الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية الاجتماعية: فكر يجمع الليبرالية السياسية مع العدالة الاجتماعية

باتر محمد علي وردم

2006 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


بالرغم من إنتشار الفكر الليبرالي السياسي في معظم دول العالم المتجهة بإطراد نحو الديمقراطية، فإن العالم العربي لا زال مكانا منيعا ضد انتشار الفكر الليبرالي، وربما يكون أحد أهم الأسباب في هذا الفشل هو عدم القدرة على ترويج الفكر الليبرالي بشكل واضح ومباشر، والسبب الثاني هو ارتباط الفكر الليبرالي في الذهنية العربية بالسياسات الأميركية المعادية لكل قيم وأهداف التحرر والديمقراطية في العالم العربي وهذا الارتباط التعسفي والظالم بين الليبرالية والهيمنة الأميركية جعل رموز "الليبرالية الأميركية" المرفوضة عربيا هم الأعلى صوتا وتأثيرا وبالتالي الأكثر تشويها لليبرالية(أنظر مقالنا حول الليبرالي الوطني والليبرالي المعدل وراثيا).

http://batir.jeeran.com/arabic/archive/2006/4/41290.html

وأنظر مانفستو الليبراليون العرب الجدد بقلم شاكر النابلسي.

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=19771

حسنا، ليست هذه الليبرالية السياسية بالضرورة. أن تركيز الليبراليين الجدد على المعاداة المطلقة للدين وعلى جواز الاستعانة بالقوى الخارجية للتغيير الداخلي ولو عن طريق الاجتياح العسكري والترويج للتطبيع مع إسرائيل لا يمكن أن يخلقا وعيا ليبراليا مقبولا في الشارع العربي. ربما يعتقد البعض أن ما أكتيه هو محاولة توفيقية لإعطاء الليبرالية العربية فرصة جديدة للبقاء ولكن من المهم التأكيد على أن الليبرالية العربية يجب ألا تعني بالضرورة معاداة الدين والترويج للسياسة الأميركية المعادية لكل أهداف التحرر في العالم العربي والداعمة لدولة الإجرام والعنصرية الإسرائيلية.

الليبرالية السياسية هي فكر ومذهب سياسي، ليس يالضرورة أن يكون ايديولوجيا قائمة بذاتها، تعتمد على قيم الحرية. والسبب في عدم اعتبار الليبرالية السياسية ايديولوجيا أن الإيديولوجيات غالبا ما تكون قطعية التصنيف حيث ترفض كل الايديولوجيات المقابلة. أن الليبرالية هي الفكر السياسي الوحيد الذي يسمح بتعددية مفتوحة للآراء تتضمن الفكر الإسلامي والقومي واليساري، ولكن هذه الأيديولوجيات الثلاث ترفض في المقابل الليبرالية السياسية.

النقاش الأول الذي يستخدم لمناهضة الليبرالية هو حقيقة أن هذا الفكر ليس عربيا ولا إسلاميا من حيث النشأة والتطور وهذا صحيح تماما. ولكن ذلك لا يعني أنه غير قابل للإزدهار في الساحة السياسية العربية لأنه فكر إنساني ساهم في إنبثاقه جهد للكثير من العقول التي آمنت بما نسميه "عالم الحرية" واحترام قيم الحياة، وفي حال روجنا لنظرية أن الليبرالية لا يمكن أن تنمو في العالم العربي نكون نروج لنظرية خاطئة في أن الديمقراطية والحرية لا يمكن أن تنمو في العالم العربي، لأن الديمقراطية والحريات لا يمكن أن تزدهر إلا في سياق الإطار السياسي الليبرالي.

الفكر الليبرالي ليس منسجما موحدا في النشأة مثل الفكر الشيوعي لأن الكثير من المفكرين ساهموا في تطوره ومنهم جون لوك أكثر الفلاسفة السياسيين إسهاما في الليبرالية السياسية وتبعه جان جاك روسو وجون ستيوارت ميل، كما ساهم أدم سميث بقوة في الليبرالية الاقتصادية.

جوهر الليبرالية يرتكز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد وخاصة استبداد السلطة (التسلط السياسي) واستبداد المجتمع (التسلط الاجتماعي) وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال عقد اجتماعي بين المواطن والدولة مبني على نظرية المواطنة والحقوق والحريات والكرامة.

وتتضمن الليبرالية مجموعة من المبادئ الأساسية ومنها:
1- العلمانية والتي تعني فصل الدين عن جوهر الممارسة والتشريع السياسي، ولكن العلمانية لا تعادي وترفض الدين بالضرورة بل تدعو إلى أن يبقى شأنا شخصيا ولا يمارس دورا سياسيا ولا يصبح أداة لاحتكار الحقيقة وإضطهاد الفكر المقابل. وهذا يعني سيادة المجتمع المدني على المجتمع الديني والعشائري.
2- العقلانية والتي تعني الاستغناء عن مصادر المعرفة الغيبية والتركيز على المعرفة العلمية والوصول إلى الحقيقة عن طريق الفكر الإنساني والعقل والذي يصبح المرجعية الرئيسية لحسم الخلافات.
3- الإنسانية والتي تؤمن بالدفاع عن قيم الحرية الإنسانية وحرية الفرد ومراعاة مصالحه وفي هذا الإطار فإن الوثيقة الرئيسية للفكر الليبرالي الإنساني هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يمثل منظومة الحريات الأساسية للإنسان.
www1.umn.edu/humanrts/arab/b001.html

وقد مر العالم العربي بمرحلتين من محاولات النهوض الليبرالي أولهما في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ومن خلال اتصال العديد من المثقفين العرب مع الحضارة التنويرية الأوروبية وقد مثل هذا الإتجاه بشكل اساسي رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وعبد الرحمن الكواكبي وقاسم أمين ومحمد عبده وهم رواد الفكر العربي الليبرالي الذي ركز على الإصلاح السياسي واعتبار الاستبداد هو أصل الفساد والتركيز على الدولة الوطنية. أما المحاولة الثانية فتمت في منتصف القرن العشرين في مصر والعراق وسوريا وخاصة حزب الوفد المصري، ولكن هذا النمو الليبرالي تعرض للإغتيال السياسي من قبل الأنظمة الحاكمة القومية القمعية في هذه الدول.

ومن الغريب أن تأتي بدايات الليبرالية العربية الجديدة من دول ملكية وأميركية مثل الأردن والكويت والمغرب، وهي التي قدمت أكثر الأمثلة العربية الحديثة وضوحا في الليبرالية وإن كانت لا تزال حتى الآن تركز على الليبرالية الاقتصادية على حساب الليبرالية السياسية التي لم تتجاوز الإطار النظري.

مشكلة الليبرالية تتعلق دائما بالليبرالية الاقتصادية المتوحشة والتي تعني التحرر الكامل للاقتصاد وطغيان منطق السوق والربح على حساب العدالة الاجتماعية، ولذلك نشأ في الكثير من الدول الأوروبية وأميركا اللاتينية في نهاية القرن الماضي الفكر الجديد الذي يجمع ما بين الليبرالية السياسية واليسار الاجتماعي وهذا الفكر يسمى "الديمقراطية الاجتماعية Social Democracy

حصلت الديمقراطية الاجتماعية على مصداقيتها من خلال مبادئ التنمية الإنسانية ومحاولة تعظيم المكاسب الحاصلة من الليبرالية السياسية وتخفيض الضرر الذي تتسبب به الليبرالية الاقتصادية من خلاللا دمج مفاهيم "العدالة الاجتماعية" مع الليبرالية السياسية. إنها محاولة جريئة اثبتت الكثير من النجاح في تعظيم مصداقية الليبرالية السياسية، واستعادة دور اليسار الديمقراطي في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وكبح جماح اللليبرالية الاقتصادية المتوحشة. مشكلة الليبرالية الاقتصادية أنها تريد أيقاف دور الدولة في المجتمع وتحويل الخدمات الصحية والتعليمية والتنموية المختلفة إلى القطاع الخاص ونظام السوق وهذا ما يشكل تناقضا تاما ومباشرا مع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان ومع التنمية، ولهذا جاء الفكر الديمقراطي الاجتماعي ليحاول محاربة التغول الاقتصادي الليبرالي.

الديمقراطية الاجتماعية تعتمد على الإصلاح التدريجي للنظام الاقتصادي بإدخال مفاهيم "دولة الرفاة الاجتماعي" والعدالة الاجتماعية ودمجها مع الليبرالية السياسية المعتمدة هلى الحريات وحقوق الإنسان وتنظيم الحرية الفردية ضمن أطار واضح من المصلحة الجماعية. وتقدم المؤسسة الدولية للإشتراكية تعريفا للديمقراطية الاجتماعية بأنها آلية سياسية تحقق نموذجا مثاليا من "الديمقراطية الليبرالية" يحل المشاكل الموجودة في الرأسمالية غير المقيدة. وتعتمد الديمقراطية الاجتماعية على هذه المجموعة من المبادئ:

1- الحريات: وهذه غير مقتصرة على الحريات الفردية مثل النظام الليبرالي الكلاسيكي ولكن الحريات الجماعية مثل حقوق الإنسان ومكافحة التمييز والتخلص من سطوة أصحاب وسائل الإنتاج والنفوذ السياسي.
2- المساواة والعدالة الاجتماعية: ولا يقتصر ذلك على المساواة أمام القانون بل أيضا العدالة والمساواة في التنمية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتساوي في الفرص المتاحة أمام الجميع بدون تمييز.
3- التضامن الاجتماعي وهذا يعني الوحدة والإحساس بالتعاطف مع ضحايا السياسات والممارسات غير العادلة ومحاولة تحقيق العدالة للجميع.
4- الديمقراطية وحقوق الإنسان: تتضمن الديمقراطية حقوقا وواجبات ولكن أهم هدف لها هو ضمان الحقوق المتساوية لكل المواطنين من مختلف الأصول والأعراق والأفكار السياسية وتمتع المواطنين بحق الاختيار ما بين نظريات وبدائل مختلفة ومتعددة.
5- السلام عنصر أساسي للعيش المشترك ويجب أن يكون مبنيا على نظام سياسي واقتصادي دولي يحترم سيادة الدول والتحرر ومنع التسلح.

ويمكن الإطلاع على المزيد من هذه المبادئ في الإعلان العالمي للديمقراطية الاجتماعية 1989 (باللغة الإنجليزية) http://www.socialistinternational.org/4Principles/dofpeng2.html
من الواضح أن الديمقراطية الاجتماعية تمثل بديلا أكثر جاذبية لتحقيق الليبرالية السياسية والعدالة الاجتماعية معا، والحرص على المصالح الوطنية
والوقوف في وجه الطغيان العسكري الأميركي الإسرائيلي الذي يسود العالم كما أن هذا النظام يحتفظ بكل المبادئ العظيمة لحقوق الإنسان. ومن المهم محاولة معرفة مدى تأثير هذا الفكر في الحياة السياسية العربية، وهذا ما يمكن الحديث عنه في مقال قادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس