الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياسين وجميلة ( الحلقة الاخيرة)

احمد عبدول

2021 / 11 / 18
الادب والفن


كان أول شيء قام به ياسين بعد ان اجتمع مع أخواته وأبناءهن ان استأجر له بيتا صغيرا ، له بالقرب من بيت أخته أم محمد وقد باشر بوظيفته الجديدة كمدير لأحد الأقسام في وزارة الثقافة ، قرر ياسين بعد أيام من مزاولة عمله الجديد ، ان ييمم وجهه نحو قبر والديه ، بصحبة زكية وام محمد وأبناءهن ، حيث مقبرة وادي السلام .
وقف ياسين أمام قبر والده ووالدته، وراح يكلمهما وكأنهم إحياء وهو يبكي كالطفل وسط نحيب زكية وانتصار الذي رحن يصبرن عليه خوفا عليه ، اخذ ياسين يكفكف دموعه بمنديله ثم انطلق مع محمد صوب احد المكاتب المسؤولة عن حفر القبور وبناءها ، للاتفاق على بناء القبور من جديد وإحاطتهما بسور من الطابوق وقد دفع لصاحب المكتب مبلغا ماليا سخيا .
بعد ايام قلائل طلب ياسين من أخته ام محمد ان تصطحبه الى النهروان حيث أخواله الذين كان لهم اكبر الفضل وأعظمه في إيوائه وحمايته عندما عرضوا أنفسهم للخطر دونه أيام الثمانينيات خلال الحرب العراقية الإيرانية .
انطلقت بهم السيارة عند الساعة التاسعة صباحا من يوم الجمعة كان الطريق غير مألوفا بالنسبة لياسين فقد تغيرت ملامح الطريق والبيوت ومداخل المدينة لم يكن هناك وجود للنهر الذي كان ياسين يقضي فيه بعض أوقات الظهيرة في السباحة ونصب شباك الصيد، والذي كان يلتف حول المدينة كما يلتف العقد على جيد الفتاة ، أما السبتان الذي كان يتوسطه مخبأ ياسين فقد تم ردمه عندما
تم تجريف العديد من أشجاره لغرض بناء عدد من الدور .
وصل ياسين لأخواله فوجد خاله الحاج دواي قد توفاه الله كما توفي خاله زاير ولم يبق سوى عبد ومسلم وهما اصغر أخواله عمرا ، إما حميد وعقيل وأبناء أخواله الآخرين فقد وجدهم قد تقدم بهم العمر وصار لهم أولاد كثر ، التف الجميع حول ياسين وكأن على رؤوسهم الطير فهم لا يصدقون بأن ياسين ما يزل على قيد الحياة بعد كل تلك السنوات .سأل ياسين ابن خاله حميد عن حبيبته ( جميلة ) فكان ان اخبره ان جميلة قد تزوجت بعد ان التحق بالاهوار بعامين من ابن عمتها وقد سمت ولده البكر على اسمه .

في صباح يوم الأربعاء 22/2/2006 فجر مسلحون مجهولون قبتي ضريحي الإمامين العسكريين في سامراء مما أسفر عن هدم أجزاء كبيرة منهما ، فكان العراقيون مع أسوء وأبشع فصل من فصول تاريخهم القديم والحديث ، حيث قتل الأخ أخاه ، والجار جاره ، والصديق صديقه تحت تأثير تلك الدوافع الطائفية المقيتة .
كان ياسين يحلم بوطن أخر غير الذي غادره قبل عقدين من الزمن وطن حر وشعب سعيد ، ينعم فيه الجميع بالعز والرفاهية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، إلا انه تفاجأ بأنه عاد مجددا يبحث عن ذلك الوطن الذي ليس له وجود سوى في مخيلته ، بل انه صار اليوم يشعر بغربة اقسي من ذي قبل ، فهل هو هذا العراق الذي كان ينتظر بزوغ فجره بفارغ الصبر وهو يحمل بندقيته داخل اهوار الجنوب ومن على قمم جبال كردستان ؟ هل هذا هو العراق الذي ضحى من اجله المضحون من قادة ونخب وكتاب وثوار من أبناء العراق الشجعان فمنهم من صار طعما للأسماك ومنهم من تطايرت أشلائه فوق سفوح الجبال الشاهقة .
خرج ياسين ذات يوم عند الصباح ليأتي بالقيمر والخبز الحار من الفرن القريب على داره لتناول إفطاره عند بيت أخته ام محمد واذا به يسمع صوت عدة أطلاقات نارية ، نظر الى يساره وإذا بسيارة ( اوبل) تقف قبالة إحدى المدارس الابتدائية وقد خرج ثلاثة أشخاص من داخلها كانت مسدساتهم بأيديهم بينما تعالى الصراخ من داخل المدرسة .
كان الثلاثة قد قتلوا ابو رشا الرجل الوديع الذي كان يعمل منظفا داخل المدرسة ويتخذ منها بيتا في غرفة صغيرة ومتواضعة تآكلت جوانبها من الرطوبه مع زوجته وبناته الأربعة ، كان ياسين أول من دخل ليرى ماذا يحصل ليجد البنات الصغيرات يتصايحين بينما كان والدهن مسجى وسطهن والدماء تندفع من رأسه وصدره بقوة وغزارة .
بعد يومين سمع أهالي المنطقة بخبر قتل (نجاة) الموظفة في إحدى مؤسسات الدولة بالقرب من الأسواق المركزية في جانب الكرخ حينما اعترض ملثمون السيارة التي تقلها مع زميلاتها وطالبوهن بإبراز هوياتهن فكان ان قتلت هي وزميلتها في وضح النهار على خلفية طائفية .
اخذت تلك الحوادث تتكرر فكان ياسين يغلي كالماء وقد وضع على نار حامية ، كان يشعر في قراره نفسه انه لم ولن يستطيع العيش داخل وطن يقتل أبنائه بعضهم بعضا ، لكن اين يتجه هذه المرة بعد كل تلك السنوات التي قضاها غربه وجهاد وسفر .

