الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم هاشم وحقل الشوفان

ضحى عبدالرؤوف المل

2021 / 12 / 7
الادب والفن


بين قنديل أم هاشم المبارك للأديب يحي حقي، والحارس في حقل الشوفان، للروائي الأميركي سالنجر، تاه عقلي في خيوط فنية حاولتُ توظيفها في فك مفاهيم عربية ومفاهيم غربية، لكن تاه منظور الحقيقة في تناقض جعلني أشعر بتأرجح مخيف أصابني بالهذيان، فالنتيجة اشكاليات في الأسس التفكيرية بين الغرب والشرق، فهل من اندماج فكري يحقق ثقافة سلام تستطيع إعادة بناء هيكل دراسي يخفف من ثقل مناهج تعليمية لا تصيب العالم الا بالدمارالثقافي، ونحن نحلم بالإنطلاق نحو فضاءات ذهنية ثقافية، لعل بنّاء يفتح الكون على مصراعيه، لنعيد تشكيل الإنسان بكامل حقوقه الحياتية والجمالية .
يرى بلاكمر أن بداية ونهاية النقد هو العمل الأدبي نفسه، وأنا لا أنتقد، إنما أظهر أهمية كل عمل في زمانين ومكانين مختلفين، فالثقافة تتأثر بالمحيط الإجتماعي الذي نحيا فيه، إلا أننا الآن في مكان مفتوح على كل الأزمنة، فالعمل الفني يثبت وجوده، أو ينفيه تبعاً للفكر الثقافي العلمي والأدبي، ففي بلادنا العربية تراث اجتماعي متشابه، متأثر بصراع حضارات سابقة، ومنها عثمانية وبربرية ذات تقاليد ممتدة، فالحركة الإنفصالية في الإستقلال سببت الضعف البنيوي لثقافات اجتماعية عربية عاشت أوهام التقدم الغربي، لأنها عاشت في عزلة لغوية، وترجمات لم تأخذ نصيبها الكامل في ظل التقدم الإقتصادي الأميركي، وثورة العلم التي انبهر بها الكثيرون ممن عاشوا خارج أوطانهم العربية، ليعيشوا صدمة السخافات والتخلف الحضاري، والإيمان بمعتقدات لا ترتبط بالدين، فهي غيرموجودة في الكتب المقدسة، ليأتي سالنجر وينفي هذا الإعجاب بنفث الغضب عن غبارالزيف، ويزيدنا اعجاباً من نوع آخر، فتتخيل نفسك في حقل زراعي ريفي ملىء بالشوفان في أبعاد عنوان يظلله الزمان والمكان، ويتجرد من أي قيود لغوية أو فنية، ليبرز واقعية عمل روائي صادق وعفوي بلسان مراهق، فالحارس هو المنقذ لحقل تنمو فيه نباتات يُصنع منها الخبز الأسود، وهو أراد إنقاذ الأطفال من زيف مجتمع عاش فيه، في لمحة إلى الأسس التربوية، ونظرة تُشير إلى أهمية رعاية الأطفال في كل زمان ومكان، من خلال أغنية سمعها" لو أن أحداً يمسك وهو يخترق حقل الجودار" ليقول لأخته"وما علي عمله هو أن أمسك بأي طفل يبدأ بالسقوط في الجرف، هكذا أمسك بهم وانقذهم من السقوط، هذا كل ما علي أن افعله طوال النهار"فالهدف الأساسي من العنوان هو الإنقاذ من السقوط بشكل عام.
أما في قنديل أم هاشم، فتتخيل نفسك في تلك العتمة المفروضة ممسكاً بقنديل قديم وصبي، اذا جلس للمذاكرة خف صوت الأب، ومشت الأم على أصابعها، وابنة عمه تترك الثرثرة، لتصمت أمامه، وتتساءل : كيف تحوي الكتب كل هذه الأسرار؟. في قناعة ذاتية سطحية تتعايش مع الحكاية فقط، فالمراهقة عند اسماعيل بدأت تفور، لتفض براءته العذرية ماري زميلته في الدراسة، بينما يفشل هولدن في ممارسة الجنس مع واحدة من بنات الهوى، فكيف تكون أبعاد الوصف والتوضيح غامضة، وأنت تبحر في كل هذابين الغرب والشرق، وكل منهما معجب بحضارة الآخر؟.
المقدمة! تجعلك تفكر بكيفية تفكير الناس في كل عصر وزمان، لتمتلىء العيون من زيت قنديل أم هاشم واسماعيل في بلاد الغرب في ظاهرة لا يستطيع تفسيرها خصوصاً بعد أن أفاق اسماعيل من حبه لماري ،فيتساءل: "أم أن ماري هي التي نبهت غافلاً في قلبه، فاستيقظ وانتعش؟ فيتلمس شعوره المبهم بمصر، ويقرر العودة، وكأننا نقف في وسط حقل الشوفان كخيل تائهة تبحث عن الذات لنمسك يد سالنجر، ونحن نممتلىء بأسلوب فني بارع في التصوير والحركة والمشهد بغرابة، بينما يختفي ضوء قنديل أم هاشم في بسمة يرسمها طبيب في قرية ما زالت تؤمن بالخرافة، فيتعايش معها بعد أن فشل في التخلص منها".
يقول يحي حقي:"التحدث عن النفس يا له من لذة ساحرة، تواضعها زائف." ومفتاح رواية سالنجر هو الزيف، فإذا أردنا اجراء مقارنة فالموضوع هو هندسة منطقية اجتماعية تحاول الوصول إلى عناصر صحيحة من خلال عمل فني ذهني يجعلك تكسب رؤية بنيوية جديدة في عصر الشبكة العنكبوتية التي لم يعشها سالنجر او يحي حقي، فاستخراج النتائج من العمل الأدبي يحتاج انفتاح عقلي وثقافي وتحرر من المفاهيم التجريدية للننتقل إلى الفهم قبل التفسير، يقول سالنجر :"كما لا أنوي رواية سيرتي الذاتية اللعينة، سوف أروي فقط اللأحداث الجنونية التي مرت بي." ليردد حقي:"إنهما ينبعان من نزعة واحدة متكتمة:استجداء تبرير الوجود وأنت معذور حين تقرأ هذه السيرة"..لنصبح أكثر تحفزاً لمعرفة المزيد عن الزيف في المجتمعات من خلال سالنجر وحقي...
ترجمة استطاع غالب هلسا أن يبرز فيها الوعي اللغوي في فهم اسلوب مفردات اعتمدها الرواي لرواية الحارس في حقل الشوفان أو المنقذ في حقل الجودر كما يقول البعض، فالبناء الفني تميز بالخيال الحركي الذي أعطى للصورة ذاتية خاصة، وتعبيرية في خلق حوارات روح حرة تتحرر من الغموض في تلميحات ذكية عن مدرس من المثليين، وفقد عذرية في فشل جنسي مع واحدة من بنات الهوى ، وأحداث ذات تأثير عاطفي في امتداد مكاني يصاحب الشخصية،فلا يفارقها بل يتنقل معها من مكان إلى مكان، فيرصد الواقع الإجتماعي في تعبير فكري، لنقترب من اللاشعور لمراهق رسب في أغلب المواد يخاف من صدمة طرده على الأهل، فيقرر الهرب لترافقه العدسة الضوئية في أيام قليلة فقط في كل المشاهد الرئيسية والثانوية، وعند حقي تصوير مجتمعي سطحي في رمزية شخصية اسماعيل ، لتنتقل العدسة الضوئية إلى كل ركن في الرواية وتنفصل عن الشخصية الرئيسية في انتقال فرعي لتصور الحي الشعبي وسكانه في إظهار اعراف اجتماعية واهنة سعى إلى تصويرها في اختيار رؤيوي زماني خاص به، ولم يترك للعقل الواعي الإستنتاج بل فرض عليه مفهومه الخاص مثلاً :"يا عزيزي اسماعيل، الحياة ليست برنامجاً ثابتاً بل مجادلة متجددة".من يستطيع أن ينكر حضارة أوروبا وتقدمها، وذل الشرق وجهله ومرضه." فهل حذف حقي كلمة حضارة من الشرق وهو ابن الحضارة الشرقية، وجعل الحضارة لأميركا فقط؟.في حين أن سالنجر تماسك ذاتيا وبقي محافظاً على الوقوف خلف المراهق، لتكون بؤرة الأهتمام ملاحقته خطوة خطوة في عمق نفسي واجتماعي، وترك القارىء يستنتج، ليدخل الواقع الأميركي المصاب بالهشاشة التربوية والسلوكية في مغامرة اميركي غاضب وهو في حالة رفض يقينية، فتصبح روايته مرجعاً تربوياً للمدارس في أميركا لفهم سلوك المراهق، وفي الوقت نفسه أظهر أعجابا بالحضارة العربية في مصر، وقيمة الحب الروحي والجسدي ليرفع من معنويات المراهق، ليبحث في علم التاريخ، ويقرأ عن الحضارة الشرقية،وروح الحب فيها، ليمسك يد أخته الصغيرة التي تريد الرحيل معه، وهنا يقف الروائي خلف ذهول المراهق ،فهو لم يرض لأخته فعل أشياء لا أخلاقية كما فعل هو ليعود إلى البيت، بينما عاد اسماعيل ليرضى بتقاليد اجتماعية زائفة لم يستطع رفضها، فتصبح رواية حقي مرجع لرفاهة قراء وقعوا في فخ الزمن، لتعيد ذكريات فنية مارسها حقي و بقيت في ذاكرة الزمن العربي فقط، فالمصري الغاضب من خرافات دينية انغمس بها ليكتشف قدرة الشفاء بالإيمان، وليرضى بالخرافة مبرراً كل ما حدث بجملة واحدة "إنها لم تكن تؤمن بي".
انعكاس اجتماعي على عقل يحي حقي الباطني في اندماجه مع الخرافة، ليتعايش معها بعد ان فشل بالتخلص منها، ربما أراد التوازن بين الرؤية والتعبير واللغة، بينما اختلف السرد التصويري في أدق التفاصيل الصادقة عند سالنجر بلغة محكية نابعة من احياء نيويورك الثائرة شبابياً على كل ما هو قديم ومزيف، بدءاً من مدرسة بنسي التي تضع اعلاناً مزيفاً لجذب الطلاب اليها"الإعلان عبارة عن فتى شديد الحيوية يركب حصاناً يقفز حاجزاً، كان كل ما نفعله في تلك المدرسة هو لعب البولو كل الوقت"والبولو لعبة الأغنياء فقط، ليظهر الكذب والزيف التربوي"حتى أنني لم أشاهد ولو لمرة واحدة حصانا بالقرب من ذلك المكان" لنتجه نحو خطاب سطحي عند يحي، ومضمون لم يتعمق به ما يكفي ، فاستجابة القارىء اختلفت منطقياً بين سالنجر وحقي، بين عرب وغرب،بين الموضوعية والذاتية،الوصف والتحليل، الحسي والتجريدي بين اسلوب منطقي منفتح على عقل القارىء، وأسلوب متسلط يفرض احكامه على أبطاله وعلى القارىء، فهل نمسك قنديل أم هاشم، لندخل إلى حقل الشوفان؟. كالخيول الثائرة، وننتظر الحارس ليمسك بنا قبل أن نقع ، ونسمع حكاية جديدة عن قنديل آخر؟..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف