهم المتنبي.
إنه يرى أن المناهج النقدية مثل البنيوية والتفكيكية، قد أماتت المؤلف ونفت النص المكتوب عن الإنسان، وجعلت الكلمة متوالية الدلالة متسائلا: ألا ترى أن إنتاج نص شعري جيد يلذ للقارىء، ويسبغ متعه عليه ضروري في جذب القارىء إليه؟
كما يرى أن المؤسسة السياسية في دول الانقلاب العسكري، منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، قد صادرت حرية الرأي والتعبير، هذه المصادرة أنتجت كل هذا التصحر الفكري، إن كان ثمة فكر للتصحر؟!حتى عجزت الأجيال التالية كلها أن توجد مفكرا يضاهي طه حسين، إنها تناغمت مع أفكار المثقف الثوري الذي يعاني عشوا فكريا، جعلته ينظر إلى الأمور بمنظار أحادي لا يكاد يحيد عنه، وإلا اتهم بالتحريفية والأفكار البرجوازية أو البتي برجواز؟!
وأشبعت الناس شعارات بعيدة عن الواقع، وهتافات ومسيرات تأييد، فهي تعلي كذبا من مهمة ما تسميه (الجماهير) لكنها تغيّب الإنسان وتسحقه، وتفكر بدله، وتنوب عنه في كل حقوقه، ولا تتذكره إلا في الواجبات، هذه الموجة الثورية الإنقلابية، كانت عالمية في ستينات القرن العشرين وما تلاها، حتى أن الشباب في الولايات المتحدة، كانوا يرفعون (الكتاب الأحمر) للزعيم الصيني ماو تسي تونك (ت١٩٧٦) في تظاهراتهم، فضلا عن ظاهرة سلفادور اللندي، ومن قبلها انتفاضة الطلبة في ربيع ١٩٦٨، ودفع الرئيس الفرنسي شارل ديكول إلى التنحي ومن ثم الموت خريف ١٩٧٠ ، ولك أن تطابق- كما يقول فوزي- كل هذه العناصر وغيرها بعناصر الإعلام الثوري الرسمي، ستعجب من دقة تطابقهما، فكل الذي أراده الشاعر الثوري، والناثر الثوري، إنما تردد في لغة الإعلام، فإعلام النظام الثوري طويل النَفَس، لأنه يعرف أن مهمة إلغاء الإنسان ليست بالمهمة السهلة.
ظل فوزي كريم طول عمره متطابقا مع ذاته، عاملا على تجذير مشروعه الثقافي، الهادف إلى خدمة الإنسان، الذي جعله الله في أحسن تقويم.
فوزي، شأنه شأن الدكتور طه حسين، الذي صرح إنه لا يحب المتنبي، لدى كتابته كتابه عن المتنبي، فوزي يرى أن المتنبي اهتم بالشأن العام والطموح الواسع، الذي يسميه (المعترك الخارجي) وترك صوته الخاص، أي خلجاته ونوازعه وذاتيته، التي أفصح عنها المعري وأعلا من قَدْرِها.
المتنبي الذي أعاد القصيدة إلى جذورها العربية البدوية الصحراوية، يقول فوزي، سيصل به الحال أن يشتم الحضارة في قوله:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية- وفي البداوة حسن غير مجلوب
وأرى أن أبا الطيب المتنبي في قوله هذا ما شتم الحضارة، فذلك يعني خروجه عن سنن الحياة الطبيعية، بل مدح الجمال الفطري، وفضله على الحسن المجلوب؛ مجلوب بتطرية وتعمّل وتصنع.
ومن دلائل عدم تواؤمه مع المتنبي، أنه يستعير قولة الباحث السعودي غازي القصيبي، في أن (العرب ظاهرة صوتية) وجعلها القصيبي عنوانا لأحد كتبه، وهي الأخرى تصادف هوى في نفس فوزي، ليقول: إن المتنبي لا يصلح إلا للعرب وللأذن العربية، لأن ثمة تطابقا بينهما، فالكرامة والحماسة عند العرب ظلت إلى اليوم، أهم من الحقائق البديهية وما تكشفه البصيرة!
وإذا كان القصيبي مبالغا في قولته هذه، التي صادفت هوى في نفس فوزي، فما الضير يا ترى في ذلك، ان يحترم الإنسان كرامته ويعتز بها ويدافع عنها؟ فالكرامة وطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو