الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنطازيا رأس الحصان الطائر

صلاح زنكنه

2021 / 11 / 26
الادب والفن


(گـلشان البياتي) قاصة عراقية دؤوبة من هذا الجيل الشاب الطموح, نتوسم فيها المثابرة والجدية, بدأت بنشر أقاصيصها في الصحف المحلية منذ منتصف التسعينات, وقد أرخت لقصصها التي تضمنتها مجموعتها البكر "الحصان الطائر" بالأعوام 94 - 95 - 96 – 97.
قسمت المجموعة الى قسمين, أسمت القسم الأول بـ (رأسيات) والذي نحن بصدده تحديدا, والرأسيات هذه عبارة عن خمس قصص قصيرة أعطتها العنوانات التالية (كيمياء الرأس, فيزياء الرأس, بايلوجيا الرأس, جبر الرأس, جغرافية الرأس) وهذه القصص جميعها هي في حقيقة الأمر - أدركت القاصة أم لم تدرك – قصة واحدة بمقاطع خمسة, ولو قمنا باستبدال أي عنوان بعنوان آخر من العنوانات آنفة الذكر لما حدث أي خلل يمس متن النص, ولما تبدل في الأمر شيئا.

علما أن القصص كتبت تحت سقف زمني متقارب 1996- 1997 استخدمت فيها كلها ضمير المتكلم (أنا) أنا المرأة المثقفة القلقة المتمردة, وهذا الأنموذج الأنثوي يمثل الشخصية المحورية ذاتها في جميع قصص المجموعة, و(الرأسيات) على وجه الخصوص تشغلها وتؤرقها موضوعة واحدة لا تحيد عنها, وهي موضوعة فنطازية الفكرة وغرائبية المنحى, حيث نجد ثمة امرأة تصبو لاستبدال رأسها برأس آخر (فكرت كثيرا أن أستبدل رأسي برأس آخر) ص 8 من قصة "كيمياء الرأس" و (لا أدري منذ متى راودتني فكرة تبديل رأسي والتخلص منه) ص 12 من قصة "فيزياء الرأس" و (عزمت دون أدنى تردد أو تراجع أن أقطع رأسي من العنق .. وحاولت تبديل رأسي) ص 18 من قصة "بايلوجيا الرأس" و (راودتني رغبة عارمة من التخلص من رأسي) ص 22 من قصة "جبر الرأس" و(فكرت أن أهديك رأسي بنسبه الكريم وبأخطائه وهفواته) ص 23 من قصة "جغرافية الرأس"

تعد الفنطازيا في حد ذاتها وسيلة للهروب من الواقع الى الحلم, لتحقيق كفة التوازن بينهما, لكون الحلم وتعكزه على الخيال يمنح فسحة من الحرية للتسامي والارتقاء, والقفز على الواقع وتفاصيله المتعبة والمتشعبة, وهذا ما فعلته گـلشان في قصصها التي تناولت هموم امرأة تشاكلت مع الواقع حد الانفصام (حاولوا أن يثبتوا رأسي فوق عنقي بالصمغ والكلبسات, استعانوا بشتى السوائل والمساحيق والإبر واللواصق) ص 9, فالرأس يشكل عبئا على صاحبته, ويتسبب في ارباك وشقاء أعضاء الجسد, فهي (المرأة) تارة تبدله وتارة تبيعه وتارة تهديه وتارة تخلعه وتضعه على صحن (إلا إنني أجده قد وثب وعاد يلتصق برقبتي, ثم يخرج لسانه ممازحا إيايّ) ص 11, وتدرك أن اللعبة لا تنتهي, وأن كل محاولاتها لاستبداله مجرد عبث وهراء, حيث لا جدوى من الحصول على رأس بقيافة حديثة, رأس مبرمج على نظام U K, كون رأسها يعمل على آلية قديمة, وهو عبارة عن بؤرة للشقاء, ولهذا تهديه (البطلة) لحبيبها لكي لا يرتكب الخطايا والذنوب والآثام.

وموضوعة الرأس واشكالاته تتكرر في قصتها (الحصان الطائر) من القسم الثاني, حيث نجد المرأة ذاتها بكل انشغالاتها, تشعر بسعادة بالغة (وهي ترنو الى أخطاءها العالقة في الهواء وحماقات الرؤوس التي حشرت داخل الأكياس والعلب الفارغة) ص 30
وكما في شأن الحكايات الفنطازية, نجد أن المكان والزمان سائبين مموهين, بل غائبين تماما لصالح (الحدوتة) أي الحدث القصصي الذي أخفقت القاصة في معالجته معالجة موضوعية, واضفاء مسحة من الاقناع عليه ليكون مستساغا فنيا لدى القارئ المنذهل من هذه الوقائع, بيد أنها أفلحت بالإمساك بثيمة مثيرة, لا تخلو من الفرادة والغرابة والادهاش, حاولت من خلالها أن تبث خطاب امرأة مأزومة نفسيا واجتماعيا وفكريا, تلك التي رضعت من دم الغزال على حد تعبيرها, والتي تتوق الى الجزر البعيدة والبراري الشاسعة, لتتخلص من الرؤوس المحشوة بالتفاهات.

(الحصان الطائر) خطوة أولى تحسب للقاصة في مسار السردية العراقية, وبطاقة دخول الى عالم القصة القصيرة, لتثبت بمرور الزمن جدارة كاتبتها وتميزها.
...
جريدة الثورة سنة 2000








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال