الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة/ امنية وحلم

علي قاسم مهدي

2021 / 11 / 24
الادب والفن


أمنية وحلم
لم يخطر على بالي البتة بأنني سأحصل في يوم من الأيام، على أموال كثير، من تجارة أو حظ تهيئه السماء لي ، لأني اعرف حظي لا يشبه حظوظ الآخرين. سألني احد معارفي ذات يوم وكنا مجتمعين جَمْعَتُ محبة دون مصالح : ماذا ستفعل لو امتلكت أموال لا تعد ولا تحصى؟ ابتسمت بوجهه بصدق، وشكرته لأمنية الرائعة، بامتلاكي أموال كثيرة : قلت لا اعرف. وعند انتهاء جلسة سمرنا رجعت إلى البيت، بدأت أفكر، ماذا لو أصبح لديّ أموال كثيرة، ماذا سأفعل .. ضحكت في قرارة نفسي، وبدأت احلم بعد استلقائي على السرير، احلم فيما قاله لي صاحبي ،وبامتلاكي أموال لا تعد ولا تحصى.وبقدرة القادر لمعت أمامي اموال كثيرة، لها رائحة تشبه عبق الدفء، رحت أكدسها بانتظام، واحسب دون ملل. نسيت نفسي، وأهلي وصحبي وانشغلت برزمها وترتيبها بعناية. وبقيت هكذا إلى أن نَمَت لديّ رغبة بان أضل احسب، شعرت بلذة امتلاك المال، لكنني فقدت لذة أن أعيش بأمان. صرت أخاف عليها حتى من نفسي، ولا انفق قرشا منها، نسيت رغباتي بان اكتب وأقرا وأُسافر وأعيش دون قيود، أصبح همي الوحيد أن احسب نقودي بلا كلل أو ملل، وانظر إليها بحب. إلى أن صرت انفر من اقرب الناس أولادي زوجتي أصدقائي معارفي أخواتي أخوتي . وبت لا اعرف كم مضى من الوقت على ذلك . تهدلت جفوني ورقد جسدي من كثرة السهر والخوف على أموالي العزيزة . أصبحت شخصا مجنونا مريضا بأوهام لا يستطيع فرويد وعلمه بان يفك رموزها تحول كل شيء حولي إلى نقود. تحولت إلى مستر صلطع أينمى اذهب أصيح نقود نقود . كل شيء حولي تحول إلى عُمل نقدية. الناس أرى حجم كل منهم مجرد نقود،وكذلك المباني السيارات وكل أشيائي احسبها بالنقود. هوس المال سيطر عليّ بالكامل . نفذت مني مشاعر الحب، والأفكار التي كانت تشغل فكري بالتحرر والسعادة التي يجلبها لي الأمان، وفقدت متعة العيش بمحبة مع الآخرين، تملكني خوف رهيب.. وهكذا مضت السنين دون حب، دون سعادة، وسرق الزمن مني أحلى أيام حياتي . إلى أن حلت لحظة لا يتمناها كل من يعيش على سطح الكرة الأرضية بما فيهم أنا جاءني الموت،الموت الحتمي. توسلت بملكه أن يمهلني بعض الوقت لأنفق مالي وأعيش، نظر إليّ بشفقة.وأضنني كسبت وده. واوحت له السماء استجابة لرغبتي بان يتمهل بقبض روحي، بشرط أن أنفق أموالي كلها. قلت: عليك أن تمنحني عمرا جديدا أطول من عمري. وبعد مشاورات واتصالات أجراها مع السماء، وافق على شرطي. وبدت محنتي الجديدة، وهي من أين أبدا. أنا الذي أفنيت عمري بتكديس المال، كيف لي أن أنفقه . ورحت احسب من جديد وأُجل يوم الإنفاق إلى يوم آخر مضت شهورا ولم اصرف فلسا واحدا، تملكني شعورا بان حياتي لا تستمر إلا بمال كثير أضيفه إلى أموالي. وهكذا إلى أن نبهني ملك الموت بإعطائي إشارة واضحة، صرت لا أقوى على الحركة، مما اضطر أهلي بإحضار طبيب لفحصي قال: منذ متى وهو في نفس المكان . ضحك الجميع، وقالت زوجتي :هو لا يعرف سوى هذا المكان. هنا قرب نقوده. قال: عليكم أن تنقلوه إلى مكان آخر. صرخت بوجهه : - اغرب عني أيها الحسود، تريد أن تسرق مالي، لا أريد أن أغادر هذا المكان، لا أريد احد معي، اخرجوا جميعا .هذا ما آل إليه الأمر برمته. أنا مريض لا أقوى على فعل شيء كيف سأنفق أموالي وأين. بدأت قواي تنخرها الأفكار، وأحاطني أسى موجع اجهل جوهره .عادة اليّ بعض صفات روحي السابقة، وبدأت تساؤلاتها- غداة رحيلنا إلى ماذا نصير- حزن، وحشة، ذكريات، ألفة، نبضا، لا اعرف .
اخبر الطبيب عائلتي عليهم بأقصر مدة نقلي إلى إحدى دول الجوار ،هناك علاجات متطورة لحالتي، ولا يمكن علاجها هنا. ما نفع أموالي إن لم تكن تشفي مرضي ما نفع الحياة إذن ؟؟؟ ما الجدوى من وجودي مع المرض.ارتجفت خوفا على نفسي. أول مرة منذ سنين أخاف على شيء أخر غير مالي . صرخت بقوة : خذوها أنا الخاسر الوحيد اللامُبالي بحالي لفرط جهلي، اعتقدت باني الوحيد الذي لم تجتهد السماء بصنعي ولم تخلق مني، سوى رجل عابر لا معنى له، مخلوق أناني لا يعرف غير نفسه. أيتها السماء جودي بعطفك، لوني حياتي بالبهجة، جددي مشاعري اتجاه الآخرين، أما يكفي ضياع ووحشة . لكن ما دخل السماء بكل هذا الم اختر طريقة عيشي برغبتي، أنا الآن بحاجة كبيرة إلى من يعزز بي روح الانطلاق، بحاجة إلى ثقة تجعلني أتحرر من كل أوهامي . على الرغم من قسوة ما أعاني شعرت باختلاف، كأنني بدأت أشفى وأدرك لوجودي مَعنى مختلف عن سابقه. أياما طويلة وسنيين وأنا اجمع المال لم المس سعادة. ورحت أتحصر على سنين عمري التي مضت . سخرية القدر بان تجعلني أمام خيارا صعبا أنا الذي لم يخطر على بالي الموت، أراه قريبا مني يريد أن يُطعم جسدي لديدان الأرض. كيف وأنا لم ارضي احد، هل يغفروا لي، لطالما أغدقت بمشاعري حد الكره لهم، ولم احسب ليومي هذا، كنت ذو نمط واحد ،مجرد آلة جشعة لامتلاك المال فقط.. قد ارحل قريبا أو بعد سنين ثم ماذا، نموت كلنا في النهاية، ما جدوى الحياة إذا أدركنا بأننا سنغادرها حتما، ونحن لم نعش لأنفسنا بل مجرد خدم للمال والشهرة والكره والحقد والتنافس وإشباع الرغبات الزائلة ،لم نمارس إنسانيتنا . أسئلة محيرة ومعقدة تنتحب داخلي. ارتعشت روحي أخرجتني من وهمي الأزلي، بان المال كل شيء في هذا العالم، سلمتني لمعرفة جديدة كنت اعرفها سابقا قبل امتلاكي المال، جدحت بخاطري ونفضت ظلالها عني، لأرى النور، كانت ظلال باهتة لا طعم لها ولا لون، لم اندم ، عرفت قيمة أن تعيش وتقدس الحياة من اجل الآخرين ... صرخت بوجه الخوف من مجهول يترقبني، رميت معطف التدثر عن وجداني، وأخذت أمزق النقود، أمزق دون ملل. وسرت في جسدي رغبة الحياة والإنعتاق. وصرت اشعر بوجودي المحض، وشمرت يداي بقوة وعزيمة تمزق وتبعثر النقود. أحسست بان السماء تنظر إليّ، عندها خفق قلبي، رفعت بصري نحوها - أي السماء - بنظرة توسل بان ترفدني بطاقة الاستمرار ،إلى أن أُشفى ويعود جسدي كما كان، يوم تمنى صاحبي وفرة المال لي. رجعت فقير مال لكن غني نفس وصحة. وكسرت عصى هوسي بالمال، وأخرجت وحش البخل من جسدي،ووهبت أموالي كلها للفقراء .وتساءلت، من يغذي الجحيم بطاقة الاتقاد ؟إنها أفعال الإنسان البشعة. نعم لا يمكن لله أن يسعر الجحيم بطاقة محضة منه، هو القادر بلا شك على ذلك، لكن رحمته تحتم علية أن لا يوقدها. إن فعل الإنسان المتكرر للشر ينتج عنه ظلم، هو من يوقد ويزيد الجحيم تفجرا. وكلما رفعت كف فقير تطلب عدل الله، توقد الجحيم نفسها ليزداد فورانها. هذا السعير تغذية أفعال الإنسان. إن تزامن القدر مع الفعل المرتبط بالخير كفيل بتغيير مجرى الإحداث. الخير يطفئ سعير الجحيم. أنا لا أنكر بأنني بحاجة إلى المال ،لكن هذه اللحظة أنا حر. صَفَعتْ كفُ الخير بُخلي وخوفي. وافقتُ لوجودٍ أرحبْ تطلبه روحي. وجود دون خوف وجشع، وجود أسمى بالحب والصحة والسعادة .

بغداد
17/11/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال