الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


12 قاعدة للحياة: ترياق للفوضى

شهناز أحمد علي

2021 / 11 / 22
الادب والفن


يُعتبر الكاتب جوردان بيترسون بحسب نيويورك تايمز المثقف الأكثر تأثيرا في العالم الآن. ويرى الغارديان، أن بيترسون في كتابه (12 قاعدة للحياة ـ ترياق للفوضى)، ״ يحاول إعادتنا إلى ما يعتقد أنها الحقيقة والجمال والخير״. إنه كتاب جدير بالقراءة المتأنية في زمن هيمنة رأس المال والتكنولوجيا على العالم، في زمن الفوضى والاستبداد، في زمن ضياع القيم والمبادئ. سأتناول في هذا المقال بعض المفاهيم التي ناقشها الكاتب في تمهيده للكتاب وفي الفصل ـ القاعدة الأولى من قواعد الحياة.
يرى بيترسون إن نظام التسلسل الهرمي للقيم هو من أهم ما يعمل على تثبيت التفاعلات بين البشر إلى جانب النظام الثقافي المشترك، وبدونه لا يستطيع الناس التصرف. " من دون القيم لا وجود للمعنى."( ص.42 ). الفرد والمجتمع يحتاجان معا إلى القواعد والمعايير والقييم. ومن أسباب إنسحاب المجتمعات الغربية من الثقافات ذات الصلة بالتقاليد وغيرها من الأسس، هو هروبها من الصراع المحتمل بين أنظمة القيم المختلفة.
״في الغرب أصبحنا منذ فترة ننسحب من الثقافات المرتكزة على التقاليد، والدين، وحتى الأمة، ويرجع ذلك جزئيا إلى الرغبة في تقليل خطر الصراع بين الجماعات."(ص.42)
في سياق الإجابة على أهم أسئلة الكتاب ـ كيف يمكن تحرير العالم من معضلة الصراع الرهيبة، وتحرير االعالم من الانحلال النفسي والاجتماعي؟، يركز الكاتب في إجابته على الإرتقاء بالفرد وتطويره، وأن يتحمل كل منا أكبر قدر ممكن من المسؤلية عن الحياة الفردية والمجتمع والعالم.
قف منتصبا باسطاً كتفيك إلى الوراء، هي القاعدة الأولى من قواعد الحياة التي يناقشها الكاتب من خلال عشرة عناوين فرعية ويعرض أفكاره بحذاقة إستاذ علم النفس وبإسلوب علمي وأكاديمي، نذكر منها: الكركند ومناطق النفوذ، الطيور ومناطق النفوذ، الصراع ومناطق النفوذ، الكيمياء العصبية للهزيمة والنصر، مبدأ التوزيع الغير العادل، كل الإناث، والمواجهة. إن سبب بحث الكاتب عن سلوكيات الكركند وبعض الطيور في سعيها من أجل البقاء هو تشابهها مع صراع البشر في الحياة. فقد توصل العلماء بعد دراسة الخلايا العصبية للجهاز العصبي البسيط للكركند إلى رسم خريطة للدوائر العصبية، وساعدهم ذلك في فهم بنية ووظائف دماغ الحيوانات الأكثر تعقيدا وسلوكياتها بما في ذلك البشر. "عندما تتجه الطيور المغردة شمالاً في الربيع تدخل في صراعات شرسة حول مناطق النفوذ" (ص.50). في صراع البقاء في عالم الكركند يحكم مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء" هذا المبدأ ينطبق على المجتمعات البشرية.
يوصف الكاتب مبدأ التوزيع الغير العادل بالوحشية، ويذكر أمثلة عن الثروة المالية والإنتاج الإبداعي، حيث يمتلك أغنى خمسة وثمانين شخصاً في العالم ما يساوي الثروة التي يمتلكها ثلاثة ونصف مليار من الأشخاص الأقل دخلاً. "أغلب الأبحاث العلمية تنشر عن طريق مجموعة قليلة للغاية من العلماء، ويباع مليون ونصف مليون كتاب مختلف كل عام في الولايات المتحدة، إلا إن خمسمائة كتاب فقط منها تبيع اكثر من مائة ألف نسخة" ( ص.58). يناقش الكاتب جوهر الطبيعة من خلال بعض الحقائق البديهية في علم الأحياء مثل أن التطور متحفظ أي لدى تطور نوع ما، قد تضاف سمات جديدة إليه وقد تتعدل السمات القديمة بعض الشئ لكن تبقى معظم الاشياء على حالها. " يعمل التطور في معظمه من خلال التنوع والانتقاء الطبيعي."(ص.63 ). إلا أن أسئلة الكاتب الغير المقيدة بالجواب الصح أو الخطأ تفتح آفاقا أمام القارئ للتفكير في ماهية نظرية التنوع والانتقاء الطبيعي. ماذا تعني "الطبيعة" بالضبط في مصطلح " الانتقاء الطبيعي"؟ ماذا تعني "البيئة" التي تتكيف الحيوانات معها بالضبط؟ يرى الكاتب إن الطبيعة ثابتة وديناميكية في الوقت ذاته". فالبيئة أو الطبيعة التي تقوم بعملية الانتقاء هي ذاتها تتغير." (ص.63). لكن من الضرورة معرفة إن المفهوم الثابت والمتحول في الطبيعة نسبي فلا يوجد شيء ثابت لدرجة تمنع تغيره، وبالمثل، لا يوجد شيء متغير لدرجة تمنع ثباته. فالظروف والسمات التي تجعل الناس تتكاثر وتبقى بدورها تتغير وتتحول. " ما من شخص يقف ثابتاً يمكنه تحقيق الانتصار، مهما كان تكوينه جيداً."(ص.65). التسلسل الهرمي في المجتمعات والعالم بأسره قديم جدا ووجد منذ نشأة الحياة، حسب الكاتب، هناك ما يشبه آلة حاسبة بدائية وقديمة للغاية في أعماق دماغ الفرد تراقب بدقة مكانته في المجتمع، على مقياس من واحد إلى عشرة، بين القاع والقمة. وبحسب مكانة الفرد على قمة هرم الهيمنة أو في قاعه تتحدد نجاحاته، إنكساراته، والدعم الاجتماعي الذي يتلقاه، التي تؤدي بدورها الى العيش حياة آمنة وفعالة. أما قاع التسلسل الهرمي للهيمنة فهو مكان خطير يهدد مكانة الفرد الإنسانية وكرامته." فعند العيش في القاع، تفترض الآلة الحاسبة القديمة في الدماغ أن أصغر عائق غير متوقع قد ينتج سلسلة لا يمكن السيطرة عليها من الحوادث السلبية. ومن ناحية أخرى، إذا كنت ذو مكانة عالية، فإن الآلية القديمة تفترض أن مكانتك آمنة وفعالة ومؤمنة، وأنك تتلقى دعماً اجتماعياً جيداً. "من أهم النقاط المؤثرة سلباً على آلية عمل الآلة الحاسبة للهيمنة هي أن تتحول على نحو يزيد من احتمالات أذى إضافي بدلاً من تقليلها. فالأطفال والمراهقون الذين تعرضوا للتنمر في حياتهم تستمر آثارها النفسية حتى إذا نجحوا في حياتهم وانتقلوا إلى مكانة جديدة في المجتمع.
"المواجهة"، هكذا سماها الكاتب في معرض تلخيصه لأفكاره القيمة في هذه الفقرة الاخيرة من القاعدة الأولى من قواعد الحياة التي أقل ما يقال عنها إنها تفتح ذهن القارئ على البدء بطرح أسئلة عديدة على نفسه. هناك عدة أسباب تدفع بالفرد على أن يقع ضحية التنمر والقمع والبقاء في قاع التسلسل الهرمي للهيمنة المجتمعية. أولها، الذين لا يدافعون عن أنفسهم ولا يجيدون قول كلمة "لا" يتعرضون للتنمر، الأشخاص الذين يتسمون بالتضحية بالذات ومشاعرهم سلبية ويبالغون ويحدثون ضجة كبيرة عند المعاناة عندما يواجههم شخص سادي يرى متعة في معاناتهم، الأشخاص الذين يعتبرون إن مشاعر الغضب خاطئة ويكبتون مشاعرهم في مواجهة الظلم. فمن الضروري استجماع الغضب الصادق والواعي اللازم لحماية أنفسهم. "إن استعداد الفرد للدفاع عن نفسه يحمي الجميع من فساد المجتمع، .(ص.79 ).
لكي يتمتع الفرد بصحة نفسية وجسدية تؤهله للعيش الكريم بعيدا عن قمع والهيمنة، ولكي يقدم التضحيات اللازمة طواعية من أجل خلق واقع مثمر وذي مغزى، ينبغي تعلمه قول: "لا" في وقت مبكر من دورة القمع. فمن الضروري التعبير عن رفضك على نحو مؤكد وحازم. "فقوى الاستبداد تتمدد على نحو كبير لملء المساحة المتاحة لها." (ص.78 ). يذكر الكاتب في علاجه الإكلينيكي، كيف يساعد مرضاه على أن يروا استياءهم أولاً، على أنه غضب، وإنه دليل على ما يجب أن يقال، لاأحد يجب أن يكون ضحية للتنمر. فالتعبير عن مشاعر الغضب والاستياء، جزء من القوة التي تبعد الظلم على المستوى الاجتماعي، وبنفس القدر على المستوى الفردي. ومن أحد أصعب الدروس في الحياة من وجهة نظر الكاتب هي معرفة الفرق بين القدرة على التدمير وقوة الشخصية. "ثمة فارق بسيط بين القدرة المتكاملة على الإيذاء والتدمير، وقوة الشخصية."(ص. 80 ). ومن الضروري معرفة إن للإنسان قدرة على التغير، كما الظروف تتغير. فبإمكانك التقدم وأخذ مكانك في التسلسل الهرمي للهيمنة، في نفس الوقت تعبر عن استعدادك للدفاع عنها وتوسيعها وتطويرها.
إن قاعدة " قف منتصبا باسطاً كتفيك إلى الوراء " يعني أن تتقبل المسؤلية الثقيلة للحياة بجرأة وإقدام. يعني بناء السفينة التي تحمي العالم من الفيضان، وإرشاد الناس بعد فرارهم من الطغيان والابتعاد عن الوطن. إنه يعني طرح النظام الهالك والقاسيي و المستبد إلى غياهب الفوضى التي جاء منها، وبالتالي إقامة نظام أفضل، وأكثر معنى، وأكثر عطاءً.
كتاب 12 قاعدة للحياة: ترياق للفوضى
جوردان ب. بيترسون
ترجمة: محمد إبراهيم الجندي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح