الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد اقبال، الشاعر الثائر والمفكرالمجدد

مهند طلال الاخرس

2021 / 11 / 20
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


وُلد الشاعر الكبير محمد إقبال في مدينة "سيالكوت "في إقليم البنجاب (كانت الهند والباكستان دولة واحدة حينها) بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1877م، لسلالة أصلها براهمية من الطبقات العليا في المجتمع الهندي، وقد أسلم جدُّه الأكبر قبل ميلاده بثلاثمائة عام، فنشأ إقبال منعَّمًا بالإيمان، ومتعلِّقًا به، وقد حفظ القرآن الكريم -وهذا ما نلمسه في كثير من نصوصه واشعاره كقوله:" أشد ما أثّر في حياتي نصيحة سمعتها من أبي: يا بني اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك!".

التحق اقبال بمدارس بلدته الابتدائية والثانوية، ثم التحق بالكليَّة الحكوميَّة، ثم أُرسل لبراعته ونبوغه إلى لندن عام 1905م ليلتحق بجامعة كامبردج، وقد حصل هناك على درجة علميَّة مرموقة في الفلسفة وعلم الاقتصاد، فرحل إلى جامعة ميونخ بألمانيا، حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة، وما لبث أن عاد إلى لندن؛ لحضور الامتحان النهائي في الحقوق، فحصل على درجة عالية في القانون، وفي لندن عَمِل في تدريس اللغة العربية في جامعتها، وحاضر كثيرًا عن الإسلام، فساهم بجهد كبير في نشر الدعوة، وفي المقارنة بين الفلاسفة المسلمين كابن سينا وابن رشد وابن عربي وجلال الدين الرومي، وبين فلاسفة أوربيين: كهيجل ونيتشه، وشوبنهاور، فذاع صيته في الآفاق: في تركيا وروسيا وبلاد الأفغان والعرب. وقد تُرجمت أعماله الى معظم اللغات واهتم بها الدارسين والباحثين والمفكرين من شتى المدارس والمذاهب.

ويحتل محمد إقبال، الذي كان كاتبا وشاعرا وفيلسوفا وسياسياً، مكانة مرموقة في قلوب الباكستانيين، اذ كان إقبال أول من نادى بإنشاء دولة مستقلة للمسلمين في شبه القارة الهندية واقترح لها اسم باكستان، وقدّم إقبال مقترحه في خطاب ألقاه بمدينة الله أباد، في دورة رابطة مسلمي الهند عام 1930.

ومع تفشي الظلم وتأجج العنف الديني ضد المسلمين في الهند، استقال إقبال من حزب المؤتمر الذي كان يتزعمه غاندي، وطالب بدولة مستقلة للمسلمين، ولم يكتف الشاعر الثائر بالدعوة بل حولها لعمل بالتواصل مع معلمه الروحي محمد علي جناح، االذي بدوره رفع لواء الفكرة حتى استطاع تحقيقها بعد وفاة إقبال، وبالتحديد في 14 أغسطس/آب 1947، ليصير جناح أول رئيس لباكستان.

ولم يكن هذا السبب الوحيد لشهرة اقبال وبقاء اسمه يمشي على كل الالسن في الباكستان؛ اذ كان صاحبنا شاعرا مرموقا حيث يعد شعره من أشهر أشعار القرن العشرين، هذا بالاضافة لكونه كاتبا وفيلسوفا ومفكرا مجددا حيث خلف الراحل وراءه عشرين كتابا في مجالات متنوعة شملت الاقتصاد والسياسة والتربية والفلسفة والفكر. فقد كان إقبال على اطلاع ومعرفة وافرة بعلوم الإسلام النقلية والعقلية، وعلى دراية واسعة بمذاهب الفلسفة ومدارسها ودروبها ، وكان عميق الفهم لحركة التاريخ، شديد الوعي بحقائقه وأحداثه، وليس ادل على ذلك من تلخيصه لتطور المجتمعات وقيام الدول وافولها بخلاصته الغنية والتي يقول فيها: "تعال أنبئْك بمصير الأمم وعاقبتها، سنان ورماح ثم لهو وغناء".

كانت افكار اقبال واشعاره تقوم على الثورة وتحض على الحرية فكتب : "إن للعبودية ضحاياها وهي عبودية، أفلا يكون للحرية ضحاياها وهي الحرية!".

كان اقبال وفيا لفكرته ودعوته، واستمر بالحث على الحرية والتحريض على التمرد على الواقع الفاسد والجامد ، وبقي يتلتمس الحركة والفعل السامي الباحث دوما عن النقاء الروحي، والساعي دوما للتجديد وتحطيم القيود وتحرير "الذات" واعادة صياغتها ومعرفة ما ستكون عليه في قادم الايام، وفي هذا الصدد يقول: "كل حياة لا تجديد فيها ولا ثورة، أشبه بالموت. إن الصراع هو روح حياة الأمم إن أمة تحاسب عملها في كل زمان سيف بتار في يد القدر لا يقاومه ولا يقف في وجهه شيء". ولم يكتفي بهذه الحكمة كقطعة نثرية صامتة فقط، بل عززها بما يضمن صونها وتنفيذها فقال:"يارب أعطني القوة لأقول لا، وأعطني العقل لأعرف كيف أقولها، وأعطني الكفاية لأعرف متى أقولها".

زار اقبال المشرق العربي وحطت رحاله في فلسطين وكتب لها وعنها، حيث ذكر العلامة أبو الحسن الندوي أن اقبال زار فلسطين في سنة 1931، وكان مما قاله وهو في فلسطين:
ولما نزلنا منزلاً طله الندى
أنيقًا وبستانًا من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه
مني فتمنينا فكنت الأمانيا
حيث نجده هنا يتمنى أن يحط الرحال ويبقى في القدس وأرض مهبط الرسالات، ومن أقواله في افتتاح المؤتمر الإسلامي عام 1930 " على كل مسلم عندما يولد ويسمع كلمة لا إله إلا الله أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى".

غنت له كوكب الشرق ام كلثوم قصيدة "حديث الروح" والتي جاء في مطلعها:
"حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عناءِ...
هتفت به فطار بلا جناح وشق أنينه صدر الفضاء ..
ومعدنه ترابي ولكن جرت في لفظه لغة السماءِ ..
لقد فاضت دموع العشق مني حديثاً كان علوي النداءِ".
وحديث الروح بالواقع هي قصيدتان (الشكوى، وجواب الشكوى) كتبهما اقبال باللغة الاوردية ونشرها في ديوانه صلصلة الجرس ونقلها للعربية شعرا رائعا الشاعر الأزهري الصاوي شعلان.

وبالرغم من ان كل اشعار اقبال كتبها باللغة الفارسية الا هذه -فقد كتبت بالاوردية- إلا انها كانت الاكثر شهرة وتداولا؛ فقصيدة الشكوى كتبت في عام 1909 وقصيدة جواب الشكوى كتبت في عام 1913 ولذلك قصة وحكاية، حيث يحاول الفيلسوف محمد اقبال بث شكواه وشجونه حول الدور الحضاري للمسلمين في التاريخ. و يتألم لحال المسلمين في كل اقطار الأرض ويحاول مواجهة المشكلات الحضارية لذلك كانت الشكوى لله لما وصل إليه حال الأمة الإسلامية وجواب الشكوى كانت جواب من الله للمسلمين على شكواه، وعلى اثر نشره قصيدة الشكوى هاج العلماء ضده وأخذوا يهاجمونه ولكن عندما قام بنشر قصيدة جواب الشكوى زالت المشاحنات واللغط الذي دار حول القصيدة فكانت جواب الشكوى ارضاء للعلماء.

وبالاضافة لمآثره واعماله البارزة، فقد ترك اقبال بعض الكتابات المتفرقة، وبعض الرسائل التي كان يبعث بها إلى أصدقائه وقادة وزعماء ومشاهير الدول. وقد يكون من حُسن طالعنا اننا تعرفنا على اقبال في باكورة اعمارنا وليس في هذا غرابة او عجب، فهو صاحب سيرة لامعة ممتدة وحاضرة في كل الازمنة، وصاحب ارث خصب وغزير وصاحب نهج ديني مجدد.

كان إقبال يأمل أن يقرأ الكثيرون أعماله، وأن يُلهِم شعره ونثره أجيالاً من المسلمين، تلك الاجيال التي شعر أنّهم بحاجةٍ إلى تنويره وتثويره علاوة على مهمته الرئيسية بالتحذير من بريق الغرب وسحره.

تُوفي محمد إقبال 21 إبريل 1938م ، ودفن في لاهور، و اتخذ أصدقاؤه قبرًا له في فناء المسجد الجامع "شاهي مسجد"، ثم كتبوا على ضريحه: "إن محمد نادر شاه ملك الأفغان أمر بصنع ذلك الضريح اعترافًا منه ومن الأمة الأفغانية بفضل الشاعر الخالد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج