الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب لعبة الشياطين - الكبار

مفيد ديوب

2006 / 8 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



اندلعت الحرب والعدوان البربري الإسرائيلي على لبنان وارتفع سقف رد فعل اسرائيل على أسر الجنديين من قبل حزب الله ليتحوّل على الفور إلى حرب شاملة ضد لبنان بأكمله .. وهذا ما بدا مفاجئا في المشهد العام الأولي للمنطقة حيث كانت جميع الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المنطقةـ سواء من أهلها أو من خارج المنطقةـ غارق في مشكلاته الكبيرة ويسعى لحلها بالوسائل السلمية أو العنفية على نطاق محدود .. لكن تطوّر الأمر بهذا الشكل الدراماتيكي هو " المفاجأ " بعدما تحوّل إلى حرب شاملة ضد لبنان وربما لن يتوقف عنده ..
فإسرائيل كانت في حرب دموية مع حماس والشعب الفلسطيني وخاصة بعد أسر الجندي وإعلان حربها على غزة , وأمريكا غارقة في العراق واستعصاء العملية السلمية والمخاوف الجدية من اندلاع حرب أهلية ,و من جهة أخرى استعصاء المفاوضات في مسار الملف النووي الإيراني وعدم الخروج بحلول للجهتين , وفي لبنان أيضا لم يتوّصل أقطاب السياسة إلى حلول ومن ثم الخروج من حالة الاستعصاء منذ قرابة عام .
والنظام السوري الذي يعيش حالة من الحصار والضغوط والأزمات وآخرها وأكثرها خطر عليه اليوم تشكل المحكمة الدولية , والنظام السعودي الذي يخشى من النفوذ الإيراني وتمدده بدءا من العراق مرورا بمنطقة الخليج وصولا إلى عقر داره ,ومخاوفه أيضا من تمدد الموجة الإسلامية الجهادية داخل أراضي المملكة .
إذا فالسمة العامة للمنطقة وأطرافها الفاعلة هي الاستعصاء وعدم تقدم الحلول السياسية والمسارات السلمية وشلل السياسة وتعطل أدواتها.. والمشكلة ليست في السياسة ذاتها بل في الأطراف الفاعلة التي لم تقدم حلولا سياسية تتحقق عليها موافقة وإجماع الأطراف المتخالفة فيما بينها ,وتلك الأطراف الأكثر فشلا في السياسة هي الأكثر تطرّفا وصلفا وغطرسة, يزيدها في تلك الميزات العدائية ميزان القوى الراجح لصالحها والقوى العسكرية التي تملكها وتمنحها وهما بقدرتها على تحقيق ما تريد هي فقط باستخدام العنف والعسكرة وحدها .. أمام استعصاء السياسة وحلولها السلمية في المنطقة الشديدة القلق والتوتر من إيران إلى لبنان وصولا إلى السعودية كان العنف هو المخرج من الأزمة بعدما تبين ممانعة القوى الكبرى (أمريكا وإسرائيل هنا ) عن تقديم التنازلات المهمّة في مستوى شروطها الحالية والتي تصل إلى حد الإذلال . وكما أن الحروب هي إجراء وتعبير عن فشل السياسة, فهي بالوقت ذاته تفرض شروطا تأخذ صفة المؤقت المتزامنة مع بقاء القوة والهيمنة العسكرية لذا تبقى تلك الشروط قائمة على بركان التحولات في موازين القوى جميعها (بما فيها الدولية والمحلية ) .. ونظرا لتعطل السياسة أيضا في داخل تلك الساحات جميعها من إيران إلى إسرائيل ( ولكل منها خصوصيتها وأسبابها في العسكرة ) فإن من يحكم ويمسك بالسلطة الفعلية وبقرار الحرب والسلم هم الأجنحة الأكثر تطرفا والأكثر ميلا للحرب ( باستثناء لبنان ) التي قرر فيها حزب الله أن يعلن الحرب منفردا .
لذا جاءت عملية حزب الله بأسر الجنديين الإسرائيليين بمثابة الصاعق الذي فجّر المنطقة, في شروط جاهزة وناضجة للتفجّر حتى حدها القصوي والتي لم يقرأها حزب الله جيدا ( أو أنه أرغم على قراءتها بعيون حلفائه) .. مع العلم أن جميع الأطراف الفاعلة كانت قد قرأتها جيدا, وكل منهم له مصالحة الخاصة في هذا التفجير الخطير والمتّخالف مع مصالح جميع شعوب المنطقة, وهذه الشعوب هي الخاسر الأكبر ,موت وضحايا هائلة ودمار شامل لما هو قائم ومنجز وللمستقبل أيضا . وهي التي تدفع فواتير الحروب الباهظة من أرواح أبنائها ودمائهم ولقمة عيشهم ومستقبلهم الذي يحلمون به بحدوده الدنيا ( كسرات من الخبز وسلام يضمن الحياة ) ..
ـ لقد أرادت إسرائيل الحرب الشاملة على لبنان ـ وليس على حزب الله وحده ـ بغرض نسف ما كان قائما من شروط واتفاقات معلنة وغير معلنة, موقّعة أو موافق عليها ضمنا ,مستّغلة الشروط الدولية الداعمة لها ,وشروط الوضع الرسمي العربي المناسب لها ,وشروط الوضع اللبناني الداخلي المنقسم , و لديها مشكلة كبيرة ومتفاقمة مع حماس والشعب الفلسطيني وترغب بالقفز من فوقها ـ وخاصة أمام الوضع العالمي ـ وتريد في هذه اللحظة التاريخية تحقيق نصر تاريخي لدولة إسرائيل من ضمنه إغلاق الجبهة الشمالية إلى الأبد, كل ذلك يجعلها الرابح الأكبر من إجراء حرب شاملة على لبنان لتعيد ترتيب وضع سياسي وخلق شروط جديدة تحصد نتائج أفضل مما هي عليه قبل الحرب .
ـ كما أن الإدارة الأمريكية تعاني من مأزق كبير في العراق ويعاني مشروعها هناك من صعوبات كبيرة وان الحرب الأهلية تنذر بالتفجر وتقلب الطاولة على الجميع, ولم تقبل الإدارة الأمريكية الصفقات التي تريدها الأنظمة للبلدان المجاورة في إيران وسورية كي تعمد إلى إنجاح المشروع الأمريكي في العراق ..لذا وجدت من مصلحتها إعادة الدخول بمشروعها في المنطقة من الحلقة الأضعف وهي لبنان, وإضعاف الأوراق الإقليمية للنظامين في سورية ولبنان على الساحة اللبنانية, وتكليف إسرائيل بهذه المهمة.
ـ الطرف الدولي الثالث في هذه الحرب هو النظام الإيراني الذي يريد تمرير مشروعه النووي العسكري بأي شكل من الأشكال ومهما كلف ذلك, مستخدما الورقتين الأساسيتين القويتين :الساحة العراقية والساحة اللبنانية كي يتم يستخدمهما في الضغط على الأمريكان والأوروبيين لتمرير مشروعه, وقد تزامن ذلك مع استعصاء المفاوضات و إجماع عالمي تقريبا على تحويل الملف إلى مجلس الأمن, لذا كان من المناسب جدا للنظام الإيراني هذا التوقيت لإشعال الحرب وخلط الأوراق وإغراق المنطقة, ومن ثم اضطرار الغرب لدعوة ذاك النظام إلى مائدة الصفقات من جديد على حساب لبنان وأهله والمنطقة العربية (ممالك الرجال الضعاف ).
ـ النظام السوري الذي يشتدّ عليه الحصار الدولي أكثر, وأكثر ما يهمه أن يراهن على الزمن وعلى تبدل قواعد التعاقد السابق وعلى دور إقليمي جديد يخرجه من أزمة الحصار.
ـ الساحة اللبنانية التي تصارعت فيها القوى الداخلية وانشطرت إلى شطرين متعادلين تقريبا دون أن تتمكن تلك القوى من التوّصل إلى حدود دنيا من الاتفاقات يمّكن الدولة من الاقلاعة الأولى والشروع بحل المشكلات العالقة .
لذا كانت السياسة في الساحات جميعها معطلة وتنتظر الحرب .فجاء حزب الله وخطف قرار استباق إعلان الحرب من الجميع لحسابات لا أحد يعلم مدى دقتها ومدى نتائجها على المنطقة وعليه بالذات .
والحرب هي صراع أدوات ومؤسسات العنف, والذي يكسبها سيفرض شروطه, وشروط الحرب جاهزة والأطراف القابضة على القرار في الساحات الفاعلة هي الأطراف اليمينية المتشدّدة والتصارع بين هذه القوى ومشاريعها يجري على الأرض اللبنانية وربما يمتد إلى أكثر من ذلك.
إن خطورة الأمر تكمن في أن الهزيمة لأي طرف من الأطراف المتصارعة ستكون بمثابة كارثة عليه ونتائجها أخطر بكثير من نتيجة هزيمة عسكرية.. ستكون هزيمة مشروع كامل أو تهديد جدي لوجود تلك الأطراف.. لذا فالهزيمة مرفوضة والصراع كسر عظم , كما أن العودة إلى ذات الوضع والشروط التي كانت قائمة قبل الحرب ـ أي أن تكون هذه الحرب حربا مجانية ـ هو مجرد احتمال ضعيف ولن تقبل به إسرائيل وأمريكا( الأقوى عسكريا) لأنه بالنتيجة سيكون نصرا لحزب الله والقوى الداعمة له ويعيد المشروع الأمريكي ـالإسرائيلي إلى المربع الأول, وسينعكس ذلك على الساحتين المتفجرتين الفلسطينية والعراقية , لذا من المرجح أن تزداد الحرب في الأيام القادمة عنفا وضراوة إلى أن تهزم الآمال بتحقيق نصر عسكري كاسح في وقت قصير تفرض بعدها شروطا جديدة وتتبدل قواعد اللعبة السابقة ,وبعد ذلك ستستمر حرب استنزاف إلى أن يجد الأطراف لنفسها صيغة تجعلها تقبل الواقع الجديد وتسوّق حربها إلى شعوبها على أنها نصرا .
لقد تحوّلت الحرب بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب وطنية, خاصة بعد أن شنت إسرائيل الحرب على لبنان كله ودمرته وتسببت بتهجير أكثر من مليون مواطن من بيوتهم وقراهم, وبعد توغلّها البري في الأراضي اللبنانية ,إضافة إلى أهداف تلك الحرب الكارثية على المنطقة , لذا بات يتوّجب على جميع القوى الوطنية والديمقراطية في لبنان وسورية مهاما خاصة واستثنائية . ويتوّجب عليها إعادة النظر بمشاريع المواجهة السابقة مع العدو الإسرائيلي والتي أودى أغلبها إلى هزائم وطنية كبرى, كما يتطلب منها الدقة الكافية كي لا تقع فريسة التضليل والخداع التي مارستها الأنظمة سابقا, ومحاولة الحفاظ على استقلالية عملها وقرارها,وكي لا تقع أيضا في فخ الأحقاد الآيديولوجية والنزوع الثأرية والشعارات (الكبرى) والأحكام القيمية والسباب الذي يحمل الآخر كل أسباب الهزائم ويؤسس لهزائم لاحقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة