الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع العراق ... قراءة تاريخية موضوعية

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يثير البعض ربما بدوافع الحقد والكراهية للعراق, فرية مفادها أن العراق كيانا مفتعلا أوجدته المصالح الإستعمارية مطلع القرن العشرين , متجاهلين عن قصد أو بدونه ,حقيقة أن العراق بلدا كان قائما منذ فجر التاريخ حيث إنبثقت فيه أقدم الحضارات في سومر وأكد وبابل ونينوى وما تلاها من حضارات عربية وإسلامية مزدهرة ,وسيبقى بإذن الله قائما إلى أبد الآبدين بلدا عزيزا مقتدرا. عرف العراق عبر تأريخه الطويل بأسماء مختلفة منها , (ميسو بوتاميا) الذي شاع إستخدامه في العصر اليوناني , وبلاد ما بين النهرين وبلاد وادي الرافدين وأرض السواد. إختلف الباحثون بأصل تسمية العراق , فمنهم من يرى أن تسمية العراق, تسمية عربية تعني شاطئ البحر لوقوعه على شاطئ دجلة والفرات ,ويرى آخرون أن التسمية فارسية وتعني السهل أو السواد أو البلاد المنخفضة (ايراك),ويرى فريق ثالث أن التسمية مشتقة من كلمة أوروك السومرية , نسبة إلى مدينة أوروك ( الوركاء ) مدينة الملك السومري كاكامش , وهناك من يعتقد أن التسمية جاءت بسبب كثرة عروق أشجار النخيل في وسط العراق وجنوبه . وأيا كان أصل التسمية , فجميعها تشير إلى قدم العراق وأصالته , بخلاف ما يروجه دعاة تقسيم العراق وتفتيته بدعاواهم الزائفة أن لا وجود تاريخي للعراق العظيم .
وإذا إفترضنا حسن نية البعض وربما إلتباس الأمر لديهم , بحيث أنهم لم يستطيعوا التميز بين أصالة وجود العراق الممتدة آلاف السنين , وتأريخ المملكة العراقية مطلع القرن العشرين التي كان للحكومة البريطانية يومذاك دورا بارزا بتاسيسها بما يتوفق ومصالحها يومذاك .وهو أمر لم يقتصر على العراق وحده , بل شمل جميع دول المنطقة بأسرها فيما عرف بإتفاقية سايس بيكو حيث إنبثقت دولا بموجبها لم يكن لها وجود أو حتى إسما من قبل . وهنا نقول فات هؤلاء أن العراق قد فقد جزءا كبيرا من أراضيه لصالح دول الجوار , حيث أنه من المعروف أن العراق في العهد العثماني كان مؤلفا إداريا من ثلاثة ولايات . ونظام الولايات في العراق لم يكن بدعة إبتدعها العثمانيون في العراق, فقد سبقتهم بذلك دولة الخلافة الراشدية في صدر الإسلام , بإستحداث ولايتي الكوفة والبصرة , بينما كانت كل من مصر والشام ولاية واحدة.والولايات العثمانية هي :
ولاية الموصل وعاصمتها مدينة الموصل, وتضم كلاً من كركوك، والسليمانية، وأربيل, وولاية بغداد وعاصمتها مدينة بغداد , وتضم كل من الديوانية، و كربلاء, وولاية البصرة وعاصمتها مدينة البصرة , وتضم كل من:
- لواء البصرة والذي كان يضم كلاً من قضاء البصرة، وقضاء الكويت، وقضاء الفاو،وقضاء القرنة.
- لواء المنتفك والذي كان يضم كلاً من قضاء الحي وقضاء المنتفك.
- لواء العمارة والذي كان يضم كلاً من قضاء طويرج وقضاء العمارة.
- لواء نجد والذي كان يضم كلاً من قضاء القطيف، وقضاء الهفوف، وقضاء قطر.
- لواء القصيم والذي كان يضم كلاً من قضاء الرياض وقضاء بريدة.
يلاحظ هنا بوضوح إقتطاع مناطق واسعة من ولاية البصرة العراقية لصالح مشيخات الخليج العربي التي وضعت تحت الحماية البريطانية , لتصبح فيما بعد دولا قائما بذاتها كما هو معروف الآن , وباتت هذه الدول لاحقا تتمتع بنفوذ سياسي كبير على صعيد المنطقة بأسرها , نظرا لما تملكه من ثروات نفطية هائلة , وضمت مناطق هي الأخرى غنية بالنفط إلى ما بات يعرف الان بالمملكة العربية السعودية التي تأسست عام 1932 . فيا ترى والحالة هذه أي الدول التي إصطنعتها المصالح البريطانية ؟ العراق الممتد تاريخيا وحضاريا آلاف السنيين , أم الدول التي لم يكن لها وجودا أصلا عبر التاريخ أكثر من كونها مناطق صحراوية ساحلية كجزء من العراق وشبه الجزيرة العربية. لا نقول ذلك إنتقاصا من أية دولة , ولكن كونه حقيقة تاريخية لا يستطيع كائنا من كان نكرانها, والحقائق كما يقال لا يمكن تغطيتها بغربال.
وهنا نحن لا ندعو بعودة عجلة التاريخ إلى الوراء , بل ندعو إلى قبول الأمر الواقع والتعايش السلمي بين شعوب المنطقة للحفاظ على السلم والأمن للجميع , والإنصراف إلى بناء أوطان آمنة ومستقرة ومزدهرة ينعم سكانها بالرفاهية والعيش الكريم والإيتعاد عن إثارة الأحقاد والضغائن ونبش التاريخ . ونقول أيضا أن من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة وأن تكف الأقلام المأجورة عن الحديث السمج والمأجوج , وبخاصة في بعض دول الخليج العربي ,عن عراق التاريخ والحضارة والكف عن وصفه بالكيان المصطنع, بينما هي في حقيقة الأمر كيانات مصطنعة لم يكن لها وجود في يوم من الأيام, لا تتوفر في أي منها مقومات الدولة.
إقتطعت دول الجوار مساحات واسعة من الأراضي العراقية ,فموجب معاهدة أَرض روم المعقودة عام 1823 م بين الدولة الفارسية والدولة العثمانية التي كان العراق جزءا منها يومذاك، حصلت إيران على مدينة المحمرة وميناءها وجزيرة خضر والمرسى والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية من شط العرب. كما أعطت معاهدة أرض روم الثانية المعقودة عام 1847 م بتوسط من القوى الكبرى في حينها بريطانيا وروسيا , حق الملاحة للسفن والمراكب الفارسية في شط العرب بملء حريتها من محل مصب شط العرب في البحر الى نقطة اتصال الحدود بين الجانبين.
وبعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921م تحت الانتداب البريطاني, رفضت الدولة الفارسية الاعتراف بها لثمانية أعوام. حصلت إيران بموجب الإتفاقية المعقودة بينها وبين الحكومة العراقية عام 1937 م , على تنازل جديد من الحكومة العراقية بإعطائها مساحة جديدة (7.75 كم ) امام جزيرة عبادان على امتداد خط "الثالوك", أي الخط المتكون من إمتداد أعمق نقطة في المقاطع المتتالية للنهر, فضلا عن السماح للسفن الحربية الايرانية بالدخول عبر شط العرب حتى الموانئ الايرانية. وفي عام 1969 ألغى شاه إيران معاهدة عام 1937 من جانب واحد، كما قامت إيران بتحشيد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية على طول خط الحدود بينها وبين العراق. وفرضت إيران أمرا واقعا على الملاحة في شط العرب بمعزل عن اشتراطات المعاهدة السابقة، معلنة أنها ستعتبر المياه العميقة وسط النهر (خط الثالوك) حدا لتقاسم السيادة على الممر المائي. تنازل العراق (مضطرا بسبب تردي أوضاعه الداخلية في المناطق الكردية ) بموجب الإتفاقية التي عقدت مع الحكومة الإيرانية عام 1975 , عن حقوقه في المعاهدات السابقة بالسيادة على الممر المائي واعتماد خط الثالوك اساسا لترسيم الحدود في شط العرب, مقابل وقف إيران لدعمها للتمرد الكردي في شمال العراق.
طالب العراق في العام 1979, بمراجعة اتفاقية الجزائر وتطبيع العلاقات بين البلدين. لم تلقى هذه المطالبة أية إستجابة من الحكومة الإيرانية , مما دفع العراق لإلغاء هذه الإتفاقية عام 1980 , الذي عدته إيران بمثابة إعلان حرب , نجم عنه حربا ضروسا بين البلدين لثمان سنوات إحترق فيها الأخضر واليابس دون أن يحقق فيها أيا من الطرفين نتائج حاسمه لمصلحته.
واجهت الحكومة العراقية منذ تأسيس المملكة العراقية نزاعا آخر لا يقل خطورة عن المطامع الإيرانية , تمثل بمطالبة تركيا بضم محافظة الموصل والتي كانت تضم حينذاك محافظة دهوك الحالية إلى أراضيها . أوصت لجنة شكلتها عصبة الأمم من أجل تحديد عائدية الموصل للعراق وليس لتركيا الحق بالمطالبة بالموصل. قبلت تركيا بالقرار على مضض بتوقيعها معاهدة أنقرة مع الحكومة العراقية في العام 1926, مقابل حصولها على نسبة ( 10% ) من عوائد نفط الموصل لمدة 25 عاما. أليس ذلك إجحافا بحق العراق ؟ وبرغم ذلك ما إنفكت الحكومات التركية المتعاقبة تجدد مطالبتها بين الحين والآخر بضم الموصل إلى أراضيها , وترفع أحيانا سقف مطالبها لضم محافظتي أربيل وكركوك , من منطلق أن من يملك القوة يملك الحق .
يلاحظ أن العراق قد خسر الكثير من أراضيه لصالح دول الجوار دون وجه حق , وبرغم ذلك تكال له التهم جزافا بتهديد أمن المنطقة , بينما تبتلع دول الجوار أرا ضيه دون رحمة والتي كان آخرها, استحواذ الكويت على القناة الملاحية البحرية برمتها, بموجب قرارات جائرة أصدرها مجلس الأمن الدولي عام 1991 في سابقة فريدة لم تشهدها العلاقات الدولية من قبل, الأمر الذي جعل العراق معزولا تماما عن المسطحات البحرية العالمية, مما تسبب بتعطيل عمل موانئ خور الزبير والحديد والصلب والأرصفة النفطية والتجارية في أم قصر. وبذلك فقدت بلاد السندباد البحري الكثير من منافذها البحرية حتى كادت تصبح الآن بلدا قاريا. كما خسر العراق مساحات واسعة من مناطقه الغنية بالنفط المتمثلة بحقول الرميلة التي كانت سببا رئيسيا لغزو الحكومة العراقية للكويت عام 1990 .
إن ما أردنا قوله هنا أن العراق دولة موغلة في القدم , إن لم تكن أقدم الدول ذات الأرث الحضاري والأنساني العريق , حري بمناصرته ورفع كل أشكال الحيف والضرر الذي لحق بشعبه, كي يعيش حياة حرة كريمة في أرضه ووطنه, ينعم بالأمن والسلام والعيش الكريم , والكف عن محاولات تهميشه وتفتيته بدعاوى واراجيف باطلة لا أساس لها من الصحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام في حرم جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة للمطالبة بإن


.. القوات الإسرائيلية تقتحم معبر رفح البري وتوقف حركة المسافرين




.. جرافة لجيش الاحتلال تجري عمليات تجريف قرب مخيم طولكرم في الض


.. مشاهد متداولة تظهر اقتحام دبابة للجيش الإسرائيلي معبر رفح من




.. مشاهد جوية ترصد حجم الدمار الذي خلفته الفيضانات جنوب البرازي