الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصا السحرية

محمد عبد الحليم عليان
كاتب و مؤلف للقصة القصيرة

(Eng.mohamed Abdelhaleim Alyaan)

2021 / 11 / 30
الادب والفن


تتملكني من آن لآخر رغبة الغوص في أعماق البشر
و أشعر أحيانا أن لدي القدرة على قراءة أفكارهم و رؤية داخلهم
بل و الأدهى من ذلك الشعور بمشاعرهم الدفينة دون بوح منهم بها ،،
يكفي فقط أن أتأمل الشخص لأرى داخله بكل وضوح
و هذا ما حدث هذا الصباح حينما ركبت القطار المتجه لعروس البحر
لا أدري ما دهاني لأقضي يوم عطلتي الأسبوعية في رحلة ذهاب و عودة بالقطار بلا هدف ،،
المهم أن ذلك حدث و ركبت القطار و وجدت نفسي أتخذ مقعدا كاشفا للعربة بأكملها لأرى أكبر قدر من وجوه الركاب و أستكشف ما إستطعت من داخلهم
تهتز عربة القطار ببطء معلنة مغادرة المحطة و إنطلاقها في رحلتها ،،
و إستقرت عيني على تلك الأسرة المتراصة في صفين متقابلين
تجلس الأم و إبنتها أمام الأب و إبنها ،، السيدة تبدو ثلاثينية
بينما زوجها يبدو وقد تجاوز الأربعين من عمره هكذا تبدو ملامحه
و الابنة صغيرة قد تكون في التاسعة أو العاشرة بينما الولد قد نبت شاربه و دخل طور الشباب 
بمن علي البدء لأستشف ما بداخله و أغوص في أغواره و أسراره سأبدأ بأسهلهم إنها الفتاة
ففي تلك السن ليس هناك الكثير من الأسرار
البنت جالسة بجوار والدتها يبدو من مظهرها أنها هادئة و خائفة تفتقد الثقة و لا تشعر بالأمان..
عيناها زائغة توحي بأنها تخاف أن تواجه.. و إن إعتادت إختلاس النظر
و الأطفال عندما يكونوا على تلك الحالة فهم يفتقدوا الأمان من والديهم و كذلك الحنان و الإحتواء
لذلك ستكون شخصية مهزوزة تخاف أن تتخذ قرار أو تتحمل مسئولية و ربما تكون فريسة سهلة لمن يحتضنها ..
فعلى ما يبدو لم تشبع من أحضان والديها بل قهرها والديها لذلك ذبلت و هي لم تنمو بعد و كلما حاولت الإستناد على الأم الجالسة جوارها أزاحتها،،
فالأم تبدو مثقلة محملة الكاهل بعبء ثقيل سأنظر لإنعكاس عينيها في زجاج النافذة لأقرأ ما بداخلها و أستكشف ما بها هي الأخرى ،، عينيها تبوح بأسرارها فهي إمرأة كادحة تعمل لتعين زوجها في نفقات المنزل و يبدو أنها بدأت الكدح و العمل مبكرا جدا ينبئني مظهرها أن لحظات السعادة في حياتها قليلة و قصيرة
ها أنا أخترق ذكرياتها و أعود معها أعوام للوراء حين أنهت دراستها المتوسطة و دفعتها أمها للبحث عن عمل لتتكفل بنفقاتها و تعين والدها في جهازها إذا آتاها عريس ،، رحلة عمل و كفاح لم تسلم فيها من نظرات الذئاب و محاولات التحرش من كلاب أبناء كلاب ..
لكنها نجت بأقل الخسائر و إن كان أثر الرحلة بكل ما فيها عالق في وجدانها تتألم بسببه كثيرا و تئن و لكنه أنين صامت تخشى البوح به فيقع اللوم عليها فعادتنا دائما نجلد الضحية و نلومها و نخشى لوم الصياد ،،
نضغط على جرح الجريح و نزيد نزيفه و نصفق خوفا ممن جرحه و شق وريده ،،
هي و كثير من بنات جيلها المستضعفات تمتلئ ذاكرتهم بحكاوي لم تحكى و لم تطوى و تستمر بهن الحياة يدعين التعايش و يرسمن على وجوههن الفرحة بينما القلب دامي و العيون فاضحة تنبئ بمكنون القلب لمن يجيد القراءة و كثير يجيدها و يتغافل عمدا خوفا من نبش جرح لا يملك تضميده،،
و يزيد جرحها ذلك الشاب الجالس أمامها فمنذ سنوات كانت تحمله بين ذراعيها و الآن تعدى طوله طولها و تمرد عليها و تعمد عدم الإستماع لكلامها ،،
شاب إنشغل برفاق السوء عن دراسته ففشل فيها و سقط في بئر التدخين و المخدرات يتسول أحيانا ينصب على أصدقائه و معارفه يخترع لكل واحد قصة يستدر بها عطفه حتى يخرج ما بجيبه من نقود و يلوذ بها ليبتاع سجائره و مخدراته التي إنغمس فيها ثم يعود للبحث عن فريسة أخرى و كل ضحية من ضحاياه تطرق باب بيته بحثا عنه و تتعارك مع أهل البيت ليسدوا عنه ما تحايل لأخذه
و الأب منكسر يحمل جبالا فوق كتفيه يئن أيضا بلا صوت ملامحه الحادة المتجهمة و علبة السجائر المحلية البارزة في جيب قميصه توحي بأنه موظف بإحدى المصالح الحكومية ذات الرواتب الضئيلة و الجهد الكبير و الذي ينسبه المديرين لأنفسهم لينالوا هم المكافآت والمزايا
إضطرته ظروف الحياة أن يعتمد على دخل زوجته ليكمل به ما يحتاجونه من نفقات و ترك ذلك داخله إنكسارا ينفثه في دخان سيجارته و تجاهله لكل ما يدور حوله و كأنه أدخل نفسه في شرنقة خاصة به يؤدي دوره الروتيني بلا إحساس بالحياة ،،
حتى أنه حين أراد يوما أن يوجه إبنه و يقومه فاجأه الفتى بكلمات قاسية
(قبل أن تلومني عليك لوم نفسك أولا .. لماذا تزوجت إذا لم تكن قادرا على أن تنتشل تلك المرأة من همومها و تتحمل عنها عبئها .. و لماذا أنجبتنا إذا لم تكن تستطيع أن توفر لنا حياة كريمة .. أتريد مني النجاح في التعليم لأحمل شهادة أضعها في برواز خشبي على الحائط و أنا أعلم أنه لا توجد أي فرصة للعمل بها .. أتريد لي مستقبل كمستقبلك .. لا أنا لا أريد ذلك .. سأجمع النقود أيا كانت الوسيلة و أحيا يومي و لن أفكر أبدا في غدي فأمثالنا لا مستقبل لهم) ،،، 
شعرت بإنكسار الرجل و قهر تلك المرأة و النظرة الحالكة للمستقبل في عين إبنهم و دمعت عيني من المصير المنتظر لتلك الفتاة
  و تمنيت لو أن معي عصا سحرية أشير لهم بها فتتغير حياتهم في لحظة
و أرى الرجل يستيقظ نشيطا يستعد لعمله الذي يحبه و يتقاضى منه أجرا يكفي نفقات أسرته و يفيض و جهده في عمله ينسب إليه لا لغيره لديه تأمين صحي مناسب و تأمين إجتماعي لائق و يتعلم أبناءه في مدارس حكومية راقية تهتم بهم رياضيا و ثقافيا و صحيا و نفسيا و تعليميا و البنت مستقرة و سعيدة تحيا طفولتها تتعلم و تلعب و تكتشف مواهبها و الشاب يشق طريقه وفق ما اكتشفه في نفسه من ميول و مواهب و قدرات و ينال حظه من الحياة بفرص متكافئة مع أقرانه لا يميز أحدهم عن الآخر سوى قدراته و كفاءته و الأم ترتاح من عناء مشوارها لا تحمل هم الغد تحتضن إبنتها و أبنها بصدر رحب و قلب منشرح ،، تنمي مهاراتها و هواياتها لتثري ذاتها
مستندة لرجل يعولها،،لا تعمل من أجل لقمة تسد جوعها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