الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارتدادات الجيوسياسية لانضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون ( 2 )

آدم الحسن

2021 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


منذ تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون و لغاية الان حصل تطوير و إضافات على أهداف و استراتيجيات هذه المنظمة حيث اصبحت اهدافها متعددة و واسعة النطاق بدلا عن اهدافها الأولى عند تأسيسها سنة 1996 حيث كانت تلك الأهداف محدودة تخص تعزيز بعض جوانب التبادل التجاري بين اعضاء المنظمة , أما الان فبالإضافة الى الأهداف الاقتصادية و التجارية اصبحت اهدافها تتضمن تبادل المعرفة و نقل العلوم و التكنولوجية ثم شملت الجوانب السياسية و الأمنية , و لكل هدف من أهداف هذه المنظمة خارطة طريق يقول قادة هذه المنظمة و خصوصا قادة الصين انها يجب أن تكون خارطة طريق واقعية , معقولة , تساهم في جعل امكانية تحقيقها بشكل تدريجي امرا ممكنا بعيدا عن التصورات المثالية .
إن مراحل تطور منظمة شنغهاي تذكرنا كيف نشأ الاتحاد الأوربي من نواة بسيطة كانت عبارة عن اتفاقيات تجارية محدودة الى سوق اوربية مشتركة ثم الى اتحاد اوربي حيث ثم ازالة الحواجز الجمركية لانتقال السلع و الخدمات بين دول الاتحاد بعدها ظهرت العملة الأوربية الموحدة , اليورو , حيث تخلت 19 دولة اوربية عن عملتها الوطنية مع إنشاء بنك مركزي موحد لهم بموجب اتفاقية ماسترخت و تم ازالة القيود و الحواجز عن تنقل الأفراد بين 26 دولة من دول الاتحاد الأوربي بموجب اتفاقية شنكن بالإضافة الى ثلاثة دول اخرى تقع ضمن هذه الدول هي الفاتيكان و سان مارينو ( داخل ايطاليا ) و موناكو ( داخل فرنسا ) .
هنالك الان خطوات جادة لتحويل الاتحاد الأوربي الى اتحاد كونفدرالي و ذلك من خلال تحويل قرارات البرلمان الأوربي من قرارات غير ملزمة للدول الأعضاء في الاتحاد الى قرارات ملزمة و ان يكون هنالك جيش أوربي موحد و سياسة خارجية واحدة و دستور ملزم لدول الاتحاد و هذا ما تسعى لتحقيقه بعض دول الاتحاد الاوربي و بالأخص فرنسا و المانيا و الذي تحاول عرقلته الولايات المتحدة الأمريكية بشتى الطرق لأنه سيضعف الهيمنة الأمريكية على الدول الأوربية بشكل خاص و على الساحة الدولية بشكل عام .
أما مسيرة تطور منظمة شنغهاي فتختلف جوهريا عن مراحل تطور الاتحاد الأوربي فالاتحاد الأوربي تشكل من دول هي اصلا في حلف عسكري هو الناتو الذي وفر غطاء أمني و حماية امريكية لها من الأخطار الخارجية و اعتمدت دول الاتحاد الأوربي منذ البداية على اقتصاد السوق الحر و النظام الليبرالي بعكس منظمة شنغهاي التي تضم دولا ذات تهج اقتصادي متباين مع وجود مشاكل تاريخية عديدة بينها كالمشاكل التاريخية بين الهند و باكستان و المشاكل الحدودية بين الصين و الهند و غيرها من المشاكل و التعقيدات .
الشيء المميز في سياسات دول منظمة شنغهاي انها اخذت تبحث عن المشتركات بينها لغرض تعزيزها بعد أن وجدت أن حل المشاكل العالقة بين دولهم هو امر ضروري و ممكن فمثلا تحركت الهند بدعم من روسيا و باكستان بدعم من الصين للوصول الى اتفاقيات ثنائية بين الهند و باكستان اساسها المصالح الوطنية المشتركة لشعبيهما و فعلا تحقق قدر مهم من الاستقرار لبلديهما و انعكس ذلك ايجابا على الاستقرار الإقليمي لمنطقتهم و فد انضما في يوم واحد الى منظمة شنغهاي للتعاون حيث دعمت روسيا بقوة انضمام الهند و دعمت الصين بقوة انضمام باكستان .
لا يمكن لدول مثل الهند أو باكستان أن تعتمد على الدعم الاقتصادي الخارجي لحل مشاكلها الاقتصادية الهائلة دون أن تكون لديها ماكنة اقتصادية وطنية تتكفل بإحداث تنمية حقيقية لبلدانها و ذلك لإخراج شرائح واسعة من شعوبها من تحت خط الفقر المتقع .
لا شك أنه من الممكن للتجربة الصينية تقديم الكثير للهند و لباكستان ليس فقط في انعاش و تنمية اقتصادهما بل ايضا في القضاء على الأمية و غيرها من الأمور , ففي منتصف القرن الماضي كان اكثر من 700 مليون مواطن صيني يعيشون تحت خط الفقر و مثل هذا العدد من الأميين و الآن اصبح العالم يتحدث عن العملاق الاقتصادي الصيني المتطور علميا و تكنولوجيا بعد أن نجحت الصين في أن تكون واحدة من الدول التي ليس فيها مواطن يعيش تحت خط الفقر و نجحت ايضا في شمول جميع المواطنين الصينيين بالتعليم الإلزامي المجاني ....!
من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فقدت الكثير من إمكانياتها للتأثير على الكثير من دول العالم لسبب اساسي مهم هو أن حكومات الكثير من دول العالم اصبحت تتصرف وفق مصالح بلدانها الوطنية , فالحكومة الهندية رغم أن لديها علاقة جيدة مع امريكا إلا انها لا تقبل التفريط بمصالحها الوطنية من اجل أن تقدم خدمة سياسية لأمريكا , فعلى سبيل المثال نرى أن الهند غير مستعدة اطلاقا الخروج من مشروع طريق الحرير الجديد لأن هذا الطريق سينعش اقتصادها و يوفر ممرات افضل للتبادل التجاري بينها و بين دول عديدة في قارة اسيا و اوربا و افريقيا , و من غير المحتمل أن تستجيب الهند للضغوط الأمريكية للخروج من منظمة شنغهاي للتعاون لأن وجودها في هذه المنظمة سيحقق لها منافع كبيرة ليس فقط في المجال الاقتصادي و التجاري و انما في المجال الأمني و مكافحة الرهاب و تحقيق الاستقرار الإقليمي الذي هي بأمس الحاجة اليه .
نفس الأسباب التي شجعت الهند للدخول في منظمة شنغهاي للتعاون شجعت ايضا باكستان و بذلك تحسنت العلاقة بين الهند و باكستان بعد أن اصبحا شركاء من خلال انضمامها لهذه المنظمة .
قادة الصين يؤمنون بأن المصالح و خصوصا المصالح الاقتصادية و التجارية هي التي تتحكم بالعلاقات بين الدول و إن تمكنت منظمة شنغهاي للتعاون من تحقيق مصلحة لدولة عضو في المنظمة دون أن تفرط تلك الدولة بمصالحها الأخرى فبالتأكيد ستتشبث هذه الدولة بالبقاء في المنظمة و إن ما يدعم بقائها في المنظمة ايضا هو عدم وجود شروط ايديولوجية تفرض على الأعضاء بشكل قسري نتيجة انضمامهم للمنظمة , بمعنى آخر إن منظمة شنغهاي للتعاون هي منظمة غير مؤدلجة , فالروابط الأساسية بين اعضائها هي المنافع و المصالح المشتركة , لذا ليس غريبا أن تضم هذه المنظمة دول ذات نهج أيديولوجي و حضاري و ثقافي متنوع .
إن وجود أي دولة في منظمة شنغهاي للتعاون سيضع عليها التزامات من الواجب تنفيذها و التقييد بها و إلا فسوف يتراجع موقعها في المنظمة خطوة الى الوراء و تتحول من عضو كامل العضوية الى عضو مراقب أو قد يكون اسقاط عضويتها من المنظمة أمرا واردا في حالة فشلها كليا في الالتزام ببنود اتفاقية المنظمة , أما مسألة خروج أي عضو من المنظمة فهو حاليا أمر طوعي و سلس لعدم وجود تكلفة اقتصادية على الأعضاء الأخرين لهذا الخروج .
من الأمور المهمة أن منظمة شنغهاي للتعاون لا تلزم اعضائها بفرض أي عقوبات على أي دولة في العالم , لكن المنظمة لا تشجع الالتزام بأي عقوبات غير صادرة من مجلس الأمن الدولي .
أن العقوبات على أيران الصادرة من الأمم المتحدة قد تم رفعها سنة 2015 لذلك ليست هنالك قيود تفرضها منظمة شنغهاي للتعامل مع ايران و إن موضوع الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على ايران هو أمر متروك لأعضاء المنظمة لتقدير الأثار السلبية الناتجة عن عدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية .
ما تخشاه امريكا هو أن جميع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون سيرفضون الالتزام بالعقوبات الأمريكية على ايران , حتى الهند و باكستان التان لهما علاقة جيدة نوعا ما مع امريكا ستكونان أولى الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي الذين سيرفضون الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران لأن هاتين الدولتين ستحصلان على النفط و الغاز الإيراني بأسعار مخفضة ينقل بواسطة أنابيب يتم تنفيذها حاليا من قبل شركات روسية و صينية و بمشاركة شركات هندية و باكستانية .
لذا من الطبيعي و المؤكد إن لانضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون ارتدادات جيوسياسية مهمة على عموم دول الشرق الأوسط ففي الوقت الذي ستكسب إيران الكثير من المنافع من انضمامها لهذه المنظمة سيكون عليها واجبات و التزامات كبيرة ايضا عليها تنفيذها .

(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو