الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القارئ ورواية شرق المتوسط

سعد العبره

2021 / 11 / 26
الادب والفن


أشعر بالتعب..أشعر برجب في داخلي وإن لم أكن سياسيا في الواقع، لكن..كل إنسان هو سجين سياسي في هذا العالم، ويبحث عن هدى، تلك الحبيبة التي تستطيع أن تذهب به إلى عالم طالما ناضل من أجله، ساعيا، حالما، بالوصول إليه.
هدى.. هي الحرية الثمينة التي ستخرجنا من قبو الحياة الزائفة، وتسرقنا من تحت يد الجلادين.
لكنّها في (الشرق المتوسط) تزوجت ولها ولدان، فمن يرجع للحرية بكارتها ؟ وما نفعي أنا ورجب والآخرين الذين يشبهوننا إن عثرنا على هدى ليستْ العذراء التي عهدناها من قبل.
سنبقى متعبين، متكئين على ذات الأريكة الممزقة بالأفكار، وسنكتب ما في داخلنا من ألم على الورق، ثم نحرق الورق.. وآهاتنا.. وأحلامنا..

رواية (شرق المتوسط) للكاتب الكبير عبدالرحمن منيف،رواية إنسانية عظيمة،يرافقك الألم ما أن تسافر معها..ولا ينتهي الألم بنهاية آخر أوراقها،إنما ينمو في داخلك..يكبر..كما تنمو في داخلك الروح الثورية التي تدعوك إلى التمرد على حرّاس السجن العربي الكبير..

يقول العربي المتمرد على لسان بطل الرواية رجب:
( سيطرتْ عليّ بجموح فكرة أن أكتب. يجب أن أقول للناس ما يجري في السراديب،في الظلمة،وراء جدران ذلك البناء الأصفر الذي يربض فوق قلوب البشر مثل حيوان خرافي،الكلمة آخر الأسلحة...).

نعم.هي آخر الأسلحة في مجتمع لا يستطيع أن يقول رأيا مختلفا،ولا يستطيع أن يحمل فكرة مغايرة لأفكار الحاكمين المستبدين.فالكلمة جهاد في مجتمعنا العربي الاسلامي !! لا سيّما ونحن المسلمين نعتقد إن (أعظم الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر).

الرواية تقص لنا ما يتعرض له هؤلاء المجاهدين الذي يجابهون السلطات الظالمة بكلمة الحق.. معاناة تلك الضمائر الحية التي تتحمل كل أصناف التعذيب في سبيل الحرية.. معاناة هؤلاء الرجال الذين يخسرون أجسادهم وعوائلهم في سبيل كرامتهم ولأجل أن يحصل أبناؤهم على حياة مختلفة..حياة تسودها العدالة واحترام الإنسان في هذا الشرق الذي لا قيمة للإنسان فيه سوى شعارات زائفة يرددها أبناء السلطة وأتباعهم ليحكموا بها أبناء جلدتهم !! شعارات يتغنون بها ليضللوا بها الحقيقة وليخمدوا الأصوات المنادية بالمساواة.. تلك الأصوات التي يقرأها المتسلطون شتيمة لهم.يقول رجب: ( الإنسان في بلادنا أرخص الأشياء،أعقاب السجائر أغلى منه) !

ما آنسني في الرواية،البطلة أنيسة،وهي أسم على مسمى،فهي النافذة الوحيدة للروح السجينة المعذبة،ورغم تكبدها العناء ورغم كل المخاوف التي عاشتها،ظلت صبورة صبر الجمل كما يقول عبدالرزاق عبد الواحد.
فهي التي تحملت كل هذا الشقاء بعد رحيل والدتها العصامية(أم رجب) تلك الأم القوية،وهاتان المرأتان تجعلانا على يقين بالمقولة المحفوظة(وراء كل رجل عظيم أمرأة عظيمة).

كما أرى أن الموت الذي أخذ أم رجب ورجب ..ثم حامد،لم يستطع أن يطفأ روح الثورة ولم يستطع أن يلجم أفواه الشباب فيما بعد.. فأنيسة وأولادها ثمار تلك التضحية،فالدور قد حان لهم بعد رحيل آبائهم المضحين.لذا يدعوهم رجب أم يكتبوا ما لديهم وهو يقول: ( لا يمكن للإنسان أن يكتب كل شيء،فعذاب الكلمة أقسى من أن يتحمله إنسان بمفرده،ولذلك فكرت بتلك الطريقة المجنونة،أن يتكلم عدد من الناس في وقت واحد .. وباصوات مختلفة).

نعم.هكذا كانت الرواية،أصوات مختلفة في وقت واحد،من خلال شخصياتها: رجب وثلاثة عشر سجينا، وأم رجب،وأنيسة،وحامد،وأبناء أنيسة، وهدى..وغيرهم.

الرواية بمئتين وثلاث وأربعين صفحة،تحمل في طياتها تفاصيل كثيرة عمّا يتعرض له السجناء ولا سيّما السياسيين منهم في السجون. وأعد الرواية كلمة شجاعة،ووثيقة يستدل بها على خفايا عالمنا العربي في ظل السلطات الجائرة التي تكمم الأفواه ولا يستطيع أحد أن يقول كل ما لديه إلا إذا كان على ظهر أشيلوس.. تلك السفينة التي ستقذفنا في موانئ الغربة.. فالمفكرون وأصحاب الرأي في شرقنا،أما أن يكونوا غرباء أو في السجون !!

يقول رجب مخاطبا أهل باريس في غربته: ( آه يا أهل باريس لو جئتم بكتبكم إلى شاطئ المتوسط الشرقي لقضيتم حياتكم كلها في السجون..).

الرواية كبيرة بما تحمل من مضامين.. كبيرة بحجم روح كاتبها.. ورغم أن أنيسة تقول: (من العبث أن يقرأ الإنسان رواية مرتين) إلا أني قرأت رواية منيف مرتين،إعجابا بها،وقد أعدها من أفضل الروايات العربية،والأولى في أدب السجون،ولهذا كتبت عنها، وما سألني سائل عن رواية للقراءة إلا وأجبته: أقرأ شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو


.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع




.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا