الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نغم الحياة / قصة قصيرة

محمد الطيب بدور

2021 / 12 / 6
الادب والفن


السيول على أشدها .أطياف البشر في تنقلهم توحي بشوق كبير الى هدنة الطبيعة...غادر الدفء أركان البيوت و شرفات المقاهي .في تلك الليلة ...اضاءات خافتة ...و مارة يسرعون الى منازلهم ...و بعض سيارات الأجرة التي تغادر الحي المكتظ...تعكس انارتها حجم المطر المتهاطل...خيوط الماء تبلل كل شيء...تستقر ببرك المعاناة والمفجآت وتداعب النوافذ المغلقة بالمنازل و عمارات السكن المطلة على مقهى البحر.
اكتظ المقهى بوجوه مألوفة...يلتف روادها حول الموائد و تتلاصق أجسامهم طلبا للدفء و المودة و الحميمية في ظروف صعبة ...أغلبهم من البحارة ...يجتمعون لمتابعة المستجدات و ينتظرون هدوء البحر ليستأنفوا أنشطتهم .
في ذلك المساء...اشرأبت الأعناق الى التلفاز ...عصفت الأخبار بأنفاسهم ...تسمر الصمت في الأفئدة
و شدت أجسامهم بأثقال هم لم يغادر بلدا تمزقهالفوضى...مكثوا يتبادلون الحيرة و كأن الأمل يغادر كما يختفي البخارالساخن كؤوسهم المترعة بالحزن .
زمن ثقيل مر...و ليس بوسع الكلام أن يشق زحام الحيرة و العجز....في ركن من أركان المقهى جلس
العم سالم...شيخ البحارة...استند على كتف شاب ..استوى واقفا...تتبعته العيون ...وصل الى وسط الفضاء الخالي من الطاولات...تحولت نظراته الشاردة بين الجالسين و كأنه يتأمل ما بداخل أفئدتهم ...نظر الى الخارج حيث السيل المتواصل...الى البحر الهادر..و الى التلفاز المعلق...أطفأه ...و علا صوته المتعب بترنيمة حزينة...نغم كان يغنيه كلما يئسوا من رجوع غريق ...
سنلاحقكَ أيها الفرحُ الهاربْ
سنلُاحقك َأيها الخوفُ الغادرْ
بأجنحة الأملِ ورعشة الحياةْ
و لنْ نغادرْ
حتى تشرق الشمسُ
و يعود للشاطىء غريقك َ
أيها الغادرْ
دمعت عيناه...و تهاوى...أسرع شاب و أجلسه بجانبه.وتحرك الجميع لاحتضان الرجل...و ترقرقت بالعيون دموع حرى...لم يعد مجال لاخفائها...لحظات اعتصرت لها القلوب و تفتت حزنا لما رأت من فضاعة ما لحق بالبلد...وقف العم سالم...و في ركن بالمقهى قيثارة ...غطاها الغبار ..تناولها...و جرب
العزف عليها...لم تخذله...و سرى صوته ممزوجا بعزف يأخذ بالألباب...مرددا
لن نغادروسنلاحقك أيها الخوف الغادر.
رددوا جميعا و التفوا حول الرجل...و تعالى النغم ليشق ظلمة الليل ويصل الى النوافذ المغلقة... لم يمنعهم السيل من الخروج و التجمع أمام المقهى...أضاءت أنوار البيوت...فتحت النوافذ...نزل الكبار والصغار...مدثرين بأغطية...حتى أن أحدهم لف العم سالم بغطاء..سرعان ما تخلص منه...لقد جعلته حميمية الناس و اصرارهم على الغناء...يكرر مقطع الأمل و بعزف .توقف سواقالتاكسيات وانضمواالى الجمع غير عابئين بالسيل المتواصل...اكتظ المكان ...و شق النغم جدران الصمت ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد