الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لارس والآودي

منير المجيد
(Monir Almajid)

2021 / 12 / 7
الادب والفن


عرفتهُ في منتصف التسعينات.
كنّا نجتمع بتنسيق مبيت في حمّام الساونا بعد الإنتهاء من التمارين الرياضيّة التي، ودعوني أعترف، لم تساهم في إنقاص وزني حينذاك.
«لارس» وأنا كنّا الأكثر إهتماماً بتزامن الوقت. أحاديثنا شملت شؤون العالم وحتّى الكثير من الخصوصيات.
كانت عظامه مُصابة في كل مليميتر بالروماتيزم، وقد حشاه الأطباء، لسنوات طويلة، بالأدوية لجعله يستقيم ويقف على رجليه دون معرفة، أو الأخذ بالإعتبار تلك المضار الجانبيّة التي دمّرت كليتيه فيما بعد. أصابعه كانت غريبة الشكل وفي كل مفصل ظهر إنتفاخ جعله يشبه مخلوق الفضاء «إي تي».
لكنه لم يفقد مزاجه الرائق يوماً ولا إعجابه بـ «لينا» حسناء النادي، دون منازع. الخمسينية البرجوازية التي كانت تأتي ممتطية صهوة «الپورشه» الصفراء الموروثة من زوجها المتوفي، مرتدية ثياباً ترشح وجاهة.
كنّا، خارج مجال الرياضة، نجتمعُ مرّة في الشهر في إحدى المطاعم المحلية لتناول الغداء وإحتساء بعض المُنكر، هو، لينا، ليزا، بوديل، ايريك، يان وأنا كأعضاء دائمين. وفي كلّ مرّة كان يدعونا إلى شقّته الفارهة الكبيرة ليُقدّم لنا كأس كونياك وفنجان قهوة. وحينما كنّا نهمّ بالمغادرة كان يحاول إستمالة لينا بالبقاء دون أن ينجح أبداً. «ولا في أحلامك يا لارس». تقول له لينا بخبث.
حدّثني مرّة عن زوجته المُطلّقة وإبنته وولده. حينما تطلّقا عام ١٩٧١ كانت زوجته حاملاً بصبي، بينما إبنته كانت بعمر سنة.
«أين هم الآن؟». سألته. «لا أعرف، ربما أولبورغ، مسقط رأس زوجتي». أولبورغ أبعد مدينة كبيرة عن كوبنهاغن.
استغرق الأمر جهود عدّة أشهر حتّى اقنعته بالبحث عن عائلته المفقودة. «هل تريد أن تموت دون أن تلتقي بأطفالك؟». كنتُ أكرّرها لهُ.
الزوجة متوفاة. إبنته «سوزان» متزوجة وعندها صبي وتسكن في تلك المدينة، والصبي يدرس الطبّ في جامعة كوبنهاغن. هكذا كانت نتائج الإستقصاء.
بعد العديد من النقاشات حول ضرورة الإتصال بابنته وافق. النتائج نجحت وتطوّر الأمر ليتّفقا على الزيارة.
رافقتهُ إلى محل بيع الألعاب، واخترتُ له بعض الهدايا، لأنه قال لي أن خبرتي في هكذا أمور تتجاوز إمكانياته كأب لا يعرف ذريّته.
عاد بعد ثلاثة أيام سعيداً يحمل ضحكة ملأت وجهه من الأذن إلى الأذن. «لا أعرف كيف أشكرك». قالَ. «لقد أسعدتني أيضاً» قلتُ.
ثمّ قابل إبنه «راسموس»، الذي، ويا لغرابة الأمور، كان يسكن في غرفة على مسافة قصيرة منه.

كان ذلك في العام ٢٠٠٣، وبدا الأمر برمّته وكأنه قصّة بديعة في لمّ شمل العائلة، لكن عظام لارس صارت تتفتّت وكأنها قطع من البسكويت.
في أحد الأيام كان في طريقه إلى سيّارته الآودي حينما سقط كخرقة على الرصيف. حدث ذلك بعد شهرين من تواصله مع العائلة.
اتصل بي، بصوت واهن، من المستشفى، وذهبت لزيارته حاملاً باقة من الورد. كان هشّاً وبالكاد يتكلّم.
بعد يومين، ذهبتُ، هذه المرّة مع لينا. استقبلنا شاب وسيم وقدّم نفسه «راسموس». «هو الآن في الطابق الأعلى يتعرّض لغسيل الكلى». ثم نقل لنا رغبة والده بإيقاف الزيارات. «لا يطيق أن يُرى بهذه الحالة». طلبنا منه أن ينقل تحياتنا وأمنياتنا. كان الأطباء قد أعطوه أسبوعاً على الأكثر.
هكذا انتهت صداقتي بلارس، التي امتدت لثمانية أعوام.

البارحة رنّ هاتفي.
«أنا راسموس إبن لارس، إلتقينا في العام ٢٠٠٣ لمدة دقيقة». «طبعاً، أذكر ذلك جيّداً». قلتُ له.
تحادثنا كثيراً، وأعطاني تفاصيل عن جنازة والده. يعمل الآن كطبيب مختصّ في الجراحة، ومتزوج ولديه ولدٌ أسمّاه عرفاناً لذكرى والده بـ «لارس».
قال أيضاً أنه بحث عني كثيراً إلى أن وجدني على الفيس بوك، ويرغب في التعرّف عليّ بعد أن حدّثهُ والده عن أنني كنتُ السبب في لمّ شمل العائلة لفترة قصيرة.
إتّفقنا على اللقاء في كوبنهاغن. «أنت تتذكّر العنوان على الأغلب. لقد إنتقلتُ إلى شقة والدي مُباشرة بعد وفاته». «والآودي؟»، سألته، فضحك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا