الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الكراهية

صلاح زنكنه

2021 / 12 / 1
الادب والفن


أخطر ما يكدر صفو حياة أي شعب من الشـعوب والأمم ويهدد مستقبـله, هو نعرة الكراهية تجاه طائفة أو قوم أو ملة، وتبدأ أول ما تبدأ من حيث الانتقـاص من الآخر وتقزيمه وتشويهه والسخرية منه والاستهزاء به, ولا تنتهي عند حدٍ أو زمن معينين, خصوصاً حين تتكرس هذه الكراهية وتتكدس في الضمير الجمعي والوجدان العام, حتى تصبح لازمة من لوازم خطاب أمة ما وأدبياتها وسلوكياتها، لتتحول بـالتالي الى هوس مرضي يشل طاقاتها ويعرقل مسيرتها لتعيش في حالة استنفار دائم بغية درء خطر الآخر الكريه.

فالكراهية شئنا أم أبـينا هي الأرضية الخصبـة للإرهاب, والحاضنة الحقيقية له، وهي داء بلا دواء، تجعل من الصديق عدوا ومن الإيمان كفرا ومن الجمال بشاعة ومن الشهد سما، ذلك لأن الكاره المعتد بنفسـه وتاريخه وماضيه لا يطيق إلا ما يتوافق ويتطابـق مـع معتقـداته ومرجعياته وتشخيصاته, وكل ما عداها باطل وقبض ريح.

وشيئا فشـيئا تغدو الكراهية نسقـا في التفكير وجزأ لا يتجزأ من ثقـافة المرء الكاره والتي يتعايش عليها ذهنيا، فكل ما يندرج في مكونات الانسان الفكرية من قـيم ومبادئ ومعارف وآداب ومفاهيم وشعائر وسلوكيات, هو الذي يشكل في نهاية المطاف الثقافة بمفهومه العام.

وثقافة الكراهية مفهوم يدل على نبذ الآخر واقصائه وتهميشه وعدم الاقتراب منه أو الحوار معه أو الأخذ عنه، فهذا الآخر حسب سستم الكراهية الذي أخذ مساحـة واسـعة من تفكيرنا وتصوراتنا هو عدو متربص بنا، يريد النيل من مقدساتنا ونهب ثرواتنا وزعزعة قيمنا وثوابتنا, ويبغي سحقنا وهزيمتنا، فما علينا بالمقابل سوى أن نعد له السيف البـتار وربـاط الخيل والصواريخ والراجمات والكيمياوي والنووي, وجحـافل الجيش نرهب به عدونا وعدو الله.

وعدو الله هذا له لغة أخرى أعجمية، وسحنة هجينة غير سحنتنا النورانية, ودين مشبوه تخلى عنه الله، وحضارة عقيمة أقل شـانا من حضارتنا العريقة المترامية الأطراف، وله عادات وتقاليد وطقوس عجيبة غريبة مريبة، هذا ما لقنونا إياه في البيت والمدرسـة والمسـجد والشـارع والثكنة، جيلا بعد جيل حتى تبلّدت ذاكرتنا وتصدأت أفكارنا, ورحـنـا نجتر الأقـوال والأشـعـار والحكم عن أمجاد الأسلاف وبـطولاتهم في سـفوح المعارك, والتي تمخضت عن الملحـمة التراجيدية "أم المعارك" الخالدة التي خلدت المقابـر الجماعية وعمليات الإنفال وتجفيف الأهوار, وتشـريد خيرة أبـنـاء الشعب العراقي الى المنافي، وقمع وتجويع البقية الباقية.

وأسدل الستار على المشهد الميلودرامي بكوميديا "الحواسم" التي خيبت آمال وأوهام دعاة ثقافة الكراهية, من أصوليين وسـلفيين وقـومانيين الذين علقـوا أخطاءهم وهزائمهم على مشاجب الآخر الغربي الأوروبي المسيحي الفرنجي الجرماني اليوناني البوذي الهندوسي اليهودي الشيوعي الماوي المجوسي الماسـوني, وكلهم أعداء كفرة أنجاس, لا يتوانون عن أكل لحم الخنزير واحتسـاء الخمر وصعود القمر، لذا توجب الامتناع عن تناول الدولمة والهمبركر والبـيتزا, كونها أكلات أجنبية مسـتوردة من بـلاد الكفر والكفار, والاكتفاء بالتشـريب والثريد والباجة والملوخية و الفلافل, كونها أكلات قومية مبـاركة.
...
جريدة الصباح 15 / 2 / 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح