الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محافظة يهودية في روسيا

منير المجيد
(Monir Almajid)

2021 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لن يدور الحديث اليوم عن مملكة إسرائيل التي ورد ذكرها في التوراة بكل تفاصيله، بل بمحافظة يهودية تتمتّع بالحكم الذاتي، في روسيا الإتحادية.
بحثي المتواضع في المجرى التاريخي المُتعلّق بهذه المُحافظة، بكل أسف، مُحاط ببعض الغموض وإمكانية تسرّب معلومة، هنا وهناك، غير مُؤكّدة تماماً وارد.
كان هناك مملكتان، أسباط إسرائيل ومملكة إسرائيل الموحدة التي حكمها شاوول وداوود وسليمان إعتباراً من ١٠٥٠ ق.م. بالرغم من عدم وجود ثوابت أثرية عنها، فإنّ الدلائل تشير فقط إلى وجود مملكتين، السامرة أو بيت عمري في مرتفعات فلسطين الشمالية ومملكة يهوذا في المرتفعات الجنوبية. ولأن الأيديولوجيات السياسية عصفت بالمنطقة منذ الأزل فأننا لن نصل، كما يبدو، إلى تاريخ يتّسم بالموضوعية والحقيقة لتلك الحقبة من التاريخ.

في تتمّة للبحث انجرفتُ إلى فرضية أصل اليهود الأشكنياز الذين يعودون إلى المملكة الخزرية.
وكما هو معروف فإنّ اليهود ينقسمون إلى الأشكنياز والسڤارديم.
يبدو أن الأشكيناز يُشكّلون اليوم نحو ٩٠٪ من مُجمل اليهود في العالم.
وبغضّ النظر عن أن مملكة الخزر نشأت، حسب رأي العديد من المُورّخين، نتيجة نعرات قبلية، بتهوّد بعض القبائل الخزرية التركية (إعتباراً من القرن الرابع الميلادي وتوسّعهم على إمتداد الرقعة الجغرافية بين بحر قزوين والبحر الأسود) لإغاظة الأرمن المسيحيين والفرس الساسانيين ومن ثمّة تحالفهم مع البيزنطيين (أعداء الفرس الأزليين)، وإنتشار الإسلام فيما بعد، فإن أصل اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين، حسب المُورّخ اليهودي آرتور كوستيلر (١٩٠٥ - ١٩٨٣) يعود إلى بقايا الإمبراطورية الخزرية. وكشفت الأبحاث الجينية أن معظم اليهود الذين طالبوا بموطن قومي في فلسطين هم الأشكيناز، ذوي الأغلبية العرقية، ولا ينتمون إلى جينات سكان مملكة إسرائيل القديمة.
وبغضّ النظر عن أنّ الأشكيناز هم الذين إنتشروا إلى بقيّة أنحاء أوروبا كنتيجة حروبهم مع الروس والهجرة العكسية إلى الخزر، وتأثير الإمبراطورية الجرمانية على لغة الأشكيناز (Yiddish) التي هي خليط من العبرية والألمانية، فإن يهود السڤارديم (الذين لا أرى ضرورة في البحث عن أصولهم في هذه العُجالة) هم الذين كانوا في إسبانيا، إبّان الحكم الإسلامي، وانتشروا، حين طردهم الإسبان بعد إنهيار الأندلس، في شمال أفريقيا، وشرق المتوسط.
هنا أيضاً، أردّتُ معرفة أي عرق يهودي إستوطن مسقط رأسي القامشلي على هيئة سوق عزرا، حتّى قبل تأسيسها (١٩٢٦) رسمياً بسبع سنوات على الأقل. هل كانوا من الأشكنياز، شتات مملكة الخزر، أم المطرودين من الأندلس، والذين جاءت أعداد غفيرة منهم إلى شواطئ تركيا؟ إزمير على وجه الخصوص. المصادر المُتضاربة لم تودي بي إلى نتيجة مُثبتة تاريخياً.

دعوني أُركّز على «المُحافظة اليهودية ذات الحكم الذاتي» في روسيا الإتحادية (Jewish Autonomous Oblast). كلمة Область (اوبلاست) الروسية، بما في ذلك اللغات السلاڤية، تعني مُحافظة أو مُقاطعة.
عام ١٨٥٨ ضمّت روسيا الضفّة الشمالية لنهر أمور القوزاقي في جنوب شرق سيبيريا إلى الإمبراطورية، فهاجر نحو أربعين ألفاً من الجنود واستوطنوا المنطقة. وفي ١٨٩٩ شُرع ببناء خط حديد ترانس سيبيريا المشهور الذي وصل بين چيتا وڤلاديڤوستوك. وحتى ١٩١٧، قُبيل الثورة البلشفية، فإن معظم سكان المُقاطعة كانوا قد تحوّلوا إلى فلاحين ومُزارعين، والأنشطة الصناعية كانت محصورة في الثروة الغابية والبحث عن الذهب في نهر سوتارا، بالإضافة إلى ورشات صيانة الخطوط الحديدية.
عام ١٩٢٢ وأثناء الحرب الأهلية الروسية، اشتهرت منطقة اليهود القادمة بسبب معركة «ڤولوچايڤكا».
حينئذٍ أخذت سياسة الحزب البلشفي تتمحور في حماية الأقليات العرقية والدينية في دولة الإتحاد السوڤياتي المُترامية الأطراف. تجاوز مُعدّل البطالة بين يهود البلاد نسبة ثلاثين بالمائة بسبب نوعية المهن التي احترفوها. ولأن سياسة البلاد هدفت إلى إزالة الحرف والأعمال الصغيرة فقد سعت إلى إعادة الجالية اليهودية لتكون أكثر إنتاجية في المجتمع الإشتراكي. أنشأت لجنة «كوزميت» (لجنة الإستيطان الزراعي اليهودي) التي عملت على جمع اليهود في منطقة مُحدّدة، وأيضاً العمل لوضع حدّ على إنتشار الفكر الصهيوني المُنادي بتأسيس بلد قومي لليهود في فلسطين (خاصة في أوساط المُثقفين اليساريين في شخص بير بوروخوف)، والذي بات يُنافس نمط الحياة الإشتراكي. هنا ذهبت أنظار المؤدجلين إلى شبه جزيرة القرم (منطقة رايوني) وثلاث مناطق في اوكرانيا، والتي كانت موطناً لعدد كبير من اليهود. رغم ذلك قُوبلت الخطّة برفض كامل من قبل المواطنين الآخرين.
بعدها انتقلت الأنظار إلى الشرق البعيد، لعدّة أسباب. أهمها توطين الناس في المناطق الشرقية الشاسعة شبه الخالية من السكان، الذين كان معظمهم من القوزاق والمستوطنين الكوريين، لتعزيز المنطقة إقتصادياً وعسكرياً، والحدّ من إختراقات الصين للحدود، وأيضاً للحدّ من أطماع اليابان التوسعية.
في العام ١٩٢٨ أمر ستالين بإنشاء المحافظة اليهودية ذات الحكم الذاتي. المُلاحظ أنّه لم يطلق عليها إسم الجمهورية اليهودية، أسوة ببقية جمهوريات الإتحاد السوڤياتي.
عندها وصل ٦٥٤ يهودياً إلى المنظقة مدفوعين بإغراءات الملكية الخاصة للأراضي، مما أثار شهية أعداد كبيرة من الروس أيضاً (غير اليهود) بالهجرة إليها.
كان صيفاً قاسياً، في الأراضي المُغطاة بالغابات، والمناخ الماطر بغزارة خنق المحاصيل الزراعية وقضى على الماشية بسبب تفشي الجمرة الخبيثة.
ولم تقبل هيئة رئاسة اللجنة التفيذية العامة مرسوم تسمية المنطقة بالحكم الذاتي لليهود قبل عام ١٩٣٤ لتكون أوّل كيان يهودي في العصر الحديث، وقبل تأسيس الدولة العبرية في فلسطين بأربعة عشر عاماً.
حسب إحصاءات ٢٠١٠ فإنّ ١٦٢٨ من أصل ١٧٦,٥٥٨ كان يهودياً، لهم ثلاث دور عبادة في العاصمة «بيروبيزدان»، وتظهر أسماء الدوائر الرسمية والشوارع باليديشية والأوراق الرسمية إلى جانب الروسية، علاوة على إعتماد اللغتين الروسية واليديشية في المدارس. للكيان عدّة أعلام، أشهرها يُشبه إلى حدّ كبير علم المثليين الذي يلوحون به في مارشاتهم (پرايد) في مدن أوروبا وأمريكا.
في السنوات الأخيرة اجتذبت عدداً من اليهود من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك إسرائيل لتنتشر اللغة العبرية في منافسة قوية مع اليديشية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية