الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانهيار الرأسمالي العالمي الوشيك

عبد السلام أديب

2021 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


في حوار تلفزي مع الكاتب الفرنسي فرانز أوليفيي جيزبير حول كتابه الأخير "الجفلة Le sursaut، التاريخ الحميمي للجمهورية الخامسة" حيث يحاول فيه الكاتب المقارنة بين فرنسا اليوم وفرنسا خلال عهد الرئيس السابق شارل دوغول، وحيث يستخلص ان فرنسا اليوم هي في حالة انحدار مفتوح مقارنة مع عهد دوغول، كما يستخلص أن صناعة القرار السياسي اليوم في فرنسا لا يرقى الى جرأة القرارات السياسية التي كانت تتخذ في عهد شارل دوغول.

لكن الكاتب ينسى أو أنه لا يأخذ بعين الاعتبار المنطق الذي يقول بانه "لا قياس مع وجود الفارق"، فالفترة التي تزامنت مع عهد شارل دوغول خلال عقد الستينات، لا يمكن بالمطلق مقارنتها بالوضع الراهن سنة 2021. علما أن أكبر تحول حدث منذ عهد دوغول الى اليوم هو تآكل قدرة السياسة على الفعل أمام زحف الاقتصاد، وهو التآكل التدريجي طويل الأمد بفعل تأثيرات قوانين نمط الإنتاج الرأسمالي وذاك منذ ظهوره في القرن الثالث عشر، مرورا بالانتصار التدريجي للطبقة الرأسمالية عبر ثوراتها البرجوازية، على الملكيات المطلقة، وعلى أمراء الاقطاع، خاصة خلال الثورات الانجليزية والفرنسية والأمريكية، والتحول الذي طرأ على سياسات الدول تحت تأثير تزايد مصالح رأس المال وضرورات الغزو العالمي للسلع الرأسمالية لتجاوز الازمات الدورية وهو ما فرض الاستعمار المباشر أولا ثم فرض الامبريالية ثانيا، فهذه السيرورة الرأسمالية الطويلة حطمت الكيانات السياسية وجعلتها خادمة منزوعة الإرادة لمصالح الربح الرأسمالي المنزوع الضمير.

ففي عهد شارل دوغول كان هناك مع ذلك هامشا ضيقا من القدرة على صناعة قرارات سياسية مستقلة نسبيا، تميز مصالح فرنسا عن مصالح الولايات المتحدة مثلا على عدة مستويات ومنها التسلح النووي والعلاقات التجارية والسياسية بين الدول. لكن بفعل تآكل القدرة السياسية المستقلة للدول وحلول المصالح العليا للرأسمال المالي العالمي محلها، أصبحت السياسة عبدا للربح الرأسمالي سواء في انتقاء السياسيين لإيصالهم الى سدة الرئاسة والحكم لتلبية ما تمليه مصلحة رأس المال المالي العالمي، والتصرف حتى ضد المصالح القومية للدول والشعوب المعنية نفسها، وقد رأينا كيف يتم اسقاط العديد من رؤساء الدول كما يتم اسقاط دمى الأطفال، كسالفادور اليندي في الشيلي وباتريس لمومبا في الكونغو ومؤخرا كصدام حسين في العراق، أو معمر القذافي في ليبيا مثلا. ثم كيف استطاعت الولايات المتحدة الامريكية انتزاع صفقة الغواصات بالمليارات الدولارات بين فرنسا وأستراليا، دون أن تتمكن فرنسا حتى من الاحتجاج على ذلك.

اننا نعيش إذن زمن الهيمنة المطلقة لرأس المال المالي العالمي ونمط الإنتاج الرأسمالي، وقد تنبأ كارل ماركس في الفصل السادس غير المنشور من رأس المال بأن الازمة الختامية لنمط الانتاج الرأسمالي، قد تحدث عند الوصول الى الهيمنة الرأسمالية المطلقة على العمل وقد رأينا كيف حولت الامبريالية الجديدة البشرية بأكملها الى ايدي عاملة، لا تمتلك وسائل الإنتاج، والتي تم انتزاعها غصبا عنها في كل مكان من طرف رأس المال المالي العالمي اما بشكل مباشر او بشكل غير مباشر وفي مقدمتها الأراضي الفلاحية التي تشكل وسيلة الإنتاج الانسانية الأساسية لضمان حياة مستقلة كريمة. لقد تم تحويل سكان العالم إذن الى بروليتاريا يتم استنزاف فوائض القيمة من عرق جبينها ومن قوة عملها، كما أصبح على البروليتاري لكي يعيش أن يبيع قوة عمله كل يوم تحت تهديد البطالة والفقر والمجاعة التي باتت تضرب مختلف انحاء العالم. ان بوادر الازمة الرأسمالية الختامية تتجلى حولنا اليوم حتى في سيرورة وانعكاسات الازمة الصحية لكوفيد 19 التي تستبطن الكثير من كذب السلطات الحاكمة والفلاسفة والأطباء والصحافيين والقنوات الرسمية، كما تتجلى في التضخم المفتعل وفي اشتعال أسعار السلع والخدمات في كل مكان، واضا في انتشار البطالة والتسريحات الجماعية وفي ظهور بوادر ردود الفعل القوية في فرنسا وهولندا وإيطاليا واسبانيا وفي افريقيا كالمغرب وأمريكا اللاتينية وآسيا بل وحتى في الجزر البعيدة مثل غودلوب والمارتنيك وهايتي.

فالأزمة الختامية التي تحدث عنها كارل ماركس تتجلى اليوم في الانهيار التدريجي لمعدل الربح الرأسمالي نظرا لقانون استبدال العمل الإنساني للبروليتاريا بفعل المنافسة والإنتاج الواسع والسريع من أجل السوق العالمية بتكاليف متدنية. غير ان التناقض يحدث ويتواصل بأحجام فلكية بين السلع المتراكمة بوفرة تفوق أربعة عشرة مرة حجم حاجيات الإنسانية جمعاء في السوق العالمي. وعدم القدرة على بيعها وتحويلها بالتالي الى عائدات نقدية رأسمالية،(انكسار سلسلة نقد سلعة نقد) نظرا لعدم تناسب القدرة الشرائية للبروليتاريا العالمية مع ركام السلع الرأسمالية غير القابلة للبيع والتصريف. فالرأسمال المالي الذي لم يعد قادرا على تحقيق أرباحه بمعدلات متوالية مضاعفة، يلجأ في الغالب الى المضاربة على الحاضر وعلى المستقبل من خلال اشكال متنوعة من المديونية وهو ما يشكل فقاعات من رؤوس الأموال الوهمية رأينا مفعول انفجارها سنة 1929 ومؤخرا سنة 2008.

فالأزمة الوشيكة الانفجار ستكون على شكل فقاعات متعددة كفقاعة السيولة الوهمية التي تشكلت بفعل المضاربة والمديونية والأسهم والسندات المسمومة والتي تداولهتا الابناك على الصعيد العالمي، وحجم هذه الأموال الوهمية يتجاوز حجم الكرة الأرضية بعشرة أضعاف. علما أن هذه الأموال الوهمية الكوكبية لا علاقة لها بالحياة المادية الملموسة لسكان العالم، كما أن الانسان الطبيعي ليس هو من يدير هذه الأموال بل تدار من قبل حواسيب تتفاعل فيما بينها على مستوى الكوكب، وهي حواسيب لا تفكر في العواقب أوفي منطق المعاملات التي تقوم بها مثل الانسان العادي.

ان الازمة الختامية لن تشكل حدثا عاديا يمكن تحمله، فتدهور معدل الربح يعمل بالضرورة على استبدال البروليتاري بالآلة وحدوث هذه السيرورة على المستوى الكوكبي يعني انتشار عالمي للبطالة والفقر بين الملايير من الناس، وحدوث صراع طبقي وردود فعل عفوية وأخرى ارادية بعضها ضعيف وبعضها قوي. كما تعني الازمة الختامية القمع البوليسي والعسكري واستعمال مختلف الأسلحة الفتاكة مما يوقع الملايين من القتلى والجرحى. وتترافق هذه السيرورة مع ازمات اجتماعية وسياسية وانهيار آليات الديموقراطية البرجوازية وعدم قدرة الدكتاتوريات التي تحل محلها على إدارة هذه الازمات والصمود أمام الصراع الطبقي. فالازمة الختامية عبارة عن بربرية عالمية تنفتح على مصراعيها، لا يمكن الانفلات منها الا بهزة ثورية بروليتارية عالمية موازية لفرض ديكتاتورية البروليتاريا والقضاء على نمط الإنتاج الرأسمالي كمرحلة انتقالية نحو نمط الإنتاج الشيوعي، حيث لا وجود للعمل المأجور ولا للطبقات ولا للدولة البرجوازية ولا لتدمير الطبيعة من أجل رفع معدلات الأرباح بل يحدث تراجع حتى عن تزايد الولادات الذي شكل منذ ظهور نمط الإنتاج الرأسمالي وسيلة رفع معدلات الأرباح على حساب وفرة اعداد الجيش الاحتياطي للعمل مما يترك المكان امام وحدة الانسان والطبيعة.

ان حتمية انهيار نمط الإنتاج الرأسمالي تحت وقع ازمته الختامية، عبارة عن سيرورة قد تطول او تقصر بحسب تفاعل القوانين الداخلية لنمط الإنتاج الرأسمالي وخاصة منها قانون تدهور معدل الربح الذي قال عنه كارل ماركس في كتابه الغوندريسة أنه أهم قانون يفسر حركة نمط الإنتاج الرأسمالي ويتهدد وجود هذا النمط ويشكل اساس الصراع الطبقي وتحرر البروليتاريا العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست