الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موظفون ثقافيون

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 22
الادب والفن


لا شك أن وزارة الثقافة مؤسسة حكومية تهتم وتعنى بشأن الثقافة والمثقفين, وهي حسب قناعتي الشخصية لا تقل أهمية عن وزارة الدفاع أو الخارجية, كون الثقافة هي أس الحضارة والضمير الجمعي للناس والمجتمع, ولهذا تحتفي الدول والشعوب بمثقفيها ومبدعيها الكبار.

ومن المفارقات المضحكة المبكية أن المؤسسات الثقافية العراقيـة في العهد السابق، تولي إدارتها وشؤونها موظفون عتـاة, كان شغلهم الشاغل هو التغني بأمجاد قائد الضرورة والتطبيل له, ويتحكمـون بمصـير الثقافة وأهل الثقافـة, بـالرغم مـن أنـف المثقفيـن المغلوبين على أمرهم.

أولئك الموظفون الحازمون, كانوا يتمتعون بكفاءات عالية في تقديـم فـروض الطاعـة والولاء المطلق للسلطة, ومباركة منجزاتها ومعجزاتها, وتمجيد الدم الذي سفكتها بكرة وعشية, وهـم عـادة يحملون أسماءً وألقابا وشارات تزكيهم في الوصـول الى سدة الكراسي الوفيرة, والحصول علـى الامتيـازات الرئاسية والمكرمات السـخية والمعاشـات الباذخـة والعطايا التي لا تعد ولا تحصى, لكنهم في حقيقـة الأمـر, حـانقون حـاقدون ساخطون على كل ما يمت للثقافة بصلة, لأنهم عقيمون إبداعيا ومعطوبون فكريا وهشون ثقافيا, لـذا تولـوا بجدارة المناصب الفخمة لينعموا ويتريثوا على حسـاب المثقفين الحقيقيين المتعبين, الذيـن يكرزون الـهم ويعلكون الغم, ويبصقون الدم من فرط الآه والحسـرة والتمني.

علما أن بنية الثقافة العراقية, امتازت بخاصيـة الإصالـة والوطنيـة التي تشكلت وترسخت عبر منظومة من القيـم والمفـاهيم التـي أطرتها بأطرها, مثل الالـتزام والمسـؤولية والإنسـانية والتقدمية, وتشربت بنسغ وجدان الإنسـان العراقـي, وتبنـت قضاياه وهمومه وتطلعاته, حتى غدت بمثابة الضمير المستتر للفرد والمجتمع.

وانطلاقاً من هذا المبـدأ والمعيـار, حـافظت الثقافة العراقية على رصانتها ونصاعتها واستقلاليتها, بـالرغم من محاولات التدجين والتهميش والتسطيح, التـي مارستها رموز المؤسسة الثقافية الرسـمية التابعـة لمعظم الأنظمة والأحزاب التي سخرت الجهود والطاقات والامكانيات الواسـعة لاحتواء هذه الثقافة وتفريغها من محتواها الفني والجمالي, لغـرض مسخها وجعلها نسخة مشوهة من خطاب المؤسسة المؤدلـج.

وقد ثابر النظام السابق واجتهد في تكريس ما يسمى بـ (الأدب البعثي) طوال ثلاثة عقود, إلا إنه لم يفلح في مسعاه ولـم ينجـز بالتـالي سوى ركاما من الأدب الهزيل المتهافت الذي يثـير السـخرية والقرف لرداءتها, وبقي المثقف الحقيقي بمنأى عن مـهازل التطبيل والتدجيل, وأنف مكابراً الارتزاق والتكسب والمحابـاة وتفرغ لشغلة الثقافي, ومشاغله اليومية التي اثقلـت كاهلـه متيقنا من زوال الكابوس, وحالما بالغد المشرق وهو يدون مفردات الأمل والألم والحـب والغضـب فـي ذاكرة الناس وذاكرة الثقافة العراقية التي قـاومت الاخـتراق والاحتواء, لتزداد رونقاً وحيوية وبهاء.

وبعد 2003 تولى وزارة الثقافة مثقف شيوعي (مفيد الجزائري) لكن مشكلة هذا الوزير الطيب الدمث أنه لا يعرف الوسط الثقافي العراقي, بل لا يعرف حتى المثقفين الأفذاذ الذين أرسوا دعائم الثقافة العراقية الرصينة, كونه كان بعيدا عن العراق وتفاصيل المبدعين العراقيين, وكان جل كادره من الوكلاء والمدراء والمستشارين أناس غرباء عنا, لا نعرفهم ولا يعرفوننا.

كانوا موظفين ثقافيين بمؤهلات حزبية, فبعضهم من (العائدين) وبعضهم من (المغيبين) وبعضهم من (الانتهازين) المحسوبين على ثقافة الارتزاق والمداهنة, حتى غدت وزارة الثقافة بلا مثقفين وكأن شيئا لم يكن, وعدنا للمربع الأول, بل أكثر سوءاً ومحسوبية.
...
جريدة الأنباء 26 / 10 / 2003
جريدة الصباح 14 / 9 / 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا