الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميكانزم الحبّ الأوّل

عماد عبد اللطيف سالم

2021 / 11 / 18
سيرة ذاتية


هناكَ في زقاقِ "الحصّانةِ"
المختبيءِ في قلب الكرخِ العتيقةِ
على مشارفِ مقبرة "الشيخ معروف "الكرخيّ
هربَتْ معلمّةُ " التربيةِ الوطنيّةِ " في مدرسة " الخيزران "
وهي ترتجفُ ساخطة ً ومذعورة ً
من بحلقةِ جميع طُلاّب الصف الثالث الأبتدائي
بساقيها الشهيتين .
****
كانت جميعُ الطالباتِ/ تقريباً/ مُسَخّمات ْ
الا طالبةً واحدةً في الصفِّ الرابعِ
تشبهُ "ناديا لطفي" كثيرا ً
وكان طلّابُ مدرسةِ الخيزرانِ جميعاً
"يموتون عليها" من الحُب .
****
في الصفِّ الرابعِ
عام 1964
كانت السِت "سِرِّية "
تراقبنا كـ "الأخ الأكبر" لـ "جورج اورويل".
غير أنَّ هذا لم يمنعْ فمي الكبير
من لثمِ كفِّ شريكتي في "رَحْلَةِ الصفِّ".
كنتُ مُغمّضَ العينينِ وأنا أرتكبُ خطيئتي الأولى تلك
وكانَ وجهُ زميلتي/ الأبيضَ جدّاً /
ميّتاً من الرعب .
****
في الصفِّ الخامس الابتدائي
" أحببتُ" مُعلّمةَ الانجليزية الفاتنة.
وحتّى هذهِ اللحظة
لاتفارقُ ذاكرتي ضحكتها الحلوة
ووجهها الشبيهِ بوجهِ " فيجانتي مالا "
في فيلم " سينكَام".
****
في الأبتدائية
أحببتُ جميعَ طالباتِ المدارسِ في الكرخِ
ألمُسَخّماتِ منهنَّ
وناديا لطفي
وشعثاوات الشَعر/المُقمّلات /
وسندريلات "سوق حمادة "
وجوليتات "الشيخ علي ".
الوحيدة التي لم أحبّها هي " فوزيّة ".
"فوزيّةُ" التي كانت تعرفُ متى تَحِلُّ علينا "ليلةُ القَدر.
قالتْ لمُعلّمَةِ الدينِ : إنّها في العَشرِ الأواخرِ من رمضان
وقلتُ أنّا : إنّها في أيام الأثنين أو الخميس أو الجمعة .
نالتْ "فوزيّةُ"عشر درجاتٍ في امتحانِ الدينِ /العصيبِ/
وأصبَحتْ " فارسةَ الصفّ"
بدلاً مّني .
****
في الكرخ القديمة ..
كان عشّاقُ الصفِّ الأوّلِ من العمر
يذهبونَ الى "شريعةِ" خضر الياس
يوقدونَ شمعةً على " كَرْبَة النخل "
ويتركونها تموءُ على قلبِ دجلة .
كان دجلةُ أبي
و" الخضرُ" عمّي
وكلُّ النساءِ /الظامئاتِ/ المحزوناتِ/الشاحباتِ/ نسائي .
غيرَ أنَّ جميعَ " الكَرْباتِ" كانت تحملُ على ظهرها شمعاتَ العشقِ/موقدةً/ وتعبرُ جسرَ الشهداءِ/ مضيئةً/ كالحبيباتِ ..الا شمعةَ صبوتي ..
كانت كاليتيم الذي يغيبُ في وجههِ قمرُ الأمنيات
مطفأة ٌ قبل جسر الشهداء بعدة موجاتٍ
وكأن "الخضر" كان يكرهني
ويطفيءُ شمعي
ويغرِق " كَرْباتي ".
ومن يومها .. وأنا أسألُ " خضرَ الياسِ " .. لماذا ؟
لماذا تطفيءُ شمعي "خضرَ الياسِ " ... وتخذلني
وتجعلُ حبيباتي ينفرنَ منّي
كشمعةٍ لائذة ٍ بـ "كَرْبَةِ" الوطن المستحيلِ ..
لماذا؟
****
في السنينِ العشرِ اللاحقةِ
لم تتغيّر "ميكانزماتِ" الحبِّ كثيراً .
جاءت امرأة ٌ ... ورحلتْ أخرى
ورحلت امرأة ٌ... وأستقرّتْ أخرى
وحـلَّ " المنصورُ" محلَّ " الشيخ علي "
و "راهباتِ التقدُمَةِ" محلّ "مدرسة الخيزران "
وبدأ الأسى ينخرُ في القلبِ
فليست جميع "الميكانزماتِ" مشرقةٌ في كتابِ الهوى
فبعضها أفضى الى الضوءِ
وبعضها أدلهمّتْ به ظلماتُ روحي
وقد حكيتُ لكم /إلى الآنَ/ تفاصيلَ الضوءِ في "ميكانزماتِ" الحبِّ الأولِ
وأليكم تفاصيلَ بحورِ الظُلماتِ تباعا ...
( 1 )
في الصفِّ الأوّلِ .. في "المستنصريّةِ"
توزعتْ غضاضة ُ القلب على أجسادٍ جاحدةٍ لحبيباتٍ مُفترَضاتٍ /كالحُلم الشيوعيّ/
وعبد اللطيف علوان يحسدنا / ونحن نفترضُ النصرَ في غزواتِ الجسد البكرِ/ وكانت الهزائمُ المُرّةُ قادمةٌ /وعبد اللطيف ينتشي بحلمنا/ دون حلمٍ/.
كان عبد اللطيف أكبرُ من أحلامنا الدبِقةِ على طابوقِ "رئاسة الجامعة" / وكان بوسعي، من أجل عيونٍ عابرةٍ باحةَ قلبي، تقبيلَ الجدران الطابوقيّةِ/ حجراً .. حجراً /.
ماذا فعلْتُنَّ بنا
يا نسرينَ
ويا بلقيسَ
ويا نجلة ؟
لقد التصقتْ قلوبُ الفتيةِ الماركسيّونَ/ العبثيونَ/الذين لم يؤمنوا بربّهم حينها/ على طابوقِ الجدرانِ/ طابوقةً .. طابوقةً/ لكي نأكلَ أرغفةَ العشقِ معاً في بيتٍ مُتّقِدٍ بالرغباتِ ، وبالبهجة .
لماذا يا نسرينُ
لماذا يا بلقيسُ
لماذا يا نجلة ؟
(2 )
بعدَهُنّ ..
من يتربّصُ بليلٍ عصيٍّ على الشمسِ
وبمطرٍ دون أسىً ، أو حنين؟
من يقايضُ/عداهُنّ/ قمراً كالحجارةِ
بوجهٍ لايُضيء ؟
من يجعلُ الليلَ مكاناً
لاتمارِسُ فيه الظُلمةَ/دونَهُنّ/
قمعَ روحي ؟
(3)
كلّما أطفأوا شمعةً في باحةِ القلبِ
أوقدتُها بحنيني .
وكلما أوقدتُ ما أطفأوا
صادروا باحةَ القلبِ منّي
فما عادَ لي ما يُضيء.
( 4 )
في العشرينيّاتِ من العمر ..
كنتُ أتوقُ الى أناملٍ من حريرٍ
ونهد ٍ من عنبرٍ
وحُلمةٍ من عسلٍ
وأردافٍ من عاج
وبطنٍ كالقمر .
في العشرينيَاتِ من العمرِ
كنتُ أتوقُ إلى موتي
و بعثي
و موتي
فوق شفةٍ من رحيق
أسكبهُ على ظمأٍ من غضبٍ
و على عيونٍ ترفضُ أن تنامَ بعيداً
عن جسدٍ مستحيل .
( 5 )
أينَ أنتُنّ؟
أينَ أنتم؟
أينَ هُم؟
أين ذهبوا .. واستوطنوا .. وناموا .. وماتوا ..
تاركينَ لي إرثا ً من دموعٍ
وأغطيةً من الهَمِّ
ووجوهاً... وأصواتاً
ألوبُ من لهفتي عليها ..
دون جدوى .
( 6 )
هذي بلادُ الرماد
لاأحدَ يدري متى أحترقتْ مدائنها العجيبة داخلنا.
لا أحد يتذكّرُ متى بدأت سيرةُ النارِ فينا .
( 7 )
كم مرةً قلتُ وداعاً لأهلي
وجعلتُ من عينيكِ مثوايَ الأخير .
لكنّكِ أغمضتِ دموعكِ في راحتي
ساكبةً إيّايَ تحتَ أقدامٍ لا تنتهي
بعضها من غضبٍ
وبعضها من ذهول .
( 8 )
في الخامسةِ والعشرين من العمر
مُهملٌ أنا
مثل حصانٍ عتيق
وامرأتي تغادرُ بيتي/ لاأدري إلى أينَ/
وحينَ يداهمُ الليلُ قلبي ..
ألوذُ بحزني
مستجيراً من جحيمي
بقبلةٍ مستحيلة
على أصابعِ روحي .
( 9 )
مثلُ حصانٍ عتيق
يأتي فرسانٌ جُدُدٌ
بخيلٍ جامحةٍ كالسحاب
فتربطني الحبيبةُ إلى عربةِ نفطٍ
وتوميءُ لي قائلةً :
وداعاً ياسائسَ الأمنيات.
وداعاً يا مَلكَ الأحلامِ العصيّة.
وداعاً يا أنبلَ عشاقي.
وداعا ً يا حبيبي الوحيد .
(10)
أجرُّ العربةَ إلى مخدعي.
يضُمّني السائسُ الى صدرهِ .
الى متى أبيعُ دمي بسعرٍ/ غيرُعادل /
لكي أحظى بلحظةٍ من بكاءٍ
على صدر حبيبٍ يذهب ُ بعيداً
كي لا يشُمُّ في حضوري
رائحتي
ويهرب منها
إلى وطنٍ جديد ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا -غارقة في المجهول-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان، من س


.. هل فرنسا قادرة على تشكيل -ائتلاف حكومي-؟ • فرانس 24




.. -مواجهات محتدمة- وإطلاق الغاز المسيل للدموع في ساحة الجمهوري


.. رفع علم فلسطين على جسر موستار الأثري بالبوسنة والهرسك




.. عاجل| 10 شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي على جباليا النزلة