الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة -بوصفير-

عبد الرحيم رجراحي

2021 / 11 / 18
كتابات ساخرة


أستاذ الفلسفة بالدار البيضاء
وطالب باحث في سلك الدكتوراه.

"بوصفير"، "بوزريق"، "بارد الكتاف"، "الشمكارة"، قطَّاع الطرق، ذوي السوابق الإجرامية...إلخ، أسماء كثيرة تطلق على كائن اشتهر بجملته الشهيرة وهو يقول:
"زيد، زيد، زيد...".
ثم تسمع صوتا مدوِّيا: "باق".
فيردف صائحا: "باراكا"، بعد أن يكون الأوان قد فات.
ينبثُ "بوصفير" في الشوارع العمومية كالفطريات، ويختبئ وراء حاويات الأزبال، والإعلانات الإشهارية، وما إن يسمع صوت محرِّك السيارة حتى تجده يعترض طريقك وهو يشوِّه المنظر العام بوجه مكفهر، وأياد ممزقة تحت هلوسات المخدرات الصلبة.
تقعُ دولة "بوصفير" في شمال أفريقيا، وتمتد من طنجة إلى الكويرة، وعاصمتها مدينة الدار البيضاء مجازا، السوداء حقيقة. والعلَم الوطني لهذه الدولة عبارة عن سترة صفراء تلوح في الآفاق على الأشجار، وأعمدة الكهرباء، وعلى "أكتاف باردة" تأخذ ظلما وعدونا كل شيء، ولا تنتج شيئا سوى التبوُّل على جدران المدن كالكلاب الضالة، ورمي أعقاب السجائر في الطرقات، واعتراض السبيل وانتهاك الحرمات.
تمثِّل المجالس الجماعية والبلدية خدَّام دولة "بوصفير" وأجهزتها القمعية والإديولوجية الذين يفوِّتون الصفقات العمومية لمافيات تعتو في الأرض فسادا واستبدادا، مقابل الملايير، فينصِّبون أنفسهم حكَّام البلاد، وأوصياء على العباد، والقابضين على الرقاب؛ فهم يأكلون من عرق جبين الشرفاء، ويستخلصون الإتاوات من الناس من طلوع الشمس إلى الهزيع الأخير من الليل دون حسيب أو رقيب.
يُعَدُّ قانون الغاب هو دستور دولة "بوصفير"، حيث البقاء لحق القوي، لا لقوة الحق؛ فإذا كنتَ تتقن فنون القتال، وتملك عضلات مفتولة، وطولا فارعا، فإن بوصفير يتنحى جانبا، مودعا إياك بابتسامة ذلة ومهانة وحقد وغدر، وإن كنتَ ممن لا حول لهم ولا قوة، فإنك تصير طعما يُأكل من عرق جبينك، أو من دمك ولحمك، وإذا قُدِّر لك أن تنجو بجلدك، فإن "بوصفير" يقتصُّ من صباغة سيارتك أو من زجاجها وعجلاتها، بل قد يجعل منها حطبا للنار المتقدة في نفسه، يكفي أن يصبَّ عليها ما تيسَّر من بنزين أخنوش، ويلقي عليها عقب سيجارته وهو ينتشي بالنصر المبين.
في دولة "بوصفير" أينما ولَّيت وجْهك، فثمة وجهُه، في الشوارع والأزقة، قرب الحمام والبقال والمقهى والمستشفى، بل داخل المساجد وخارجها؛ "بوصفير" كائن مجند في كل مكان لمص دماء الناس، وتعكير طمأنينتهم، وكأني به لعنة الله في الأرض، أو غلطة الوجود والتاريخ والطبيعة، أو قضاء وقدر، فهل من مهرب منه؟ وأين المفر؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي