الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب

أكرم شلغين

2021 / 12 / 1
الادب والفن


عاد حامد من عمله في ورشة تركيب الألومنيوم وضع المفتاح في قفل الباب وأداره وبنفس الوقت قرع الجرس كما يفعل يومياً لكن زوجته غادة لم تسرع باتجاه الباب لتستقبله كما تفعل كل يوم! فتح الباب وخلع حذاءه ونادى بأعلى صوته: "السلام عليكم أم نور" لكن زوجته لم تجب! وجد طفلته الصغيرة نور تنام على الكرسي في الصالون، لم يقبّلها كي لا تستيقظ، دخل غرفة النوم ليرى زوجته غادة ترقد في الفراش، حيّاها لكنها لم ترد؛ سألها عن الطفلة وكيف أنه لم يتوقع رؤيتها تنام بمفردها وفي وقت لم يعهدها تنام فيه، لكنها لم تجب قال: "غادة! أم نور! ما بك!؟" لكنها لم تجب...! سألها عن الغداء وان كانت قد تناولت طعامها أم أنها تنتظره لكنها لم تتكلم. كانت تنظر إليه تارة ثم تنظر إلى سقف الغرفة تارة أخرى وعيناها تتحرك عيناها بسرعة لم يعهدها من قبل. فقال بصوت عال: "أم نور ماذا هنالك!؟ وأيضا لم تجب! فكر في نفسه علها سمعت خبراً أليماً عن أحد من الأهل في بلدهم الأصلي فسألها إن كانت قد تكلمت مع والدتها! أو والدها أو شقيقاتها أو صديقات دراستها! لكنها لم تتكلم وهنا صرخ بصوت أعلى يريد أن يعرف ماذا بها ولماذا تلتزم الصمت! ولكنها تابعت فيما هي عليه الصمت...تركها وذهب إلى المطبخ لم يكن هناك أي وجبة مطبوخة...ففتح الثلاجة ليجد قطعة اللحم وكذلك كبد الدجاج الذي اشتراهما مساء اليوم الفائت لا يزالا على حالهما دون تحضير أي منهما فأخرج قطعة اللحم ونزع عنها غطاء ورق النايلون ووضعها بجانب المجلى في هذه الأثناء انتبه أن ابنته الصغيرة نور استيقظت ونادت ماما فترك المطبخ وذهب ليرى ابنته مذعورة حملها وقبلها ثم دخل إلى غرفة النوم حاملا الطفلة ثم قربها من أمها وقال: ها هي الجميلة إنها تريد ماما وليس بابا، لكن زوجته لم تفعل شيئاَ. وضعها بجانبها على السرير وهنا حصل ما لم يكن يتوقعه حيث صرخت بأعلى صوتها أبعدوها عني...ابتعدوا عني...من أنتم ماذا تريدون مني...لا أعرفكم...من أنتم!؟ وتابعت في نوبات صراخ متتالية وبصوت حاد ثم تحول صراخها إلى ما يشبه صوت وحش وهي تبدو خائفة من شيء ما أو أنها فجأة فقدت عقلها وأصبحت لا تعرف أحد حتى نفسها...دفعت الطفلة بيدها؛ إثر هذا العنف حيال الطفلة انكمشت عضلات فمها وعيناها وبدأت تبكي وارتفع صوت صراخها وتحول المكان لعذاب حقيقي لحامد والذي جاء متعبا من عمله بالأساس...لم يكن يبدو كمن يفكر فيما عليه عمله ولكن كل شيء حوله أصبح صادما...! حمل ابنته من جديد وأسرع ليتابع زوجته التي وثبت من السرير وركضت إلى المطبخ وهجمت على قطعة اللحم النيئة الموضوعة بجانب المجلى وأمسكتها بيدها و راحت تنهش بها وكأنها وحش مع فارق أن عضتها لقطعة اللحم كانت على قدر فمها وقوته...كانت تفتح فمها بقدر ما تستطيع وتقضم قليلا من من قطعة اللحم في مشهد بدا وكأن فيه توحش وليس إسكات جوع...كان زوجها يحمل طفلته التي لم تبلغ العامين بعد مصدوما لا يعرف ماذا يجري أو ماذا عليه أن يتصرف فكان عبثا يحاول أن يخاطبها بلغة العقل ليستعلم عن أي شيء ولكنها لم تبدو بواقع أنها تعي من حولها أو ماذا يريد...! كان يردد أم نور انتظري سنطهيها وتأكلين لكنها بدت وكأنها لا تسمع ولا تفهم ماذا يقول...كان يراقب ما يحدث ويقول بعالي الصوت: "يا رب سترك... يا رب أنت أعلم بحالنا ونحن في بلاد الغربة جئنا لنعيش بعرق جبيننا...يا رب لا تفضحنا بين البشر...يا رب تهدّي أم نور...يا رب لم أفعل ما يغضبك...يا رب..." ومع دعوات الأب ازداد صراخ طفلته وأما الأم فتركت قطعة اللحم من يدها ونظرت حولها بكل الاتجاهات ثم فتحت باب الثلاجة وأخرجت كيس النايلون الذي يحتوي على كبد الدجاج وابتعدت به عن الثلاجة لتمزق الكيس وتغرف بأصابعها من الكبد وتأكل...تلطخ فمها وما حوله وحتى أجزاء من خدها وأنفها بالدماء...والطفلة لازالت تبكي بصوت أعلى، أخذها والدها نحو الغرفة ووضعها هناك وعاد لزوجته التي تأكل الكبد النيء...وكان يتوسل أن تقول له أي شيء أو تشرح أي شيء ولكن عبثا فقد كانت في عالمها الذي لا يعرف عنه شيئا ولم يحدث أن رأى منه أو سمع عنه من قبل...! فجأة تراخت يد غادة وتركت كل شيء وعادت إلى السرير لترقد هناك بدون صراخ بالصوت العالي وإنما كانت فقط بين الفينة والأخرى تتكلم لنفسها عبارات لم تكن مترابطة وليس فيها شيء مفهوم، بل وتستخدم تعابير وألفاظ لم يسمعها من قبل وظن أنها ستفقد مقدرتها كليا حتى على الكلام...لم يستطع أن يحتمل أكثر، كان يريد أن يصرخ ولكنه كانت يتمالك نفسه، يريد أن يعرف أي شيء ولم يستطع، دمعت عيناه وهو يراقب المشهد...حاول أن يُظهر لزوجته أنه قلق وأنه يائس ويريد أن يفهم أي شي ولكن ذلك كان عبثا إذ هي في عالمها المُحيّر...! أشغل حامد الكومبيوتر المحمول وبواسطة أحد برامج التواصل رن على حماته التي استقبلت مكالمة الفيديو مبتسمة ولكنها فجأة تغيرت حين رأته على غير عادته وسمعت صوت الطفلة ولم تر ابنتها غادة بجانبه...أخبرها بعبارات مختصرة ما حدث منذ وصل البيت ولم يعرف ما هنالك...استقبلت الأم ذلك بشكل يشبه الانهيار العصبي وهي تطالب برؤية ابنتها فحمل الكومبيوتر إلى سرير زوجته التي لم تعر انتباها إلى أن أمها تتكلم بل تابعت في عالمها...راحت أمها تصرخ بشكل هستيري ماذا حصل؟ هل ضربتها؟ قل لي ماذا حصل؟ هل دفعتها ووقعت...؟ أجابها: "عمتي، والله لا شيء من هذا حصل وأنا مثلك جاهل السبب..." ثم قال سأحاول أن أطلب لها الإسعاف وسأخبرك بما يحصل لاحقا وأغلق الخط...
بدت غادة وكأنها تعبت ولم تعد تتكلم بل نعست تدريجيا ثم غطت في نوم...تركها وراح يحاول جعل طفلته تعود إلى طبيعتها بعد البكاء والصراخ والخوف ثم بدأ يحضر طعامها... عاد واتصل بحماته وقال لها لقد نامت...وكررت حماته سؤالها عما جرى وكرر جوابه بأنه مثلها لا يعلم إلا ما يراه..! كانت غادة تغط في نوم عميق وأما حامد فلم يرد أن يصدر أي صوت يوقظها...اتصلت حماته عدة مرات لتستطلع وكان يجيبها بأن ابنتها لاتزال نائمة...كان القلق يقتله ليعرف أي شيء عما حصل لزوجته ولكنه لم يستطع التخمين بل راح تفكيره يدور حول نقطة واحدة عما إن كانت زوجته ستؤذي طفلتها وهي لا تدري..عما إذا كان يستطيع المتابعة بالذهاب إلى عمله وترك الاثنتين بالقرب من بعضهما...! بقي الليل بكامله أسير الأفكار والهواجس وبكي عدة مرات وهو يلعن الغربة ويلعن ما اضطره إليها فلو كان في بلده لكان أهله وأهل غادة بجانبهما في هذه الأزمة المفاجئة و لكانوا خففوا عنهما أو عرفوا شيئا هو جاهل به...عند بزوغ الفجر كان منهكا خائر القوى محطما جسديا ومرهقا نفسيا حين استيقظت غادة ونظرت إليه لتقول بشكل عادي: "صباح الخير..صليت الفجر؟" لم يصدق نفسه فانهار في البكاء وهي تنظر إليه بغرابة وتسأله ما به...! لم يستطع أن يجيبها بشكل تفهمه بل راح يقول بعبارات مقتضبة بأنها شلته بالصدمة...لم تعرف عما كان يتكلم...! لكنها اتجهت نحو الحمام وغسلت وجهها وعادت لتتساءل بغرابة عما حدث ولماذا يتهمها بأنها وراء قلقه وخوفه وصدمته...! كان حامد شديد التعب والنعاس فانهار ونام في مكانه. عند الظهيرة استيقظ وطلب من زوجته أن يذهبا للمستشفى ليسأل الأطباء عما حدث...ولكنها كانت تهزأ منه لأنه يتهمها بشيء غريب وهي لا تعرف عن ماذا يحكي...! ولم تحاول أن تقتنع أن الدم الذي كان حول فمها هو الدليل على حالة الغياب تلك...!
بعد أسبوع ذهبت معه إلى المشفى وهناك وبعد فحوصات وتشخيص وأسئلة أخبرهما الطبيب باسم ما حصل وهو اضطرابات مؤقته وعلاجها كذا وكذا ووصف لها بعض الأدوية على أمل مراجعته بعد حين إن لم يحدث طارئ جديد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال