الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة عاشق اسمه أبو علي مصطفى

سليم البيك

2006 / 8 / 28
القضية الفلسطينية


ليس كغيره من العشاق كان, لم تتسن له الأيام, أو لم تكفه, ليصب ثورته على معشوقةٍ واحدة شلالات من الانتماء. فجُبل بعشيقات كثر, أعرف منهن البندقية و الجبهة و الشعب و أحلا كل العشيقات في كل الأزمنة, فلسطين.
ليس كغيره من عشاق فلسطين, عشقها حتى الثمالة شهادةً, و كان حين يغازل بندقيةً, يغمز من طرف فلسطين, الرائع في الأمر أن باقي عشيقاته تتجمل و تحمرّ وجنتاها عشقاً حين يغازل فلسطين فيها. كانت "جبهته" مثلاً تزداد احمراراً و ثورةً حين يغازلها, لا لشيء إلا أن فلسطين موسومة في كل ملامحها, في بسمتها, في ثنايا جسدها, في روحها. من عطر جسدها كان يلاعب رذاذ ليمون فلسطين و برتقاله.
لم يكن كغيره من العشاق, كثيراً ما كان يتسلل إليها ليلاً, خفيةً عن النجوم الشائكة, و حرس الحدود, و الاحتلال. يقضي الليل مع معشوقته قبل أن يصحا السجان. يمارس حبه إلى فلسطين إلى أن يصحا العسكر, فتنام فلسطين المتعبة لساعة أو بعضاً منها, إلى أن تصحا شمسها على صوت أطفالها, يلعبون لعبتهم المفضلة قبل و بعد المدرسة و أثناءها, لعبة الحجارة و الدبابة.
يغادر معشوقته صباحاً ليمضي النهار مع الأخريات و يحكي لهن عنها, تغص سماؤها لفراقه, ترافقه إلى الحدود, و تبقى, حين يَعِدها بالرجوع لتَعده بالسهر كل ليلة, تُعِد البرتقال من رحمها و الزيتون من صدرها و كأسين من ريقها المسكِر, تشعل الشموع و تَعُدّ الطلقات و تنتظر.
لن يكون كغيره من العشاق, عبأ البندقية بوعوده و عاد بعد أن سئم الليل و طرقاته, صرخ على الملأ, هي لي.. أحبها.. و هاأنذا.. عدت يا عسكر.. إن كان للموت مكان.. فلن يكون إلا في حضنها. عاد ليمارس حبه ليل نهار في رام الله. لم يتسع حقدهم لعشقه, قتلوه قبل أن تشهد باقي أطراف جسدها في عكا و الناصرة و غيرها رائحة عرقه. كان ما أراد و استشهد في حضنها, رمى حقدُهم أشلاءَه شبقاً على جسد فلسطين الدامي, فارتعشت وِحدةً و بكت:" عاشق آخر.. شهيد آخر.. ينام أبداً على صدري.. إلى متى سأغتسل بالدماء كل صباح و كل مساء.. يا الله.. ليس أبو علي مصطفى.. يا الله..", و تبكي.
كان أبو علي عاشقاً للحياة معها, لا الموت, و لكن إن كان الموت, فليكن فيها أو لا يكون. كان هذا الموت, و رأسه على صدرها, أشهى له من أن يذرع الحياة كفاحاً و كفاحاً خارج حدود جسدها المثقل بالآلام, اختار أن يعيش الموتَ في حضنها, أجمل الإناث.
فلسطين اشتاقت إليك أبو علي, عشيقاتك الأخريات اشتقن لتغزلك بهن. اهدأ قليلاً يا رفيق, للورد في فلسطين أوانه, سنلبسها طرحةً من الورد و تاجاً من البنادق, ستغتسل لا بدماء الشهداء هذه المرة, بل من كل الدماء, و ستحيى أنت و كل الشهداء. ستشهدَ من عندك لون ترابها المثير, بنيٌ محمر, لتثور فيك الوطنية من جديد, فأرضنا هذه كلما عُتقت, ارتقت جمالاً و شبقاً لعشاق جدد, لشهداء جدد, إلى أن يحين أوان الورد فيها.
ربيع فلسطين آت يا رفيق, فليقطفوا من وروده و ليقطعوا من زيتونه و ليحولوا بياراته إلى مناطق عسكرية مغلقة, فليشيدوا السجون و المقابر على جسد معشوقتك. للورد يا رفيق على جسدها أوان, و لحريتنا ثورة, و لثورتنا ورود حمراء, و بكل الألوان. لحينه, لن تبقى وحيدةَ ليلها, فلتهدأ أبو علي, عشاقها كثر, و عشاقك و عشيقاتك كثر.


كاتب فلسطيني مقيم في أبو ظبي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة