الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراصنة الذين نهبوا سفينة لبنان

حسن خليل غريب

2021 / 11 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حولوها إلى مأوى للعجزة والأيتام والعاطلين عن العمل
من الشائع حول دور القراصنة في التاريخ أنهم يستولون على السفن في عرض البحار، ويسرقون محتوياتها، ولا تأخذهم شفقة أو رحمة بربانها أو عمالها من البحارة. أما في سفينة لبنان فقد سرقت أحزاب السلطة حمولتها، وأسروا ركابها، ووضعوا أبناء البحارة ونساءهم في ملاجئ للأيتام والمعوزين. وفي وسيلة هي الأولى من نوعها في تاريخ القرصنة، التي لم يستخدمها أحد آخر غير أحزاب السلطة الطائفية السياسية في لبنان، وهي أنهم أظهروا الشفقة والرحمة بمن نهبوا، ومن أسروا. ولأنها الأولى في ابتكارات القراصنة في التاريخ العالمي، سنفرد لها هذا المقال.
من الثابت، وباعترافاتهم، والاعتراف هو شيخ الأدلة، أنهم تشاركوا في نهب الدولة ولم يتركوا على متن السفينة اللبنانية ما يقتات به اللبنانيون. بعد أن سرقوا حمولتها، اختطفوا سكان لبنان وتوزعوهم فيما بينهم، بحيث أسر كل حزب طائفي من يؤيده من طائفته، واحتجزوهم في مآوي للعجزة والأيتام والعاطلين عن العمل، وراحت جوقة كل طائفة تستجدي المساعدات والتبرعات تحت يافطات إنسانية تستدر بهم عطف دول العالم وشفقتها.
في هذا المشهد المأساوي، تكاثرت مساعدات الذين وقعت في قلبهم رأفة بهؤلاء. ووبهذا أخذت جوقة كل أمير طائفة، تجمع عائدات الحسنات والصدقات في صناديقها الخاصة تقدم منها للمحتاجين من الطائفة دون غيرهم، ما يدفع عنهم الموت جوعاً وعرياً ومرضاً. كانوا يقدمون جزءاً يسيراً من المساعدات لهم بما لا يجعلهم يموتون، لأنهم إذا ماتوا فلن يبقى لدي أمراء الطوائف والسلطة ما يستدرُّون به عواطف الجمعيات الخيرية، ويستجدون المحسنين ومقدِّمي الصدقات.

إدارة الدولة أم إدارة ملجأ للأيتام؟
يا سبحان الله، كم هي واسعة مخيَّلة الاحتيال عند أمراء السلطة الطائفية في لبنان. إنهم قراصنة من طراز فريد. قرصان ولص وفاسد يتحوَّل، في لحظة ذكاء، إلى فاعل للخير يأوي العجزة، ويُطعم الأيتام، ويقدِّم المساعدات للعاطلين عن العمل؟!
يا سبحان الله، أن يتحوَّل العجزة والأيتام إلى مسبِّحين بحمد قراصنتهم وسارقيهم؟!
قد لا يكون من الغريب العجيب أن يُسبِّح المسروق بحمد السارق، فلأن السارق فنَّان استخدم عقله الذي حباه الله به لتوظيفه في فنون السرقة والنهب والكذب. وأما المسروق فلأنه دفن نفسه في مدافن الجهل والسذاجة، لأنه لا يعرف أن يعيش بدون زعيم.
تناسى أولياء السلطة أن إدارة الدولة في مكان، وتحويل الدولة إلى مآوٍ للعجزة والأيتام ومساعدة من عوَّدوهم على امتهان البطالة مكان آخر.
كما تناسوا أن الدولة وأولياءها، هم الذين عليهم أن يلغوا دور الأيتام والعجزة لأنها تتنافى مع الشرائع الإنسانية التي تنص على أن كل راع مسؤول عن رعيته، وعلى الماسكين برقاب السلطة أن يفوا كل مواطن حقه من العيش الكريم، وأن يكافحوا البطالة بضمان حق العمل لكل مواطن. وأن لكل واحد من الرعية حق في عائدات الدولة من دون مِنَّة من أحد من الماسكين في رقاب السلطة. ومن واجب الدولة، الممثلة بمؤسساتها على شتى مستوياتها، تقديمها لكل الرعية من دون تمييز أو تفضيل. ولكن أحزاب السلطة، في هذه المرحلة، حكموا بمبادئ القراصنة، بعد أن كسروا للدولة كل أجنحتها، وألقوا بمجاديف السفينة في قاع البحر حتى لا تُبحر من دونهم.
تناسوا أن إدارة اقتصاد الدولة لا تُبنى على عقيدة (أزرعوا على شرفات المنازل)، وحل مشكلة الفقر في (أن يتصدَّق الجار على جاره)، ولا أن يتم تكديس الشباب العاطلين عن العمل في الشوارع والمقاهي لقاء مساعدة لا تبني مستقبلاً لهم ولعائلاتهم.
إن إدارة الدولة تتم بتنمية الزراعة والصناعة الوطنية من أجل توفير فرص العمل للعاطلين عنه، وهم بدورهم يعيلون أسرهم، ويضمنون مستقبلهم ومستقبلها. وإن الوفر في إنتاجهم تستثمره الدولة في ضمان حقوق العجزة والأيتام وذوي السبيل ممن لا معين لهم. وتناسى رعاة البشر ممن يكدِّسون الشباب العاطلين عن العمل أن مزاريب المساعدات سوف تجفُّ، ولم يتساءلوا كيف سيكون مستقبلهم إذا ما انقطعت مزاريب المساعدات الطائفية عنهم. ولكن للأسف البالغ أن مصالح أحزاب السلطة الطائفية في واد، ومصالح الشعب في واد آخر.
حقوق المواطن مضمونة في الدولة الحديثة:
لقد تخلَّصت الدولة الحديثة من مفهوم إيواء اليتيم والعاجز على حساب الصدقات. وأبطلت مقولة (الصدقة تدفع البلاء)، كما أبطلت مفاهيم النذور دفعاً للمرض والإملاق. وأصبحت فريضة واجب الدولة تجاه رعاياها، في منهج الحكم الطائفي السياسي، هي الفريضة الغائبة.
لقد تمَّ التخلص التدريجي من استخدام دور الأيتام التي تديرها الحكومة في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأخير من القرن العشرين. واستبدلته بأنظمة أخرى، لا تنظر كم يمكن أن توفر من أموال لإملاء معدة الأيتام والعجزة، أو ما يستر عريهم، بل نظرت إليها عبر مبادئ إنسانية تتلخَّص بكم تستطيع أن تضمن كرامة اليتيم والعاجز، وتحتضنه ضمن بيئة اجتماعية يبني عليها آماله وطموحاته. وكيف يمكن لمؤسسات الدولة الاجتماعية أن تبني لليتيم والعاجز شخصية سوية مهما كانت طائفته، لا أن يشعر بعقدة النقص مع محيطه الاجتماعي، يشعر بالذل والمهانة ينتظر ما يتصدَّق به الأغنياء عليهم. بل عليه أن يشعر، في دولة حديثة، بأنه يمتلك الحقوق ذاتها التي ينعم بها الآخرون، لا أن يكون مواطناً ينتظر صدقات المحسنين.
استناداً إلى الوقائع والحقائق تلك، نؤكد على ما يلي:
فلتخرج أحزاب الطائفية السياسية عن منهج إدارة ملاجئ العجزة والأيتام والعاطلين عن العمل، وتسلك مناهج إدارة دولة لكل مواطن حقوق من عائاداتها. وإذا لم تفعلها، وهي لن تفعلها لأنها المستفيد الأول من نهب السفينة ومن عائدات التسول على أبواب المحسنين، على الشعب أن يُسقط سلطة اللصوص والقراصنة، وسلطة متعهدي دور الأيتام والعجزة.
وإذا كان البعض يائساً من التغيير بحجة أن من يعمل من أجله قليلو العدد، يكفي أن هذه القلة قد حفرت في ضمائر الجماهير الشعبية الواسعة، حتى تلك المستسلمة لمناهج القصنة على الطريقة اللبنانية، ألف سؤال وسؤال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا