الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميكانزم الحبِّ الأخير

عماد عبد اللطيف سالم

2021 / 11 / 18
الادب والفن


( 1 )
قبل أن أشيخَ تماما ً
سأنتبذْ لروحي مكانا ً قصيّاً.
هناك في اّخرِ الأرضِ
سأبحث في السبعينِ من العُمرِ
عن "وطنٍ ثالثٍ" لايشبهُ العراقَ
حتى قليلا .
هناكَ .. هناك ..
هناكَ في اّخرِ العُمرِ
سأمحو من ذاكرتي تفاصيلَ البلادِ
التي حاربتُ فيها طويلاً
ولم أنتصر فيها إلّا على نفسي
كفانوسٍ شاحبٍ
في نهارٍ شاحبٍ
وليلٍ مُضيء .

( 2 )
هناك في ظُلُماتِ الكرخِ القديمةِ
أو حينَ ينعطفُ النهرُ
في "العطيفيّةِ الثانية"
و قبلَ أن أبصرَ وجهاً واحداً كالحاً بعد
في الدروبِ المُترَبةِ بالعشبِ اليابس.
هناكَ في أوّل العمر
حيثُ "المقهى البرازيلية"
و "الجامعة المستنصريّة"
وبارات الكأس الأولى على نهر المسراتِ
والطالبات الملائكة
والطلّابُ المُتعَبونَ
هناك .. حيث " نوّابُ العُرفاء "
والبيريّات
والبساطيل
والذباب
وغائط الجنود في ممرّاتِ "كورك"
وهنا .. في اّخرِ العُمرِ
سأرفضُ أن أستعيدَ وجهَ أمّي
ورائحتها
وسأصرخُ في الراحلينَ من أخوتي..
مرحى
مرحى
كيف عرفتم أنَّ هذا سيحدثُ
وذهبتم باكرا إلى "كَهَفِ" الفرارِ منَ الضَيْمِ
قبلَ أنْ يدْلَهِّمَ العراقُ
ولم تشتروا من السوق شيئاً
وكان كلبكم أقربَ الناسِ إليكم
من قبل أنْ يصبحَ الناسُ كلاباً ..
بزمانٍ بعيد .
هناك .. هناك .. في اّخر العمر
سأستعيدُ وجهَ أبي (مرةً واحدةً لا غير)
وسأسكبُ في أذنيهِ رصاصَ أسئلتي البكرِ/كالمومسات/
لماذا يا أبي ...
" لماذا تركت ألحصان وحيداً " ..
وهرَبت ؟
( 3 )
هناكَ .. في اّخر الارض
لن أتصفّحَ وجهاً واحداً صادَفني خِلسةً في ممرِّ القراءة.
هناكَ.. حيثُ يجِفُّ الحبرُ وتُرفَعُ المصاحفُ
سأهجرُ الكلماتَ التي ضاجعتني طويلاً
وأغسِلُ تلافيفَ مُخّي بحامضِ الكبريتيكِ /غير المخفّف/
وأصرخُ في وجهِ أمرأةٍ تلتصقُ بي منذُ ألفِ عامٍ /على ماأعتقد/
لماذا لا نُرَتِّبُ لنا موعداً أوّلاً
في خبايا مدينةٍ كبغداد
لاتشبهُ أبداً
بغدادَ المهجورةَ هذه
من كلِّ شيءٍ جميل ؟
( 4 )
هناكَ ....
(لاأدري إلى الآنَ .. أين)
سيكونُ صعباً عَلَيّ
أن أتهجّى كلَّ أسمائهم
وأن أنحني باحترام
لمن كانوا طويلا ً اّلهةَ القراطيس
والكتب المنهجية.
سيكونُ صعباً عَلَيّ
إدراكُ هذهِ السهولةِ في أمتطاءِ الأحصنةِ
ورفعِ البيارقِ
بيرقاً تلوَ اّخر.
لقد عشتُ عمري هنا .. لاهناك
دون بيرق ٍ أو عشيرة ٍ أو "مضيف"
دون شيخ ٍ وحصان ٍ وقائد
دونما شيءٍ .. أي شيء
غير إسمي الخالي من الوجاهة.
( 5 )
كيف يمكنُ لي
وأنا على مشارفِ ما تبقّى من الوقت
أن أكونَ سيّداً .. أو إماماً .. أو شيخَ جامع ؟
كيفَ يمكنُ لي أن أقولَ لأجملِ امرأةٍ تصادفني كلّ يوم ..
أحبّكِ مذ كنتُ في العاشرةِ من العمر/ لكنني لم ألتقيكِ من قبلِ/فأغفري لي
غفوتي/ وصحوتي/ وشَيْبي / وعيوبي الكثيراتِ جدّاً عليكِ / وأنتِ في الثلاثينيّاتِ
من العُمرِ/ وأنا في سبعينيّاتِ "القهرِ الوطنيّ" الموروثِ منذُ عصرِ المشيمة؟
كيف أدخلُ "الصفّ"، وأُعلّمُ طلّابي الضحكَ على مصائرهم المستحيلة
وأدعوهم إلى حبِ أرضٍ تنبذهم ، وتزدريهم ، ولاتصلحُ أن تكون حديقةً لصبواتهم،
وفتوّتهم ، وغمز زميلاتهم بعيونٍ نصفَ مغمّضةٍ ونصف مفتوحةٍ ولكنها مُتّسِعةٌ
كأي حبٍّ أوّلٍ
في الصفِّ الأوّلِ
من بكالوريوس العبثِ العائليّ ؟
( 6 )
كيف يتسنّى لرضيعٍ ارتكاب أحلامٍ مُخِلّةٍ بالشرف ؟
كيف يسرقُ البعضُ " عربات الوقت " و "يهربون بالنسيان "
كيف يُسمّى العراقُ عراقا ً
دون ماءٍ ورمادٍ وغبارٍ وأغانٍ وخمرٍ وحزنٍ وسوادٍ عميم ؟
( 7 )
كيفَ لا أفِرُ من المتاهةِ .. وكلّهم فرّوا
وأوكلوا لي سقايةَ أشجارِ أنسابهم التي يأكلها العِثُّ ، وتعشعشُ فيها الفضيحة؟
كيف لاأفرُّ بعد سبعينَ عاماً من القيظِ الدائمِ والعطشِ المستدام ؟
لماذا لايتنكَّرُ نوحٌ لسفينتهِ المكتظّةِ بالأوغاد ؟
لماذا أتربّعُ وحدي
وسطَ هذه المزبلةِ الشاسعة
ملتصقاً بالزرائبِ المعلّقةِ لنبوخذ نُصّر .. وأخلافهِ المُبجّلون؟
( 8 )
" الناسُ نيام ، فاذا ماتوا انتبَهوا "
لماذا لا أنتبهْ قبلَ أن أموت ؟
لماذا لم أنَمْ أبداً .. ولم أنتبهْ أبدا ً
والعراق ميّتٌ منذ خمسةِ اّلافِ عام ؟
( 9 )
سأذهب الى "هناك "
ف "هنا"
لا أستطيعُ ممارسةَ الحِرَفِ السائدة
لأنّ "نظام الطوائف الحِرفيّة"
أقْفلَ بابَ الانتساب
منذُ العصرِ "الماركنتيلي"
وأعادني قسراً
إلى قلاعِ الشيوخِ المُنيفة.
( 10 )
من هنا ... الى ... هناك
وفي السبعينِ من العمر
سأستجدي الإستجارة من أقوامٍ أخرى .. في أرضٍ أخرى
لعل وعسى
أتجنّب الموتَ مثل كلبِ شريد
في الدروبِ المُغبَرّةِ
للعراقِ العظيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو اكثر شيء يزعج نوال الزغبي ؟??


.. -احذر من صعود المتطرفين-.. الفنان فضيل يتحدث عن الانتخابات ا




.. الفنان فضيل يغني في صباح العربية مقطعا من أحدث أغانيه -مونيك


.. مشروع فني قريب بين الفنان فضيل وديانا حداد وجيبسي كينغ




.. أغنية -عبد القادر- بصوت الفنان فضيل في صباح العربية