كان ياسين عائدا من عمله بعد الظهر ، وإذا بسيارة شرطة تحمل عددا من الجثث في الحوض الخلفي للسيارة كانت أرجل الضحايا تكاد تلامس الأرض إما الدماء فكانت تندفع كالميزاب من تحت تلك الأجساد ، راح ياسين يحدق بتلك الجثث متسائلا ترى ما الذي يمكن ان يحول الإنسان الى وحش مفترس ليقتل بتلك الوحشية وبدم بارد كانت هكذا أسئلة تقض مضجعه وتسهد عيونه ، أخذت حالته الصحية تزداد سوءا يوما بعد اخر .
ذات يوم كان ياسين وسط أبناء أخته محمد وحسن وأختيهما روىء ومريم وراح يحدثهم وهم يستمعون لحديثه الشيق فيتجاذبون معه إطراف الحديث عن بطولاته وذكرياته وماذا عن مستقبل العراق وقد لاحظوا مقدار الألم الذي كان باديا على كل كلمة يتفوه بها
قالت أخته : خويه ياسين عوفك من هاي السوالف ، أشوفك هالايام مو على بعضك .
ـ ام محمد وضعنا ميسر عاجبج هذا الي جاي يصير ناس تكتل ناس .
ـ خوي اني ما اعرف بهاي السوالف بس يكولون كله من السياسيين همه الهجمو بيوتنا وجابونا الكاتل والمكتول .
قال محمد : خالوا اني اشوف هيج .
اطرق ياسين قليلا ثم رد قائلا : خالوا السياسيين مو خوش ناس وياك بس احنه اشبينه احنه خو مو ادوات بديهم يحركونه يمين ويسار
يعني السياسي كلك اكتل اخوك لو هجر جارك تسويها ؟
ـ لا والله خالوا ما اسويها .

ـ شوف حمودي وداعتك الشعب العراقي لو ما عنده قابلية على فعل القتل جان اكبر سياسي مكدر يأثر بوحدتهم .
التفت حسن وقال : خالوا اشلون يعني .
شوف حسن مرض السكر على سبيل المثال الي صاب عمتك زكية
ـ اي خالوا .
شوف لو مو اكو قابلية عد عمتك للاصابه بهذا المرض ميصيبها حتى لو تعرضت لمصيبة او حادثة او فاجعة ، الا ما ندر وهذا ما يؤكده الطب نفسه .
قالت ام محمد : ياسين خويه عوفنه من هذا الحجي وكلنه شوكت ناوي تزوج علمود ادورلك على مره من باجر .
لا ام محمد فاتنا القطار صرنا شياب .
ـ بعدك شباب يمعود .
قال حسن : خالوا من تزوج ويجوك اطفال شراح تسميهم ؟
خالوا اني مراح اتزوج لكن جنت اكول اذا اتزوجت وجاني ولد اسميه (زيد) واذا بنيه اسمهيا ( جميلة )
اخذ ياسين يدقق في وجه من حوله ثم راح يوصي اخته ان تهتم بصحتها ثم التفت الى محمد وحسن وروىء ومريم وهو يوصيهم ان يكملوا دراستهم وان ياخذوا حذرهم من تلك المجاميع التي تقتل على الهوية ، وقبل ان ينهض من مكانه طلب من اخته ان تاتيه بالبوم صور العائلة الذي كانت تحتفظ به
ـ اروح اكلب بالصور وبعدين اناملي اشويه راسي كام يوجعني .
ـ اخذلك حباية براستول .
ـ ماشي .
ـ من رخصتكم .
ـ الله معاك .

دخل ياسين لداره استلقى على سريره واخذ يقلب بالصور والسيكارة البن لا تفارق اصابعه السمراء
عند الساعة الربعة عصرا اعدت اخته الشاي والكعك ابو الدهن الذي كان يحبه ياسين منذ صغره وراحت تنادي على ولدها حسن :
يمه حسن روح شوف خالك خل يجي يشرب جاي وياكل كعك.
ـ صار يمه
ذهب حسن طرق باب الدار لم يخرج له خاله كان الباب مفتوحا
دخل وهو ينادي
خالو
خالو
وينك شنو نايم.
لم يكن هناك رد ، اندفع حسن الى داخل الدار ليجد خاله نائما على السرير والبوم الصور على الارض، بينما كانت السيكارة (البن) ما تزل بين اصابعه وقد ترك جمرها اثرا في اصابع خاله ، حرك حسن خاله يمينا وشمالا فوجده قد فارق الحياة
خالوا
خالوا
يمه وينج خالوا مات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا