الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسافة أمان

فوز حمزة

2021 / 11 / 22
الادب والفن


ما عدت أسمع منذ شهور سوى صوت نقر أصابعه فوق الحاسبة ..
عندي حساسية مفرطة تجاه الأصوات ..
أعجبتني كلمة مفرطة حين سمعته مرة ينطق بها .. فخجلت أن أسأله ..
لكني وفي إتصال لي مع أختي علمت منها ما يعني الإفراط ..
أحيانًا أضحك على نفسي .. وأحيانًا استغرب منها ..
هل أنا مهبولة ؟!
هل أنا سعيدة بمرض زوجي .. من يصدق ذلك ؟!
لأن المرض أقعده في البيت .. فأنا أحبه .. أحب قربه .. أحب وجوده لجواري لكن علتي معه هذا الصمت الرهيب العجيب الذي يعتريه دائمًا ..
أعجبتني يعتريه هذه فهي من ضمن ما التقطته منه ..
فرحت حين طلبت منه الشركة التي يعمل بها إنجاز ما يخصه من أعمالها في البيت ..
وأخيرًا .. ستمحي من قاموسك كلمة انتظار أيتها العاشقة .. هكذا أخبرتني أختي حين علمت بالأمر ..
.................
قبل فترة كنا قد أنهينا العمل على تغيير الديكور في بيتنا .. كانت لي فيه متعة هائلة لأنها جعلتنا قريبين من بعض حد التلاصق حتى أراني أتحرش فيه كعاشقة تهوى العناق والقبل وكان لي الكثير منها .. حيث كان غيابه سببًا مباشرًا لاختناقي وضجري وكثرة مشاجراتي معه ..
هاهو الآن معي .. وجوده قربي يطمئنني .. ثم تلك اللحظات التي كنا نجلس فيها على طاولة الطعام ..
كم لها سحر وعذوبة ؟!
فأخذ يشاركني في إعداد الوجبات .. ويجالسني على التلفاز بينما قد أحضّر لوازم السهرة وحيث أخذت أتفنن له بالعطور وتسريحات الشعر وأنواع أحمر الشفاه .. وأضفى ذلك بحميمية أدفأت البيت كله ..
ما الحياة سوى زوج محب وبيت يملؤه الحنان .. لم أعد أتذمر من شقاوة الأطفال وطلباتهم التي لا تنتهي ..
كنت سعيدة بهذا التغيير المفاجئ الذي طرأ .. فالحب في قلبي لزوجي يشبه كرة نار في غابة يابسة الأشجار ..
قرأتها في فيلم أجنبي فراقت لي .. ربما لأنها لامست شيء في داخلي ..
وصفتني أختي بالشريرة حين أخبرتها بما أتمناه من عدم شفائه وكانت تهذي على مسامعي بأنعت الأوصاف التي لا يطيب لأحد سماعها .. أغرب وصف سمعته منها هو أنني أملك قلب يضخ الدم لكنه عديم الشعور ..
مرت عدة أسابيع ..
البهجة التي غمرتني لوجود زوجي في المنزل أخذت تختفي مثل مصباح كان وهاجًا فخفت ..
صرت أطيل الصمت .. الأحاديث باتت متكررة .. شعرت بسخفي تفاهتي حين كنت ألمح ذلك في نظرة عينيه عندما ينظر إلي وهو يحمل رأسه فوق كفيه ..
نظراته كانت تخجلني .. كأنه يتعمد ذلك ..
لم أعد أترقب وصوله حين يخرج في مشوار قصير .. لم أعد أشعر بذلك الشغف والقلق في انتظاره ..
الغريب أن الوقت يمر سريعًا في غيابه عكس ما كان يحدث سابقًا ..
أخبرتني أختي أن الوصول للنهاية يفقد الأشياء رونقها .. لم أعِ ذلك في وقتها حتى مرت ثلاث شهور ..
بدأ الملل يتسلل إلي من اتجاه غير معلوم وصارت الوحشة تزحف نحوي شيئًا فشيئًا ..
بدت الأيام متماثلة ذات لون وشكل واحد ..
بدأت أشعر بوخز في قلبي .. اعتقد أنه وخز الضمير .. إذ كثيرًا ما كنت أتناسى وجوده معي في الغرفة وأحياناً أهمل طلباته دون وعي مني ..
نعتتني بالسخيفة ومرة بالغبية حين أخبرت أختي بذلك .. لكنها في النهاية ضحكت لأنها كما تدعي لم تسمع بوخز الضمير في القلب ..
..........................
شهران كاملان مرا على شفاء زوجي من مرضه وعودته للعمل في مقر الشركة قبل أن يلاحظ أنني كففت عن اختلاق المشاكل بسبب ساعات غيابه الطويلة حتى إنه أبدى استغرابه لعدم تذمري من اتصالاته المستمرة والطويلة التي يجريها أو يتلقاها ..
اكتفيت بطبع قبلة ساخنة على شفتيه بعدها همست في أذنه:
- لابد من ترك مسافة أمان لئلا تفقد الأشياء رونقها ..
ابتسم قبل أن يقول لي:
- من أي فيلم سرقتِ هذه المقولة !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية -شو يا قشطة- تصور واقع مؤلم لظاهرة التحرش في لبنان |


.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا




.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق


.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م




.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |