الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاق نيتشه تتجذر في التأريخ

سمير علي الكندي

2021 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



عندما لا تتمكن من مشاهدة التلفاز وهو يظهر لك توزيع الحقائب الوزارية في بلد أسمه العراق تجري فيه الديموقراطية بأبشع صورها وعندما لا تتمكن أن تشاهد احداث اليمن و المجازر التي ترتكب من قبل بدو الصحراء . وعندما تضطر أن تغض النظر عن مشاهدة بنايات أيمن الموصل وهي محطمة بالكامل وفي أحراشها جماجم الأطفال والعجزة ، سيكون عليك ان تمتلك الشجاعة لتواجه نفسك . فقط نفسك لأنك قادر ان تضيف على وجهك الكثير من الدلائل التي تتيح للاخرين أن يدركوا أنك متأثر من هذه الاحداث ولكن في قرارة نفسك تشعر انك قد فزت بالبقاء في خضم هذا الصراع الذي لا ينتهي من اجل البقاء أو انك على أقل تقدير لم تكن مشاركا" بهذا الفعل أو ذاك .
وعبثا" تحاول ان تضيف لنفسك شعور بالراحة او الغبطة او النقاء لانك تدرك أنك مساهم بشكل أو باخر بهذا القبح الذي يتناثر حولنا . رغم انك تتسائل دائما" عن اسباب هذا القبح ورغم انك تدرك ان هذا القبح قد يكون ضروري وربما اساسي لأستمرار هذه الحياة الذي بنيت على اساس الصراع . والا لما كل هذا القبح الذي بيننا . وهل ستسمح أسس الصراع ان ينفذ احد ما ليكون خارج هذا القبح الذي يتغلغل بيننا .
ففي كل الأزمنة يتكرر نفس المشهد الذي نطالعه في السينما الاوربية القديمة وكذلك في السينما العربية التي تتحدث عن بداية التأريخ ، بداية التشكل وتوزيع الحقائب ولكن على نحو أخر لا يختلف عن ما يجري من توزيع لحد اللحظة . هم نفسهم نفس الشخوص ونفس الأقسام ونفس الفئات . ما يتغير هو الأسماء والوجوه ويتبادلوا الادوار هؤلاء الذين يُسمون الفرسان او القادة أو السادة الذين يسيطروا على اسوار الحصن وما بداخل الحصن من مؤن وزرع وذرع وعبيد ليفرضوا انفسهم وعوائلهم وفئاتهم وجيوشهم وتابعيهم وعبيدهم فيما يطالع الحرافيش والحفاة والغير خاضعين للسلطات . المطرودين من مملكة الأمراء والنبلاء . يطالعون أسوار الحصن من الخارج بملابسهم الممزقة وأسمالهم المهلهلة . حفاة او يمتطون الحيوانات المتهالكة وقد بانت ضلوعها وهي تشكو اليباس كأصحابها . هذه التي تدعى على مدى التأريخ مخلوقات في الأغلب يتم التخلص منها كما حدث مع أقسام واسعة التي لا تنسحق مع عبيد السلطان وهوس النبلاء وجنون القادة وجشع الطلائع التي تتصدر الثورات فتنسلخ عن طبقتها لتمارس فكر وسلوك القادة ليبقى المشهد يتكرر دون أن ينزعج منه احد او يخرج احد من هذه الدوامة التي تبتلع كل من يقترب منها . دوامة القادة والطبقة المسيطرة على الريع .
وكل هؤلاء الذين شاءت الأقدار ان يكونوا داخل الحصن هم غير معنيين بمن هم خارج الحصن . وبالعكس فان التأريخ يخبرنا ان كل من بداخل الحصن يستشعر الخطر الداهم كلما أقترب الحفاة من السور فينتظموا بجيوش القادة والمنتفعين ليدافعوا عن الفتات التي يحصلون عليه من ما تبقى من موائد القادة .
وعلى المستوى الحالي فأننا نلاحظ ان التسميات تغيرت بعض الشيء ولكن المعادلة هي هي لم تتغير . فهناك أقسام قد سيطرت على الريع وهي غير معنية وغير مبالية بمن يسكن في العشوائيات ومدن الصفيح . وحتى هذه الأقسام . اقسام العبيد الذين تمنطقوا باسماء اخرى ، فهم في دوائر القادة والطبقة المستفيدة ويثاروا فقط وتجدهم في الساحات ليتظاهروا على جزئيات تخصهم وحدهم وتخص أمتيازاتهم وفتاتهم من موائد الطبقة الحاكمة وما تبقى من الموازنة التي تم توزيعها بين أشباه البشر . ونقول ذلك لانهم لا يمتلكون سوى ضحالة الاخلاق التي وصفها نيتشه بقسوة . ولكنها دقيقة وظاهرة في هذه العاهات التي تستولي على كل شي بلا ادنى رحمة وغير مكترثة بعذابات الفقراء والكادحين والعمال .
هذه العاهات التي تلوك الصلوات نفاقا" وكذبا" كما يقول نيتشه ( والتي تخرج كل يوم الى الاحراش كالحشرات المجنحة وفؤادها يرنو دائما" أن يعود بشيء ما من المنفعة ! ) وتخوض أشكال الصراعات من أجل تحقيق هذا الهدف وتجوس في طريقها كل من يقف أمام تطلعات هذا الفؤاد المريض الذي لا يحيى سوى بعذابات الأخرين . فمن منا من ذهب الى الصراف وتوقف لبرهة ليحصي عدد الذين لا يتقاضون راتب في نهاية الشهر وأمتنع نتيجة لذلك عن أستلام الراتب . ومن من تسائل ان كان راتبه يكفي لأكثر من عائلة . ومن من وخزه شيء ما داخلي وجاءته الأصوات ليستشعر ألام الأخرين . ولما هذا التوزيع الغير عادل الذي يشمل اناس ويغض الطرف عن اناس اخرين . ومن من اوجد هذه المعادلة التي تتكرر في التأريخ .

أننا في هذا الزمن ندرك دائما ان لا حل في هذه الانظمة التي تنتج نفسها وتعيد تدوير نفاياتها والامر غير قاصر على نظام دون أخر . فهذا العالم الجديد الواحد والعشرين الحداثوي الذي ارتاح من صخب الأشتراكية والأشتراكيون والدول الاشتراكية بعد أنهيارها أو انهيار أحد انماطها أو تجارب حاولت ان تتنتج النظام الأشتراكي دون ان تتمكن من ذلك أو لم تسعفها الأيام والشعوب والقادة والنبلاء من تحقيق حلم الأشتراكية . ليكون عالم بقطب واحد بذيول مريضة متجددة لم تعد مبالية كما كانت سابقا" بالنقد او التوبيخ او الخشية من أن تنتفض الجماهير لتطالب بالحقوق كما حدث في عام 1929 عندما انهارت الرأسمالية وبان قبحها ليعالج هذا النظام الرأسمالي نفسه باصلاحات تخديرية من خلال صناديق الضمانات التي امتصت الغضب الجماهيري . هذه الجماهير التي تاقت الى التجربة الاشتراكية فأوجدوا لها البديل . وانتظروا لغاية انهيار هذه التجارب الوردية الصوفية ليعلن هذا النظام البربري وذيوله ان ايام الحصن قد عادت وليس امام الجماهير سوى ان تنخرط مع اقسام العبيد لتحضى بالفتات او تكون خارج الحصن تطالع المشهد من بعيد وهي في العراء تتلاقفها السيول والاهوال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت