الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي السوداني في مناظره الرائعة

اسماعيل شاكر الرفاعي

2021 / 11 / 23
الادب والفن


المناظر كلها رائعة - علي السوداني
نوفمبر 22, 2021
نقلاً عن جريدة الزمان

هذا يوم آخر لم يسقط بعد من ذيل روزنامة السنة .
طفل في البيت السفلي يعيّط بقوة ملجأ أيتام منسي ، والأم البلهاء منشغلة بقراءة فنجان القهوة . سنٌّ عميقٌ يتململ بفمي المغلق .
التلفزيون يعرض الآن شريطاً بطله يذبح امرأة ضخمة ويشرب من دمها الفوار ، وفريد الأطرش يرمي من الطابق العلوي أغنية « عدتَ يا يوم مولدي «
وغدٌ صغيرٌ يسرق الماء من سطح العمارة والرب يتفرج ضاحكاً .
لاجىء أشهب يعثر على قندرة « نصف عمر « كانت نائمة بمغطس حاوية الزقاق .
كلب حقير أسود نبّاح يرفع ساقه بزاوية تسعينية ويتبول على حائط أم غسان .
غيوم سود ورماديات يحتفلن قرب مغيب الشمس الذابلة .
قطة عجوز تتقيأ سبع قطط على الرصيف .
شاب يرتدي بنطالأ مسحولاً يكاد يظهر الربع المثقوب من مؤخرته الكبيرة .
عبود لا يغنّي لأن يوسف العاني قد شبع موتاً .
فتاة مذهلة نسيت رشق غبار الياسمين تحت أبطيها الزاغبين .
رائحة عفن أصيل تهلهل بحلق بالوعة الشارع .
شاعر منفّر يتلوى خلف المايكرفون مثل عتال بشورجة فارغة .
ملابس داخلية مبقعة ترفرف على حبل مكسور كأنه شارة نصر .
كمامات كورونا في طشت الغسيل .
إمرأة وحيدة تداعب كلب المقبرة .
ذيل جرذ كبير ممدد بماعون متروك .
السيارة أُم الدخان المطهر تسير ببطء في الزقاق ، لكن لا أطفال تركض خلفها .
أبو بريص يشخر خلف صورتي .
قطيع شعراء طويل يتبعهم غاوون .
رسالة عتيقة محشورة بجيب شهيد .
اللغة إبنة كلب ، والحروف ترفس رأسي دون رحمة .


ما لا يقبل التجنيس والتصنيف

1 -

لا املك كتاباً من كتب علي السوداني الكثيرة لكي اكتب عنه ، ولكني املك تصوراً لا بأس به عن كتاباته .
2 -
لست مغامراً لكي أسرع بتصنيف نصوص علي السوداني وتوزيعها على الاجناس الادبية المعروفة . ثم أتناول مقص هذه المدرسة الادبية او تلك ، وأعيد تشكيلها لكي تطابق احدى رؤى مدارس النقد الكثيرة ، وتكون النتيجة - كما يحدث دائماً - ضياع الاثنين : النص الادبي ، والرؤية النقدية التي غالباً ما تختفي تحت ثقل الإحالات الكثيرة الى كتب النقد الادبي التنظيرية المتكاثرة .
3 -
لا تستطيع ، مهما كانت خبرتك ومهارتك في قراءة النصوص عميقة ، ان تنجح في جعل ذائقتك الادبية تستريح - دون قلق منطقي - الى ختم هذا النص بختم : السرد كقصة او بختم جنس الشعر كقصيدة او بختم الدراما ، فهو نص ذو وجوه متعددة ، تعكسها مرايا متقابلة : اذ عكست لك احداها جملة سردية فأن الاخرى تحمل اليك أمواجاً شعرية دافقة وهي تشير الى مشهد مسرحي في مسرح الحياة .
4 -
يبدأ النص بتعيين الزمن الذي ولد فيه :
" هذا يوم آخر لم يسقط بعد من ذيل روزنامة السنة " والاشارة الى زمن النص واحدة من الطرق التي كان - أو ما زال - كتاب الواقعية يحتفون من خلالها بانتسابهم الى مدرستها . ولكنك حين تعيد قراءة : هذا البيت الشعري او هذا التقرير الواقعي او هذه الاشارة الى مشهد زمني : يهرب الواقع ومعه الزمن الواقعي من ادراكك ، اذ لم يعد يحمل طابع الزمن المحدد : انه يتفلت على التعين ويتوسع ليشمل كل مقطع زمني : في الماضي او في الحاضر او في المستقبل ، انه زمن اللازمن ، اذ لا يمكنك ان تربط زمن افتتاح النص بيوم من أسبوع محدد ، من شهر محدد ، من سنة ، من عقد من السنوات ، او من قرن من قرون التاريخ . انه الزمن العصي على الإمساك ، وان لم يكن عصياً على الإدراك : اذ تستطيع ان تتخيله على هواك : زمن سقوط الطغاة في التاريخ ، او زمن من ازمنة الثورة الصناعية ، او من ازمنة الحرب العالمية الاولى ، او يوم احتلال امريكا للعراق ، او زمن صعود الطائفية التي لا بد وان يقترن صعودها بشيوع الخرافة وعدم تحكيم العقل . مع ذلك فأن هذا النص لا يريد البتر والقطيعة مع الواقع : فهو ينقل أحداثاً : مرئية وملموسة ومسموعة عن الواقع :
طفل في البيت السفلي يعيط ..
والأم البلهاء منشغلة بقراءة ...
التلفزيون يعرض الآن شريطاً بطله يذبح امرأة ...
وفريد الأطرش يرمي من الطابق العلوي أغنية ...
انها جمل واقعية تنطلق من زمكان : وان كان غير محدد ، الا انه يحمل ملامح واقعنا بقوة ؛ اذ يحدث ان تحرمنا انشغالاتنا الذاتية ( مثل المرأة في النص ) من رؤية الحريق الكبير الذي يلف العالم ، ويلهينا عن رؤية عمق الخراب الذي احدثته السياسة في بنيتنا التحتية والنفسية والعقلية بحيث لم نعد نسمع صراخ أطفالنا ...

5 -

اكتب عن التجارب التي تحمل فرادة وإبداع لأدباء عراقيين غير تقليديين ، وتحمل نصوصهم نظريتها النقدية التي يستطيع نقاد الأدب العثور عليها - في حفريات جادة للنص - واستخراجها من باطن النصوص ، وليس مما يتم استيراده من نظريات ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي