الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقلية .. ملامح مفاهيمية ومعرفية

جاسم محمد دايش
كاتب وباحث

(Jasem Mohammed Dayish)

2021 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يتسع العالم اليوم بتنوع كبير للأقليات القومية والدينية والمذهبية وهذا ما يجعل من النادر جداً ان تكون بلدان العالم متجانسة كلياً ومتوافقة اجتماعياً . إذ يعود وجود الأقليات في المجتمعات الى دول الحضارات الأولى , واستمر وجودها حتى اليوم , وهذا راجع للتنقل والتغيير المستمر لوجود هذه التجمعات البشرية من مكان الى اخر لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية , وتكوّن فوارق البنى الاجتماعية والبشرية في بيئات جغرافية متباينة, واختلاف في توزيع الثروات والموارد , وبهذا نشأت أقليات محكومة ومضطهدة من قبل أكثريات في ممالك التاريخ , كذلك ظهرت العديد من الاقليات ايضا نتيجة الغزو والاحتلال والهجرة والتهجير وتجارة البشر التي ظهرت عبر التاريخ .
إن وجود تلك الاقليات أصبح امراً طبيعياً لا يمكن إنكاره او تجاهله لكن تجاهله كتهميشه وعزله سياسياً وايدلوجياً بأسم الاغلبية السياسية أو العقائدية والدينية , فأن هذا سيثير العديد من المشاكل الاجتماعية والسياسية كالانكفاء والانعزال من قبل تلك الاقليات الاجتماعية وظهور توجهات انفصالية عن الواقع السياسي والاجتماعي وهذه تُعد إشكالية كبيرة يتوجب على الدول مواجهتها ومعالجتها لأنها ستثير حالة التساؤل عن الهوية ومدى تأثيرها وخصوصاً من ناحية الكم من بين الوسط الاجتماعي . لكن وفقاً لما تقدم تثار العديد من الاسئلة حول ماهي الاقلية ؟ وما هي علاقتها ودورها في بناء الدولة ؟
مفاهيمياً تحظى الأقلية بمسميات عديدة وذلك حسب أختلاف نوعها وهويتها وانتماءها، مثل جالية أو فئة أو طائفة أو ملة أو فرقة أو مجموعة وغيرها من تسميات تدل في الغالب على جذور الأقلية وأصولها, وهويتها الاجتماعية والبشرية. وتنضوي تحت مفهوم الأقليات أنماط وأنواع مختلفة منها: الأقلية العرقية والأقلية الدينية والأقلية اللغوية والأقلية المذهبية والأقلية القبلية , العشائرية والأقلية الإقليمية والأقلية الثقافية والأقلية السياسية والأقلية الاقتصادية , والاقلية الاجتماعية والأقلية القومية المتعددة الجذور, وما عداها مشتق منها ومتفرع عنها أو جامع لها بصيغة أو بأخرى , مثل القول بأقلية أثنية أو عنصرية وغير ذلك . ومع ذلك فإن الأقليات العرقية والأقليات الدينية , المذهبية أكثر أنماط الأقليات ظهوراً في العالم , وتكمن وراء أغلب الصراعات التي تنشب من حين إلى حين بين الأقلية والأكثرية في بلد ما .
إنَّ الاقليات ظاهرة ذات نطاق عالمي تمتد اثارها لتشمل مجموعة كبيرة من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء , وغالباً ما تتميز الاقليات بالتماسك الداخلي الاجتماعي , وهي تتكون من مجموعات بشرية متميزة عن الوسط الاجتماعي الواسع الذي تعيش في اطاره وتتفاعل معه وتشارك الغالبية في هوية الوطن والمصير, الا انها تختلف عن الغالبية في اصوله التاريخية او العرقية او الثقافية , وهناك اقليات وافدة الى دول اخرى , واقليات ما تسمى بالسكان الاصليين والذين اصبحوا اقليات مع السكان الوافدين الجدد , بحسبان إنَّ الانساق الاجتماعية في اي مجتمع من المجتمعات تتميز بوجود علاقات ديناميكية بين اجزائها وتتفاعل هذه الاجزاء فيما بينها وتؤثر الواحدة في الاخرى.
معرفياً ؛ جاءت العديد من التعريفات لمصطلح الاقلية وذلك تبعاً لأختلاف الجهة المهتمة التي ينطلق منها التعريف والسياق الذي يندرج فيه والوظيفة التي يراد له ان يقوم بها والمشكلات الناجمة من وجودها , إذ تعرف الاقلية بانها : " تلك المجموعة الموجودة في مجتمع معين المتجانسة فيما بينها في واحدا او اكثر من العناصر اللغوية او الثقافية او الدينية او القومية و المختلفة عن اكثرية افراد المجتمع والتي يتميز افرادها برغبة العيش المشترك مع بعضهم البعض " .
وقد عُرفت الاقلية من قبل اللجنة الفرعية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة بــ: ( هي تلك الجماعات التي لها اصل عرقي ثابت في وتقاليد دينيه ولغوية وصفات تختلف بصفة واضحة عن بقية الشعب الذي تعيش فيه ويجب ان يكون محدد هذه الاقلية كافيا للحفاظ على تقاليدها وخصائصها كما يجب ان تدين بالولاء للدولة التي تتمتع بجنسيتها) . كذلك عرف الاعلان العالمي لحقوق الانسان " الاقلية هي مجموعة من الاشخاص يشتركون في ديانة او يتكلمون بلغة أو ينتسبون لقومية او من رعايا دولة معينة اكتسبوا جنسية الدولة وهؤلاء يشكلون نسبة قليلة مقياسا لمجموع الشعب " . وقد عَرفت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الاقليات التابعة للأمم المتحدة ؛ الاقلية بأنها : " المجموعات غير الغالبة بين السكان لديهم تقاليد وخصائص عرفية او دينية او لغوية او خصائص تختلف كليا عن تلك لدى بقية السكان ويرغبون في المحافظة عليها " . وعرفت الاقلية أيضاً من قبل إحدى الوثائق الدولية, بأنها:" جماعة تقل عددا عن بقية السكان ويكون اعضائها من مواطنيها ولهم خصائص أثنية او دينية او لغوية مختلفة عن تلك الخاصة ببقية السكان كما ان لديهم رغبة في المحافظة على تقاليدهم الثقافية والدينية .
فالأقلية بصورة عامة هي مجموعة من الناس الذين يتميزون عن الاخرين في المجتمع تربطهم خصائص معينة , كالقومية او الدينية او اللغوية او الاثنية تختلف خصائص غالبية سكان الدولة او المنطقة وقد ترتبط الاغلبية بمشتركات الا ان لها خصوصيتها الذاتية وذلك وفقاً لثقافتهم وسلوكهم الذي يعيشون فيه ويمنحون معاملة مختلفة او غير متساوية وقد يعاملون وفق ذلك بتفرقتهم عن بقية افراد المجتمع .
إذ تحظى مشكلة جماعات الأقليات بإهتمام كبير من قبل المنظمات الانسانية والدولية , والتي تسعى بمهمة تحسين ظروف حياتها , ويندرج تحت هذه المثابرة العلمية الجهد الهادف الى تقليل حدة النزاع بينها وبين الاكثرية . فقد جاءت العديد من الاتفاقات الدولية حول حقوق الانسان ومنها ما يخص الاقليات كـ(إعلان الاستقلال الامريكي 1776 – وإعلان حقوق الانسان في فرنسا 1789) وبعدها أتت معاهدة فينا لعام 1815 التي حرمت تجارة الرقيق , عندها جاءت معاهدة برلين 1878 لتتكلم عن حقوق الاقليات بشكل عام , ومن أهم المعاهدات التي أتت بعد ذلك فيما يخص حقوق الاقليات هي معاهدة " سيفر " 1920 التي تقول (الالتزام بحماية حقوق الاقليات مع منحهم حق تقديم الشكاوى الى محكمة العدل الدولية ) , أما ميثاق الامم المتحدة لعام 1945 الذي عبر عن ولادة عالم جديد مبني على الاحترام المتبادل لإرادة الشعوب ورغبتها في السلام والاستقرار , ومن ثم الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 إذ جاءت المادتين(1 و2) تؤكد ذلك : (يولد جميع الناس احراراً متساوون في الكرامة والحقوق ) (ولكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات من دون تمييز بسبب العنصر او اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي ) , وهكذا توالت الاعلانات والاتفاقيات مستندةٍ الى هذا الاعلان الذي يُعّد الينبوع الاساسي لكافة المعاهدات التي تلته , إضافة الى العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والثقافية اللذين صدرا في عام 1966 أساس الشرعة الدولية لحقوق الانسان.
وبالرغم من التحولات السياسية والاجتماعية الذي شهده العالم اجمع ومنها دول الشرق الاوسط , برز معه ظهور مشكلة الاقلية وتعرضها للتهميش نتيجة بروز الاحتراب الداخلي والتناحر الطائفي وخصوصاً من الناحية الفكرية , إذ إن من الملاحظ أنتقال هذا الامر بصورة مباشرة الى السلطات المهيمنة على الحكم وما تتجه إليه من العمل بالضد من الاثنيات والاقليات والقوميات الحاضرة في الساحة وتطبيق خصوصياتها عليها ومنها الثقافية والدينية والقومية والشعبية ورفضها للمساحات التي تحوي هذه المجموعات سواءً السياسية او الاقتصادية أو الاجتماعية أو الامنية وغير ذلك ومن المعلوم عملية هذا الرفض الفكري السياسي الطائفي للأقليات والاثنيات تجعل من البناء السياسي للدولة وما يترتب عنها تعمق في مشاكل عديدة ومن اهم هذه المشاكل هي السياسية والامنية والاجتماعية مما سيعرقل الحراك السياسي برمته ويمنع من أي دور سياسي واجتماعي في بناء مجتمع متكامل ومتطور .
إن الذي يدفع الاقليات الى أن تكون مهددة لبناء الدولة و لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي فيها ؛ هو أزمة المشاركة السياسية أي ضعف الاقبال في المشاركة في الحكم , نتيجة عدم دمج هذه الاقليات والجماعات في المجتمع السياسي . كذلك الحرمان النسبي الاقتصادي اي التدهور الاقتصادي والحرمان الذي تعرضت له هذه الاقليات مما سينشأ عنه الحرمان النسبي في المشاركة السياسية برمتها .
وتكمن اهم المعالجات في فسح المجال في التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لجميع الاقليات والاثنيات في خلال التأكيد عليها دستورياً وقانونياً لتتمكن من تصحيح مساراتها البنائية السليمة , لتتمكن بذلك من المشاركة في البناء السليم للدولة .
ويشكل العراق نموذجاً فريداً قد يكون صالحاً للتطبيق على اي دولة تتوافر فيها البيئة والظروف والعوامل التي توافرت في حالة العراق لكي تصبح جماعاتها الاثنية والاقلية عامل خطر يهدد الدولة والمجتمع التي تتواجد فيه إذا ما عزلت تلك الاقليات عن المشاركة السياسية والاجتماعية في بناء الدولة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن