الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاسرولا

دينا سليم حنحن

2021 / 12 / 4
الادب والفن


أعشق اللحظة التي يفاجئني فيها عقرب الثواني، ألمحه ينتقل من ثانية إلى أخرى، أتفاءل، ربما يبشرني بخبر جميل، لكن التفاؤل وحده لا يكفي.
سألتني ابنة أخي سؤال مُحير: - هل كتب الأشرار لك كتاب شعوذات، وطلبوا ألا يوفقك الله في حياتكِ وأنتِ صغيرة؟
- ربما كتبوا وأنا كبيرة، لا أدري ولا أؤمن بهذا، ثم كيف فتاة متحضرة مثلكِ تؤمن بهذه الخرافات؟
- لأني أراك امرأة كاملة، بل أنتِ أم لا مثيلة لها من بين الأمهات رغم أنك عزباء، دلّلتني وكبرتني واهتممتِ بي وأنا طفلة، لماذا لم تتزوجي عمتي؟
التقطتُ صور جماعية للجميع في حفل رأس السنة، وأعددتُ أشهى الأطعمة التي يحبونها، لم يتذكرني أحد، التقطتُ لنفسي صورة (سيلفي)، رأتني والدتي، وبختني، أنبتني على عملتي، من وجهة نظرها، ما فعلته مشين.
أرى بنات اخوتي وأخواتي سعيدات، مكتملات الجمال، ومتفائلات، ضبطهن أكثر من مرة يتبادلون الرسائل الألكترونية مع الشباب، وعندما أتجرأ، وأضع أحمر شفاه على شفتيّ، يتنكر الجميع لي ويعتبرون ما فعلته عيبا، وعندما توقفت الدورة الشهرية، وانقطع الحيض قالت لي والدتي:
- الحمد لله، هيك وفرنا ثمن الفوط الصحية، ما أحلى أيام زمان، كنا نستخدم قطع القماش!
لكن، بعد فترة ما من اختفاء الدورة الشهرية، لمحتُ مسحات خفيفة من الدماء، تهللت أساريري وابتهلت، أسرعتُ إلى الحانوت واقتنيتُ فوط صحية، سرتُ في الشارع متباهية بالكيس الشفاف الذي أعلن عن نفسه، ابتسمتُ طوال الطريق، وأحسستُ بالسعادة، لقد عدتُ شابة، أنا جميلة، راقبني أحد الأشخاص من بعيد، تمنيتُ لو أتى وطلب يدي، لم يأت أحد، كلهم أشباه رجال. عدتُ بالكيس إلى البيت، انتزعته والدتي من يدي عنوة، وأمطرتني بكلامها القاسي، أجبتها:
- لم يعد هذا الأمر سريّـا، إنها سُنّة الحياة، والجميع يعلم أن الفتاة تحيض كل شهر!
لطمتني على خدي وقالت:
- لكنك لست فتاة، أنتِ واحدة عانس، إللي قدّك صاروا بدهم يزوجوا أولادهم.
لما لا يقيني حظي من الكلام اللاذع، ينهال مثل المطرقة على رأسي من أقرب الناس إلي؟ والدتي. ذرفتُ الدموع، واستسلمتُ للشرود، وانغمستُ في أفكار سوداوية، سجنتُ نفسي في غرفتي عدة أيام، لم أذق فيها طعم النوم ولا الأكل، لم يسأل أحد عني.
جاءت ابنة أختي، أخرجتني من حجرتي، عرّفتني على شاب سوف ترتبط به، احتضنتهُ غير مرة، وتعلقت بعنقه أمامنا، ابتسموا جميعهم فرحين، قالوا:
- اصطادت الفتاة صيدة، شاب صاحب عضلات ويعمل حارسا في مصنع.
تذكرتُ الرجال الذين تقدموا لخطبتي سابقا وتمّ رفضهم، كانت قد وجدت والدتي عيوبا بكل من تقدم، حتى لو أمكن التعايش معها.
تمردتُ قليلا، ذهبتُ إلى صندوق مقتنياتي وسحبت منه القليل من المال، خرجتُ وحدي إلى المجمع القريب دون علم والدتي، بحثتُ عن شيء أقتنيه لنفسي، لم يهمني إن اتهمتني بالتبذير، ولن أرضخ إلى توبيخاتها، اعجبتُ بـ (كسارولا) صغيرة بغطاء أعلاه حلقة مستديرة، تتسع لكوب حليب واحد، ثمنها خمسة دولارات، أعجبني اللون الأزرق، لكني اخترت الوردي حتى لا اُتهم بالجنون.
وضعت البائعة الكسارولا داخل كيس أنيق دلّ على اسم المحل، دليل البذخ، والرقي، والثراء، اقتنيتُ شيئا أعجبني من المكان ذاته الذي يدخله الأثرياء، تباهيتُ، وسرتُ به مترنحة وسعيدة، أحسستُ الشعور ذاته عندما اقتنيتُ فيما سبق الفوط الصحية، وعندما وصلتُ البيت، صاحت والدتي في وجهي، وصلت صرختها إلى حدّ السماء، قالت:
- يا ويلي عليكِ، كيف تدخلين هناك، هل صرفتِ مالكِ، ما الذي في الكيس الجميل؟
- إنها فوط صحية يا والدتي!
لا أدري لماذا كذبتُ، قفز عقرب الساعة من مكانه، إشارة ما، ربما سوف أعاقب على فعلتي المشينة، سحبتُ النقود دون موافقتها، وخرجتُ دون اذنها، اخترتُ شيئا دون تدخلها، وكذبتُ عليها، لكن، ربما يأتي الفـرج وأتخلص من سيطرتها، لست أدري، لننتظر إشارة عقرب الساعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم تسجيلي بعنوان -بوابة الحضارة-


.. إبداع المخرجة نانسي كمال وتكريم من وزير الثقافة لمدرسة ويصا




.. المهندس حسام صالح : المتحدة تنقل فعاليات مهرجان الموسيقى الع


.. الفنان لطفي بوشناق :شرف لى المشاركة في مهرجان الموسيقى العر




.. خالد داغر يوجه الشكر للشركة المتحدة في حفل افتتاح مهرجان الم