الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضاء العشائري في مدينة معان أداة لنهب أموال الكادحين فيها

وليد حكمت

2006 / 8 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


قدم القضاء العشائري البدوي في ظروف زمنية خلت خدمات جلى للمجتمع الأردني بمختلف فئاته وتجمعاته السكانية البدوية منها والحضرية فلقد كانت الأعراف العشائرية فيما مضى والقائمون عليها من القضاة والعوارف بمثابة المرجعية الأولى التي يتحاكم إليها أفراد تلك المجتمعات وهي التي تحدد الحقوق والواجبات لديهم كما انهم يلجؤون إليها في التحاكم من اجل فض منازعاتهم وحل خلافاتهم و معالجة شتى قضاياهم . لقد كانت تلك الأعراف والقوانين منسجمة نوعا ما مع الطابع الاقتصادي والاجتماعي والفكري لأفراد تلك المجتمعات فكانت تعبر حقيقة عن واقعهم وحاجاتهم الملحة في مجتمع انحسرت فيه سلطة الدولة وانعدم فيه الأمن والاستقرار باستثناء بعض المراكز الحضرية ونتيجة لغياب سلطة الدولة آنذاك تعاقد الناس كي يديروا شؤونهم المعيشية والحياتية على تلك الأعراف من اجل ضمان الاستقرار والأمن والحماية النسبية في ظل غياب الدولة.... ومع مرور الزمن وبعد استقرار الدولة الأردنية وبعد دخول القانون المدني بواسطة الاستعمار البريطاني ليحل محل القانون العشائري ليواكب التغيرات السياسية والاجتماعية والإدارية والاقتصادية التي شكلت مجمل العلاقات في جسم الدولة الأردنية ولينسجم مع طبيعة المجتمع المتطور باطراد في تلك المجالات مع مرور الزمن وليحقق فلسفة نظام الحكم الأردني وأيدلوجياته المتعددة .

الإنجليز والفرنسيون في بلاد الشام عموما حصروا تطبيق هذه القوانين في البدو والمراكز الحضرية المستقرة في منتصف البادية كمدينة معان الأردنية مثلا نظرا لرسوخ الثقافة القبلية والعشائرية في بنى هذه التراكيب الاجتماعية إلا أن الدولة الأردنية ومع مرور الزمن قلصت وبالتدريج العمل بهذه الأعراف وحدت من تطبيقها وممارستها وخصوصا تلك الأعراف التي تتصادم بقوة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون المدني الأردني ( كقضايا المرأة وبعض العقوبات الجسدية ) لكونها لم تعد تتناسب مع روح العصر الحديث أو تعبر عن الظرف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المتطور في الدولة الأردنية . فإذا ما أخذنا قضية الجلوة العشائرية على سبيل المثال لا الحصر والمعمول بها إلى الآن في بعض المناطق الأردنية والمتمثلة ب ( إجلاء القاتل وكل من يلتقي معه من أقاربه الأدنين في الجد الخامس إلى منطقة أو مدينة أخرى غير التي يسكنها في حال وقوع الجريمة ) لحين حل القضية أو صدور حكم قد يستمر لسنوات طويلة وهذا الأمر يتضمن إجلاء عشرات الأسر ممن لا ذنب لهم في هذا الأمر وتشتيتهم وفصلهم عن مصادر رزقهم وعيشهم وبقائهم في حالة من التهديد بالقتل من قبل ذوي المقتول في أي لحظة) في هذه القضية مثلا ندرك مدى التضارب بين ما تدعيه الدولة من ضمان لحرية الفرد الأردني وبين الواقع الذي يصادم تلك الادعاءات و يعاقب الفرد بجريرة الغير.

ومع تحفظنا على سلبيات القوانين العشائرية إلا أن تلك الأعراف قديما كانت تدار من قبل متخصصين من الناس من الذين يحيطون بشموليتها ويدركون كنه مقاصدها وأسرار عقوباتها ويتضلعون من ممارستها وتطبيقها سنين طويلات وعادة تكون بالتوارث والتخصص والتميز بالإضافة إلى ما يحوزه القاضي من صفات حميدة كالسمعة الطيبة والفراسة وحدة الذهن والفصاحة التي يصدر الحكم فيها بعبارات ومجازات وكنايات وضرب أمثال بالإضافة إلى تجرده من الأهواء والميول وعدم تحيزه ومعرفته الشاملة لدقائق تلك الأعراف وأسانيدها إلى غير ذلك من المواصفات والشروط التي يحوزها ذلك القاضي.


كما يتغير كل شي إلى الأسوأ في هذه البلد, تغيرت ممارسات وتطبيقات هذا القانون و الذي اصبح وصمة عار وقمة للتخلف ورمزا للرجعية ونحن في بدايات القرن الواحد والعشرين.

في مدينة معان يتم تخيير المواطن عند تعرضه لمشكلة أو اعتداء معين بين التحاكم إلى القانون المدني المطاطي ذي الحبال الطويلة التي لا تنتهي وبين هذا القانون الذي يحكم به مجموعة من البلطجية ممن احترفوا اللعب في عقول العوام واعتادوا النصب والاحتيال وابتزاز أموال الكادحين بشتى السبل ومختلف الطرائق مدعومين بقوة من قبل السلطات المحلية وعلى رأسها وزارة الداخلية. هذه السلطات التي رفعت أيديها عن كل شئ في مدينة معان باستثناء جباية الضرائب وبعض الشكليات التي ترتديها بين الحين والآخر كي يقال أن هناك دولة.

هذه الفئة من رعاع القوم و التي تم تنصيبها وتسييدها على رقاب البشر من قبل السلطات الحكومية في مدينة معان والتي يزكيها الحاكم الإداري في المدينة ويقدم لها الدعم والتبجيل والاحترام والتعزيز بين الحين والآخر مع العلم بأن تلك الفئة المستغلة لا تمت إلى القضاء العشائري بأدنى صلة لا من قريب ولا من بعيد فئة شوهت هذا التراث الفكري والتشريعي الشفاهي الغير مدون و الذي توارثه الناس منذ قرون خلت . فئة لم تدرك أهدافه ومراميه اتخذت منه وسيلة للتكسب والاستثمار وجلب المنافع وتحقيق المصالح المادية والاجتماعية وأداة للبلطجة وقناعا للوجاهة العشائرية مسيئة بذلك إلى التراث مستغلة بذلك جهل المواطنين ودعم السلطات وعلى رأسها وزارة الداخلية.

الكادحون البسطاء في المدينة يقعون ضحية لاستغلال هذه الفئة المتمشيخة الجشعة من الحشرات الطفيلية وضحيه لأحكامهم وغراماتهم التي تصل إلى مستويات خيالية لا تطاق قد تصل أحيانا إلى آلاف الدنانير الأمر الذي يزيد من قهر الكادحين واغترابهم وخصوصا وان الظروف الاقتصادية التي خلقتها الدولة الأردنية تضغط بقوة وتنوء بكلكلها على صدورهم . إن لجوء الكادحين إلى التحاكم لتلك القوانين والمتلاعبين بها من زعماء العصابات العشائرية الذين صنعتهم الدولة ومنحتهم القوة من أجل تنفيذ مآربها بين الحين والأخر هو بالدرجة الأولى لعلمهم الأكيد وقناعاتهم المترسخة بضعف السلطة التنفيذية في مدينة معان والترهل المزمن للجهاز القضائي للمدينةو الذي لا يمنح أدنى حماية تذكر أثناء المحاكمات.

قبل بضعة سنوات طرحت السلطات الأردنية وبالتخصيص شؤون العشائر والبادية مشروعا لإلغاء بعض نصوص هذه الأعراف وخصوصا الجلوة العشائرية ذلك القانون المتخلف حاليا والذي يعاقب الفرد بجريرة غيره إلا أن ذلك المشروع قد ذهب أدراج الرياح والسبب يعود إلى أن الدولة لا تحبذ أن تخوض في أمور هي بغنى عنها وخصوصا وان ذلك الأمر يتطلب منها المزيد من الإجراءات الأمنية والتشريعية المرهقة لحماية مواطنيها فضربت صفحا عن ذكر هذا الموضوع وتحولت إلى سياسة تفريخ المزيد من المشايخ التقليديين من أرباب السوابق وقدمت لهم كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي ورخصت لهم باستغلال البسطاء وابتزاز أموالهم تحت غطاء القانون العشائري والتزاماته. مقابل استخدامهم كواجهات تقليدية شكلية تمثل القيادات الشعبية _ زورا وبهتانا_ لمدينة معان في ظروف التسويق الإعلامي وHادوات تسبح بحمد السلطات بكرة وعشيا دون الالتفات إلى مصير الكادحين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط