الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قميصي الأزرق

محمد أبو قمر

2021 / 12 / 5
الادب والفن


: الله!! ، سينطق اللون الأزرق عليك ، هكذا قالت بنت جميلة للولد في الطريق ، لم يكن يعرفها ، ولم تكن تعرفه ، فقط كان الولد قادما من الطريق المقابل أثناء سيرها بصحبة صديقتها ، التقطته عيناها صدفة ، هي نفسها لا تعرف لماذا خطف محياه روحها بهذه الطريقة ، شهقت ولم تستطع قول شيء له سوي قولها : سينطق اللون الأزرق عليك ، ثم هي لا تعرف لماذا اهتز قلبها حينئذ وانتعشت روحها بهذه الطريقة ، غير أنها ابتعدت بسرعة ، وراحت ترفرف مثل فراشة طوحتها هبة نسيم مفاجئة ، وقبل أن تخبيء وجهها المشتعل خجلا في حضن رفيقتها كان الولد نفسه قد فقد الاتجاه المفترض أن يمشي إليه ، إذ كان مرتديا بالفعل قميصا يميل إلي الزرقة ، اشتراه له أبوه علي دخول المدارس ، ولم يكن يدخل في روعه أبدا أن فراشة مثل هذه الجميلة يمكن أن تحط علي حافة مثل هذا القميص الذي وافق أن يرتديه مرغما ، قال لأبيه : لن ألبس هذا القميص يا أبي ، فلا هو أزرق ولا هو رمادي ، إنما هو كالح يا أبي ، تنتشر في أنحائه لطخ ، ثم وكأنه مليء بالنقر التي تطفح علي جنباتها ما يشبه الوحل.
لم يضطر الولد إلي ارتداء القميص إلا بعد أن استعان أبوه بالجيران ، وزوجة البقال وعم الدسوقي الحلاق ، راح كل منهم يثبت للولد بكافة الأدلة مدي روعة القميص ، بل إن الجار استشهد بجدران بيته كقرينة ضد ادعاءات الولد ، قال له وهو يشير إلي جدار بيته : هذا هو اللون الكالح يابني ، وتلك هي النقر التي تطفح دوما بالسواد ، فهل تري أي شبه بين جدار بيتي وباحة قميصك يافتي؟!.
جميعهم أيدوا صفاء لون القميص ، قال له عم الدسوقي : نحن الذين نري ياصغير ...وقديما قالوا كُل ما يعجبك يافتي والبس ما يعجب من يحبونك..وها نحن نقول لك لقد اشتري لك أبوك أجمل قميص في العالم ياولدي...إلبسه وستري كيف تنخدع فيك الفراشات.
هاهي أول فراشة تصادفه في الطريق وتحط عليه فجأة وتقول له : سينطق اللون الأزرق عليك ، قالت له : وجهك يشعل القميص بالضوء كما تضيء الشمس باحة حارتنا ، إذا لم تكن تصدقني فها هي ذي رفيقتي ، بالله عليك يارفيقة ماذا قلت لك عن عيني هذا الولد الجميل ، أقصد عن قميص هذا الولد الجميل ، ألم تبرق نجومه في عيوننا من بعيد؟ ، ألم أحدثك عن الفراشات الملونة التي تطير في أنحائه؟ ، ألم تقولي لي هيا نقطف وردة من تلك الورود التي تتألق علي صدره؟.
هكذا قالت البنت الجميلة للولد في الطريق ثم رفرفت بجناحيها حول رأسه قبل أن تتواري خجلا في حضن رفيقتها ، لكن قلب الولد كان يتقافز في صدره ، وشعر بأن قدميه قد ارتفعتا عن الأرض ، وكأن جناحين قد نبتا من جنبيه فجأة ، ورأي نفسه يطير عائدا إلي الدار ، وهناك خلع قميصه ، ثم علقه علي الحائط ووقف قبالته عاريا يتأمل فيه بينما يتناهي إلي أذنيه صوت البنت الجميلة وهي تحول ما كان يظنه حفرا في القميص إلي نجوم زاهية ، وتحيل نقره المظلمة إلي فراشات ملونه ، وتستحيل في عينيها ما كان يراه لطخا إلي ظل شفيف لوهج يبرق في لون القميص .
تناول قميصه بحذر حتي لا تتساقط منه الفراشات ، ثم غسله برفق ، وصعد به إلي سطح الدار وكأنه يحمل جوهرة ، نشره علي الحبل قبالة عين الشمس وجلس تحته حتي يجف ، كل مساء كان يخلع قميصه علي مهل ، ثم يفرشه بعناية تحت الحشية ويستلقي ، حين يغلبه النوم كان يشعر وكأن الفراشات تحوم حوله ، بينما تهمس البنت الجميلة في أذنيه سينطق اللون الأزرق عليك...وجهك يملأ باحة القميص بالضوء...عيناك تتألقان كنجمتين زاهيتين ، روحك صافية كصفاء السماء ياجميل ، كل مساء كان يمد يديه وهو نائم يلتقط فراشة ملونه ويضعها علي شفتي البنت الجميلة التي صادفته ذات يوم في الطريق وحدثته عن قميصه الأزرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با