الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركية .. ومواسم التحليل

نصير عواد

2003 / 5 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 


        معلوماتي  عن المواسم  لم تكن  تتعدى عتبة الزراعة  والحصاد  والحج  وهجرات الطيور  والحيوانات  وموسم الهجرة  الى الشمال , لحين استفحال الخلاف بين الولايات المتحدة وبين العراق  وبروز الكثير  من الوجوه المتوردة  والأسماء المختارة بعناية  من كتب التراث  على شاشات التلفزة- خبراء عسكريون , محللون استراتيجيون ,سياسيون ووزراء متقاعدون - لم نسمع بهم  من قبل , جلبتهم رياح  الأخ  الأكبر , يحملون النصائح والأرشادات بدل الدواء  والمساعدات  . فعندما ذهب مساكين العراق  الى ساحات الحرب ضد الجارة المسلمة إيران تاركين خلفهم عوائلهم  ومزارعهم  ومصانعهم , ارسلت مصر العربية ملايين العمال  والفلاحين لتسيير عجلة الآقتصاد العراقي  والزواج  من الآرامل العراقيات . وعندما تم تحرير الكويت بمساعدة الولايات المتحدة , ابعد الكثير  من العمال الفلسطينيين  والاردنيين بسبب مواقفهم المنحازة للعراق يومها , ليحلوا محلهم  ألاف العمال  والفنيين  والآساتذة الجامعيين المصريين , هذا اضافة  الى الكثير  من الآرساليات المتنوعة  الى دول الخليج الاخرى وليبيا .. حسب الظروف  ونوعية المشاكل . وأخر تجليات اقتصاد البخشيش ارسال العشرات  من الخبراء  والمحللين لتغطية الحرب  على العراق  - حتى قبل  وقوعها -  وتوزيعهم  على خنادق القنوات الفضائية , ليثقلوا علينا ساعات طوال بلباقة يوصفون بها  ومتفقين  او مختلفين  على خبر مفبرك القاه لهم الصحاف النكته . وكلما ازداد عدد المحللين  وثقلهم كلما قل  و تراجع الاستماع اليهم ليتحول التركيز بدلا  عن ذلك الى ديكور الاستوديو وطبيعة المشاركين  وحركاتهم لنجد بينهم  من يتحدث  وأطرافه  في حركة دائمة  او حدقتى عيناه  لا تهدأن  وأخر  لايستطيع الأستقرار  على الكرسي الذي تحته , وأخرلا يكف  عن التعرق ورابع  لا يستطيع التحكم بسبابته كأنها فقدت قانون الجاذبية , وأمور تغيب  واخرى يفضحها قلق المتحدث  الى درجة يصعب معها التوصل  الى تكامل الأفكار عبر ربط  واعادة تشكيل هذا الكم الهائل  من الحركات  والايماءات القلقة  والشارده  في كل الأتجاهات .
      المشاهدون عامة يعرفون الممثل  وقدرته  في استخدام صوته  وجسده  وروحه  في  وقت  واحد لأدراك اسرار البلاغة الجسدية  ويعرفون قدرته  في تنظيم التنفس  والأسترخاء وحركة كل عضلة  من العضلات ,ولكن الذي  لا يعرفه المشاهدون هو قدرة هؤلاء المحللين والاستراتيجيين  على استخدام هذه الفنون خدمة لأغراضهم السياسية  والعسكرية , وأحياناً يتقيدون بالحركة اكثر  من الممثل بسبب جلوسهم الحديث العهد أمام الكاميرات التلفيزونية  او بسبب انفعالاتهم  وطبيعة موسم الحروب الذي يتطلب  فن التحدث  والحركية أكثر  من تطلبه الشرح  والتحليل  وايراد الحجج . وبسبب قلة المعلومات المتوفرة لدى هؤلاء المحللين  والعسكريين  عن حقائق سير المعارك  ولجوئهم  الى مخارج  وأفتراضات  وتخمينات دفعتهم  الى حالة متكررة  ومتراكمة  الأحراجات عبرت  عن نفسها بمسح النظارة تارة  واخرى فرك المسبحة  وثالثة اعادة تأثيث الاناقة او الخروج  عن الاختصاص والتحول  الى عمل المراسلين .
      لا ينبغي اغفال حقيقة  ان بعض الحركات   والاشارات تشكل صورة بصرية توحي بعلاقة  ما , او  تشكل جزء تكميلياً للكلام بالمعنى الثقافي المناسب للكلمة  ولكن ليس  على الدوام يصاحبها التوفيق بسبب تنوع المتكلمين  من جهة , واخرى تنوع المشاهدين  والمستمعين . فقد توحي الحركية بالأفتعال  والنشاز  الى درجة تتصدع معها دلالة الفكرة , فمثلاً حين يتحدث المحلل الأستراتيجي -  دون ذكر أسماء -   عن اشتباك المتحاربين  وعدد القتلى  والجرحى  , وفي حركة يديه الرشيقة غنج الصبايا  وفي ملامحه بلادة  وراثية , ذلك يسبب الحرج للمشاهد المتسمر أمام شاشات التلفزة  ومتابعة مصائب بلده  وشوارع طفولته , ولا تستطيع اذنه  وعينه  ان تهضما دلالتين مختلفتين  في موضوع  واحد .
      واذا كان المقاتل اللبناني قد لعن  وشتم الدبابة الروسية  وصانعيها لعدم  وجود مراَة فيها لتمشيط الشعر , فأن المقاتل العراقي بسبب إرثه الواقف  على قدمين  من الحزن  والدم  لا يجتمعان عنده القتال  والدلع .
      ان الذي أثارني  من كل هذه الحوارات  وعلى مدى ايام الحرب هو غياب صاحب الشأن - الشعب الغراقي -  وتركزت على العراق الشقيق  والدولة ذات السيادة .. الخ , واذا صادف ان وقعت معاناة الشعب العراقي في الحوار يجري الأختصار  والعبور الى المفيد مع اشارة قاطعة باليد  او حركة مدروسة بالوجه , مع  ان العامة من الناس يقتنعون بالمعنى الذي يعتمد اللغة  في التوصيل  واذا  ارتبكت قوة الأقناع اللغوي فسوف تضعف الروابط بين الموضوع  وبين الحركة لتسقط الاخيرة  في مجال الأفتعال   والبهلوانية  ولا يبقى سوى صوت  من ينادي  على بضاعة  في السوق  . يحدث احياناً ان تعمد القناة الفضائية الى جمع أكثر من محلل  واستراتيجي من عدة دول  واتجاهات  في برنامج  واحد لتبدء مسرحية المزايده  والتحرير في مشهد يذكرنا بمسرح العرائس , وعلى الرغم  من كثافة الحركات  والإيماءات  في هذا المشهد الأحتفالي
   تبقى حركة اليد  والذراع كلها  والمعصم  والأصابع هي الأوضح  من بين كل الوسائل الحركية الأخرى , والأكثر استخداماً  وتأثيراً  الى حد الإيهام بأن الأصابع تذكر بالأفكار وتولدها احياناً او تتحول  الى ملقط لألنقاط الأفكار والمفردات لغرض استمرار الأجواء النفسية  على  ما هي عليه , يصاحب ذلك جمل محفوظة قصيرة  ومتشابهة  لا تساعد  على التفكير .      
      الهيكل العظمي  والجهاز العصبي ثابتان عند عموم بني البشر - وهذا ليس اكتشافاً - والحركة غريزية عندهم كذلك , وهذه البديهيات  لا تمتلك العوامل  التي تمكنها  من اعطاء صفة الشمولية  والعالمية لأنواع الحركات , فقد تكون حركة رشيقة  في بلد معين  وثقافة معينة لها دلالة اخرى  في بلد اخر , فمثلاً عملية الرفض  والقبول بهزة  من الرأس عندنا نحن العرب  هي  على العكس منها عند البلغار , وعملية الاعراب  عن لذيذ الطعام  وطيبه نقبل اليد وجه  وقفا  ونحمد الرب  ولكن في هولنده  يضعون اليد قريب  من الاذن  والخد  ويهزونها بهدوء . وهذا الأختلاف هو حامل المعنى الدلالي بين الشعوب .
      ان حدث  وشارك خبير اجنبي - مثل يتيم - في حفلة  من حفلات التحليل الاستراتيجي للحرب العراقية الأميركية فأننا نشاهد برودة الدم  والتواضع  والتلقائية والمعرفة بالموضوع , وهي صفات تساعد في اضعاف الحركية  ويبدو  ان غيابها عند محللينا الاستراتيجين دفع بأتجاه الانفعال  والافتعال  وغياب الفكرة , ومن ابتلاه الله بالاخيرة سيكون بحاجة  الى عشرات الحركات لتوضيح فكرة صغيرة .

 

                                                                                               نصير عواد                                                      








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 1000 وفاة في الحج .. والسعودية تؤكد أنها لم تقصر • ف


.. الحوثي يكشف عن سلاح جديد.. والقوة الأوروبية في البحر الأحمر




.. النووي الروسي.. سلاح بوتين ضد الغرب | #التاسعة


.. مخاوف من انزلاق المنطقة إلى صراع إقليمي يمتد بين البحرين الأ




.. نشرة إيجاز - استقالة أعلى مسؤول أمريكي مكلف بملف غزة