الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (295) علم نفس الجواسيس (2)

بشير الوندي

2021 / 12 / 2
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (295)
علم نفس الجواسيس (2)
-------------
مدخل
-------------
خصصنا المبحث السابق لاهتمام علماء النفس بالجواسيس الابطال الذين يؤدون خدمات جليلة لبلدانهم تبقى مجهولة للمواطنين لكنها مدعاة للفخر , وفي القسم الثاني سنتناول علم نفس الجواسيس واهتمامه بدراسة احوال الجواسيس السلبيين الخونة الذين يتكللون بعار خيانة وطنهم , واستعانة دوائر الاستخبارات بعلماء النفس للبحث عن مؤشرات تمكنهم من كشف الجواسيس اما قبل التورط او اثناءه , وهو مدار مبحثنا هذا .
-------------------------------------
علم النفس والتجسس السلبي (الخيانة)
--------------------------------------
عانت أجهزة الاستخبارات من مشكلة الجواسيس الداخليين الخونة منذ زمن سحيق ، وبذلت وكالات الاستخبارات جهودًا كبيرة للفرز بشكل استباقي للخونة المحتملين , ومع ذلك عانت جميع أجهزة الاستخبارات في العالم من الاختراقات ، رغم استخدام ممارسات أمنية صارمة ، مثل تحقيقات الخلفية المتكررة للموظفين المطلعين ، ومع ذلك ، أظهر الجواسيس ذوو الحافز القوي القدرة على تخطي التدابير الوقائية مما شكل تحدياً لعلماء النفس الاستخباريين الذين يرون ان عقل الجاسوس الداخلي يبدو كالازقة المظلمة.
ان علم النفس في باب التجسس السلبي , الذي يتحول فيه الشخص الى جاسوس ضد بلاده , يختلف عن اولويات البحوث النفسية للتجسس البطولي , فالهاجس الاستخباري هنا يفرض نفسه في اهمية ان يلعب علم النفس دوراً جوهرياً لتمكين الاجهزة الاستخبارية للامساك بالجاسوس من خلال مؤشراته النفسية , وكذلك في الكشف المبكر لانحرافه النفسي قبل ان يتحول الى جاسوس داخلي على المؤسسة الاستخبارية , ومن هنا كان تركيز علماء النفس على مؤشرات الانحراف الاولية وعلى التقييم النفسي للجواسيس الذين تم الامساك بهم من اجل تحليل دوافعهم النفسية والصفات المشتركة بينهم ليتم تجنب استفحالها في دواخل موظفي المؤسسة الاستخبارية , وتتلخص تلك المؤشرات بمجموعة من النقاط ابرزها :
1- وجوب الحذر من المطلعين على الاسرار وليس من الاذكياء : عرف المتخصصون في مجال الأمن منذ سنوات عديدة أن التهديد الرئيسي للتجسس على المعلومات السرية لا يأتي من "الأجانب" الأذكياء والمخادعين وانما يأتي من "المطلعين" الذين حصلوا على تصريح أمني يخولهم الوصول إلى أسرار الحكومة بعد تحقيق شامل ، لكنهم بعد ذلك يفسدون ويخونون بلدهم , فقد اشارت احدى الدراسات ان من بين 98 أمريكيًا تم اعتقالهم بتهمة التجسس خلال العشرين عامًا الماضية ، كان جميعهم تقريبًا جديرون بالثقة ومخلصون في حين تم التحقيق معهم واعتمادهم لأول مرة للحصول على تصريح أمني , لكنهم تغيروا بمرور الوقت .
2- التطوع للخيانة : الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الغالبية العظمى ممن أصبحوا جواسيس قد تطوعوا بخدماتهم لحكومة أجنبية وهم من بدأوا بالخطوة الاولى ولم يتم إغراؤهم أو إقناعهم أو التلاعب بهم أو إجبارهم.
3- المال عامل جانبي : ان الركون الى أن الناس يتجسسون من أجل المال فهو أمر مفرط في التبسيط ولا يساعد في تحديد هؤلاء الأشخاص , فمعظمنا إما يحتاج أو يريد المزيد من المال , فالمال لدى الجاسوس ليس فقط لما يمكن أن يشتريه به ، ولكن لما يرمز إليه كالنجاح والقوة والتأثير , وهو بمثابة المرهم لعلاج الذات المريضة في محاولة يائسة لتلبية الاحتياجات العاطفية المعقدة , لذا تم إنفاق الأموال المستلمة للتجسس ولم يتم حفظها غالباً ولم يحصل معظم الجواسيس على أجر كافٍ كي لايشكل الثراء غير المبرر خطوة لكشفهم وهو ماحصل في حالات كثيرة.
4- لاشيء مفاجيء : نادرًا ما يكون بيع الأسرار نتيجة اندفاع مفاجئ غير منضبط , فعادة ما يكون هذا هو الخطوة الاخيرة لأزمة نفسية طويلة الأمد , وفي كثير من الحالات ، كانت أعراض هذه الأزمة يمكن , بل ويجب , ملاحظتها وتحديدها وحتى علاجها قبل حدوث الضرر.
5- الجواسيس ليسوا "مجانين" ، لكنهم عادة ما يكونون مضطربين عاطفياً أو يعانون من واحد أو أكثر من اضطرابات الشخصية , ويمكن التعرف على اضطراب الشخصية على أنه نمط من السلوك الذي لا يتكيف بشكل جيد مع الظروف التي يحدث فيها ، مما يؤدي إلى صراعات في العلاقات وصعوبات في العمل وتحولات عاطفية دورية , وحينها يمكن أن يصبح السلوك مدمرًا للذات.
6- الدوافع المتعددة : لم يكن هناك دافع واحد للتجسس , والدافع الحقيقي دائمًا أعمق مما يظهر على السطح من عوامل المال والأيديولوجيا والانتقام .
7- لوم الآخرين : الشيء الوحيد الذي يشترك فيه معظم الجواسيس هو عدم القدرة على تحمل المسؤولية عن أفعالهم. إنهم دائمًا يلومون الآخرين على مشاكلهم ، ويقللون أو يتجاهلون أخطائهم , ولا يشعر الجواسيس بالذنب حيال خيانتهم أثناء قيامهم بالتجسس ، وأحيانًا حتى بعد القبض عليهم ، لأنهم شاركوا في تبريرات خادعة للذات.
8- اخبار الآخرين :المثير للدهشة أن الجواسيس الخونة يميلون إلى إخبار الأصدقاء الموثوق بهم بما كانوا يفعلونه , ودافعهم في بعض الأحيان هو حاجتهم للدعم العاطفي وغالبًا ما كان الدافع محاولة لإقناع صديق أو محاولة إشراكه في نشاط التجسس.
------------------------
عقدتان جوهريتان
------------------------
من بين اضطرابات الشخصية الموجودة في الجواسيس ، وأكثرها شيوعًا هما اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع وعقدة النرجسية , وسنتناول كل منهما بشيء من التفصيل :
1- اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع : يميل الشخص المصاب باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع إلى رفض القواعد والمعايير الطبيعية للمجتمع , وتسيطر عليه سمة عدم وجود أي شعور بالذنب أو الندم عندما يفعلون شيئًا خاطئًا , فالقيم التي تمنع السلوك غير القانوني في معظم هذا النوع من البشر غير موجودة , وعادة ما تكون الشخصيات المعادية للمجتمع متلاعبة وتخدم الذات وتسعى للإشباع الفوري لرغباتها , وموجهون نحو ما يمكنهم الحصول عليه في اللحظة المعاشة ، مع القليل من الاهتمام بالمستقبل ولا يهتمون بالتعلم من الماضي , كما ان قدرتهم على تكوين العلاقات محدودة ، ولايتعمقون في الالتزام تجاه أي شخص أو أي شيء , وهذا يشير إلى أن قدرتهم على تغيير ولاءآتهم واردة بشكل خطير دون وازع.
2- النرجسية : ان السمات المميزة للشخصية النرجسية هي الشعور المبالغ به بأهمية الذات (الشعور بالعظمة) والاستحقاق وعدم التعاطف مع الآخرين , كما ان العديد من الأشخاص الناجحين الذين يفرطون في مدح انجازاتهم لديهم ميول نرجسية والمعروفة باسم الأنا الكبيرة. والحاجة إلى الارتقاء إلى مستوى صورتهم الذاتية العالية.
وتتصاعد النرجسية لمراحلها الخطيرة عندما تكون نظرة الاشخاص إلى قدراتهم أو أهميتهم بعيدة كل البعد عن الواقع إلى حد أنهم محكوم عليهم بالإحباط وليس النجاح , وقد يكون هؤلاء الأشخاص غير قادرين على قبول النقد أو الفشل ، لأن ذلك يهدد صورتهم الذاتية المتضخمة , لاسيما حين ينتقدهم أحد رؤسائهم أو إذا شعروا بالتقليل من قيمتهم في مقر وظيفتهم ، وقد يتفاعل النرجسيون مع الغضب أو نوبة الغضب بشكل مبالغ به , وقد تتحول علاقة النرجسي بالآخرين بسرعة من الحب والإعجاب إلى الكراهية أو العكس ، اعتمادًا على ما إذا كانت العلاقة تدعم أو تقوض الحاجة العاطفية الملحة للنرجسي لإثبات صحة الصورة الذاتية العظيمة التي رسمها لنفسه.
يحتاج النرجسيون الذين يشعرون بتقليل رؤسائهم او مؤسستهم لهم إلى الدفاع عن أنفسهم ضد مشاعر النقص , وقد تكون ردود افعالهم بطرق متمردة أو عدوانية سلبية أو انتقامية , وقد يبحثون أيضًا عن مصدر آخر للتأكيد على قدراتهم أو أهميتهم المتصورة حتى لو كان ذلك بتدمير مؤسستهم , ففي بعض الحالات لجأوا إلى جهاز استخبارات أجنبي لتلبية احتياجاتهم العاطفية والنفسية ، واكتسبوا الرضا الداخلي من خلال العمل كجواسيس لكونه يمنحهم شعوراً زائفاً بالتفوق على المؤسسة التي لاتقدرهم وانتقاماً منها وعقاباً لها لانها قللت من قيمتهم.
وقد تنخرط كل من الشخصية المعادية للمجتمع والشخصية النرجسية في سلوك متعمد ينتهك القواعد واللوائح الأمنية الروتينية ، فالشخصية المعادية للمجتمع ترفض القواعد , اما النرجسي فبالرغم من قبوله بالقواعد الصارمة في مؤسسته من حيث المبدأ , لكنه يعتقد أنه مميز جدًا لدرجة أن تلك القواعد يجب ان لا تنطبق عليه وأنها تنطبق على الآخرين فقط.
----------------------------------------
مراحل الحياة العشر للجاسوس الداخلي
----------------------------------------
في دراسة تطبيفية على عدد من الجواسيس قام بها علماء نفس امريكان وجدوا ان هنالك مراحل عشر يمر بها الجاسوس الداخلي وان بعض تلك المراحل يمر بها الكثير من الناس الى انها تبدأ بالتضييق على فئة منهم فيتحولون الى جواسيس خونة , والمراحل هي :
المرحلة الأولى: مرحلة النضوج , وهي ليست سهلة بالنسبة لمعظمنا حيث نواجه جميعًا تجارب أقل من مثالية مثل الأب القاسي أو الغائب ، أو الأم المزاجية ، والأخوة اللئام ، والمشاكل الأكاديمية ، والمشاكل الصحية ، وعلاقات الحب التي تنتهي بشكل مؤلم , وفي حين أن هذه التجارب السلبية قد تترك اثرها فينا ، فإنها لا تضرنا بالضرورة إلى الأبد فقد تكون دافعًا ثابتًا للتغلب على الشدائد ، أو الطموح لإصلاح عدم المساواة في الحياة , في حين أن التجارب ذاتها يمكن أن تكون مؤذية ومثيرة للحساسية للبعض وتؤدي الى امراض نفسية مستقبلية .
المرحلة الثانية: مرحلة الإجهاد , يجلب دخول سنوات البلوغ تحديات أكثر تعقيدًا وتطلبًا فنميل إلى مقارنة أنفسنا بالآخرين بينما يحبطنا الواقع فندرك أن المواهب الطبيعية وحدها لا تؤدي إلى نجاح أكيد , وان من جد وجد تكاد تكون كذبة كبيرة , فبفسر بعضنا كيفية سير الأمور على القوى الخارجية والحظ الأعمى , ويعيش هنا قلة تعيسة لا يسير شيء عندهم على ما يرام فيصابون بالاحباط لاسيما مع وجود النكسات العاطفية والعوز التي ستشكل لدى بعض المحبطين الاساس في التحول إلى قرار التجسس والخيانة.
المرحلة الثالثة: مرحلة الأزمة والفقاعة الشخصية
عندما يصبح الأمر شديداً يصل بعض الناس إلى وضع الانهيار وعقلية الذعر واليأس والقلق المسبب للشلل وضعف الحكم ، حينها يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى استراتيجيات دفاعية متطرفة مختلفة ويدخلون بالفقاعة الشخصية ، حيث سينظرون إلى العالم من منظور داخلي , فداخل الفقاعة كل شيء منطقي تمامًا وبسيط وجذاب ومليء باحلام اليقضة والدخول في حالة جنون بشأن شراء سيارة حديثة واناس يسترحمونه كي يعفي عنهم وعاشقة مغرمة به .
وامام استعصاء الواقع يبرز احد طريقين , فاما ان تظهر لدى البعض منهم أفكار جديدة وخطيرة قد تؤدي للادمان أو حتى الانتحار وهذا يشمل الذين يوجهون طاقاتهم في اتجاه مظلم داخليًا , او ان يبحث الشخص اليائس عن حل خارق كفيل بإصلاح كل شيء بضربة واحدة فيختارون توجيه طاقاتهم إلى الخارج واتخاذ إجراءات ضد الآخرين بسبب شعور لا يطاق بالفشل الشخصي ، حيث ينكرون إحساسهم بالفشل الداخلي ويفضلون إلقاء اللوم وإبراز كل إحساسهم الداخلي بالسوء على الآخرين.
هنا , يوجه البعض كل تقديرهم السلبي للذات وخيبة الامل وكره الذات على أهداف محلية سهلة الاستخدام , فربما سيضرب أو يسيء معاملة زوجته أو أطفاله , اما ان كان يعمل داخل مجتمع الاستخبارات فسيوجه الغضب إلى اتجاهات خطيرة قد تصل الى الخيانة , فهو غاضب ويريد القضاء على مخاوفه وتخفيف الضغوط وحل كل شيء في خطة واحدة , وبالتالي ، فإن الجاسوس الداخلي النموذجي هنا لا يتم تجنيده كثيرًا بمهارة ضابط استخبارات معاد بل يتم تجنيده بنفسه.
المرحلة الرابعة: مرحلة ما بعد التوظيف
هذه هي مرحلة شهر العسل للجاسوس الداخلي الجديد ، ويمكن أن تستمر من شهر إلى عدة أشهر , إنه يشعر بالراحة والنشوة , وتهدأ المخاوف المالية لديه ويظن ان الحظ ابتسم له وانه يشعر بقيمته العظيمة.
المرحلة الخامسة: مرحلة الندم
في هذه المرحلة تكون للجاسوس فرصة للتوقف والتفكير , سوف تتغير وجهة نظره ويصبح ما حدث له خلال أزمته الرهيبة الأخيرة أكثر وضوحًا ، ويمكن أن يحدث نوع من الندم , ينتهي علم نفس الفقاعة الشخصية فجأة عندما يثقب الواقع تلك الفقاعة , سوف تراوده اسئلة من نوع "ما الذي كنت أفكر فيه؟" وسيتساءل عما إذا كان حقًا فعل الشيء الصحيح بتحوله الى خائن.
وهكذا تبدأ شكوكه الأولى فيشعر بانه عالق ومحاصر ، تزدحم الأوهام بذهنه فيفكرة تارة بالتراجع وابلاغ من جنده انه سيتوقف , ثم يتراجع ويستبعد هذا الخيار لانها ستكون اشبه بمحاولة الخروج من اتفاق مع المافيا !!! وسيقتلونه حتماً.
يفكر بتسليم نفسه ويشؤح لمرؤوسيه غلطته وانه فعل شيئًا غبيًا جدًا ، وهل يمكنهم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ويسامحونه ؟ بعد التفكير في الأمر يدرك أن هذا الخيار هو الآخرمستحيل أيضًا وخطير للغاية حيث ستنتهي مسيرته المهنية بالتأكيد وقد يُضاف اليها السجن او الاعدام مما يشكل كارثة كاملة ليس فقط بالنسبة له ولكن أيضًا لعائلته البريئة.
هنا يعيش بين فكي كماشة لامهرب امامه الا بالهروب من التفكير والركون الى ان من الأفضل ترك الأشياء وشأنها والاستمرار في التجسس والأمل في الأفضل , فهو الآن يتعامل مع إخفاقين , فقد كان فشله الأول هو عدم قدرته على إدارة حياته في وقت الأزمة قبل أن يصبح خائنًا , والآن يعيش الاخفاق الثاني بشعوره بالعجز والحصار مما يؤدي إلى حرمانه من كرامته الأساسية وفخره ولذة انتقامه النفسي , فهو لم يعد يقود حياته.
المرحلة السادسة: مرحلة الانغماس في التجسس النشط
هنا يستسلم وينغمس ويسعى للاحتراف في إدارة "وظيفته الإضافية" ، فيحاول المضي قدمًا ويتذوق إلى حد ما حياته السرية اللذيذة ، وفي بعض الأحيان يشعر بالتفوق عليها ، ويجب عليه الآن إضافة المزيد من قسوة "جاسوسه الداخلي" وأن يتحمل يوميًا الحالة العقلية التي يخافها جميع البشر من عدم اليقين , فهو لا يعرف أبدًا ما إذا كان سيتم القبض عليه ومتى فلقد أدرك أنه بغضِّ النظر عن مدى إتقانه لمهاراته التقليدية ، فإن بقائه النهائي يعتمد على الحظ أكثر من الاعتماد على المهارة ، فتصبح الحياة انتظارًا عصبيًا لا نهاية له حتى يسقط , ويختار العديد من المجرمين دون وعي أن يتم القبض عليهم ، فقط للتغلب على الأمر.
المرحلة السابعة: مرحلة (مراحل) السكون والتكاسل
من وقت لآخر ، يتوقف الجاسوس الخائن عن التجسس ويكذب على مشغليه ويتوقف عن الإنتاج , ويعيش الحياة البغيضة والوحشية ويشعر بالإرهاق وتكثر خيالات الهروب من هذه المعضلة اليومية , ويتصور ان تكاسله امام مشغليه قد يجعلهم يتركونه ليرجع شريفاً ويستأنف حياته اليومية العادية ويتظاهر بأن هذا لم يحدث أبدًا , وهو مالايحدث حيث يتعرض للتأنيب والتهديد من مشغليه.
المرحلة الثامنة: مرحلة ما قبل الاعتقال
في هذه المرحلة يدخل الجاسوس مرحلة حرجة من الخطر , فالشكوك حوله تزداد وقد تصل معلومات عنه من "الجانب الآخر" , فيكون الجاسوس منهكًا بسبب عدم جدوى اللعبة , فقد توقف عن الاهتمام بالحفاظ على مهنته ، ويدرك نهايته السيئة التي تلوح في الأفق ، وعلى الرغم من أن الإمساك به أمر سيء له ، فإنه سيرحب بالراحة من حالة عدم اليقين اليومية الطاحنة.
المرحلة التاسعة: مرحلة الاعتقال وما يليه مباشرة
الآن وقع في الفخ وقبض عليه متلبسًا , ستخرج من فمه تصريحات متعجرفة وعاصفة وشبيهة بالشجاعة والوقاحة , ويواجه الجاسوس الداخلي الآن فشله الثالث ، فقد تعرض الجاسوس الآن لثلاث خسائر فادحة : أول فشل له كان عدم قدرته على المضي بنجاح في حياته قبل التجسس؛ كان فشله الثاني هو اكتشاف أن أفضل محاولته لحل أسوأ أزمة حياته كانت بمثابة وهم مثير للشفقة لأنه الآن مجرد دمية بيد مشغّله , فشله الثالث والعلني للغاية هو أنه لم يستطع حتى أن يكون جاسوسًا ناجحاً لايتم الامساك به.
المرحلة العاشرة: مرحلة الحضن في السجن
تمر السنوات ، على الأقل سنتان أو ثلاثة ، الجاسوس الداخلي الآن يرزح ويواجه نفسه للمرة الأولى , ستكون ملاحظاته ذاتية وأكثر واقعية وحزنًا وأكثر حكمة حول الطريقة التي سارت بها حياته بشكل خاطئ وعواقب خياراته السيئة , سيقدم الآن نصائح مجانية حول كيفية حماية البلاد من أمثاله ، هذه هي المرحلة الأخيرة ، والتي توفر أول فرصة حقيقية للحصول على فهم متوازن لقرار الحياة المحير لشخص قرر التحول من مواطن شريف إلى خائن.
--------------
خلاصة
--------------
لاشيء اخس من خيانة الوطن وافشاء الاسرار للاعداء , ومهما سعى الخائن الى تبرير افعاله بالحاجة المالية او بالتبريرات الايديولوجية , فإن عار الخيانة يلاحقه هو وعائلته لاسيما في مجتمعاتنا المحافظة , وبرغم ذلك لايزال خطر التجسس والخيانة يحيط بالعراقيين من خلال استشراء الفساد السياسي والمالي ووجود بؤر استخبارية تجسسية اجنبية بعناوين شتى براقة لابد من تفكيكها وتجفيف منابعها , الله الموفق.
للمزيد انظر :
علم النفس الحقيقي للجاسوس الداخلي , ديفيد إل تشارني - 2010
https://noir4usa.org/reso.true-psychology-of-insider-spy/
عزلة جاسوس الفترات الطويلة – ويندي جوتز – 2019
https://www.psychologytoday.com/.the-loneliness-the...
داخل عقل الجاسوس: العملاء الذين يكافحون في الظل - أورسولا وايلدر - 2012
https://www.thedailybeast.com/inside-the-mind-of-the-spy...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م