الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة الأولى من مجموعة: أنتِ أولى بنبضك...

إيمان سبخاوي

2021 / 12 / 8
الادب والفن


إله غــادة البـربـري بفطرتي الأنثوية البكر، شعرت أن العالم الافتراضي سوق كبير لابتياع الأوهام... زائف و قشــرة، مليء بالنّفاق، ساحة خـــردة لمشاعـرنا الرّثة. وحدك حقيقي جدا، إلى الحد الذي يجعلني لو مددت يدي للمستك، قد تكون حقيقي فعلا... ربما مشاعـري عابرة للقارات. كان مسؤولا عن القسم الثقافي في جريدة و شاعرا يوقّع أشعاره باسم (إله بـربـري) كنت أكتب قصيدة النثر من حين لآخــر و أفتتح حسابا باسم (غادة كنفاني) بصورة لمونيكا بيلوتشي فخر الصناعة الإيطالية بعد البيتزا. لي صديقة تقول أنها وقعت في الحب من أول لايك.. قديما كان يحدث من أول نظرة تتساءل امرأة تقول: ماذا حلّ بالعشاق لا أثر لهم على الأرصفة و المقاهي و الحدائق و تحت الشرفات بأزيائهم الطريفة، يتظاهرون بقراءة الصحف القديمة و يتأملون الطقس، يترقبون خروج الحبيبات من المدارس... ماذا حلّ بالبنات الخائفات يترقبن الرسائل و رنة الهاتف لمتصل خاطىء في الرقم لخمس مرات في اليوم، هذه النوافذ الإلكترونية ضربت الحب في أجمل أشيائه، أفقدته متعتة الترقب و الانتظار المحموم على الأرصفة... اللّهاث و اللهفة و الأسماء المحفورة على جذوع الأشجار داخل قلب مخترق بسهم. بضغطة واحدة تتجلى الحبيبة كإحدى الأمنيات التي لا تعجز المارد الأزرق. أنا و هو وقعنا من أول سجال. يقول في إحدى المرات: خبرت الحياة بما يكفي لأتعرّف على كتاب و مثقفين مزيفيين، أعرف غثيان كل واحد منهم على الورق و أشم رائحة مواقفهم الرخيصة، الزيف لا يحتاج إلى مكاشفات معرفية، كنت أجمع كل هذاياناتهم على أوراق الصحيفة. راكمتهم و رميتهم في شقة مهجورة يرتادها المدمنون و المجانين، كي يفترشوها في سهراتهم و مبيتهم من حين لآخر. الافتراض لا يختلف كثيرا، هناك صفحات مزيفة تجمع لهم قيئهم في حاوية و ترميه في مكب هائل للنفايات، تعيّنهم سفراء كلمة و أدب و تلقبهم بالشعراء و السفراء ماهم كذلك و تمنحهم شهادات دكتوراه فخرية. لم أعد أرغب بعد بمناكفات هذا العالم. و لا بحوارات تنتهي بخصومات غير نبيلة، وحدك أحدثك يا (غادة) بعدما أقضي وقتا مع سعادتي الحقيقية في صناعة وعــيي الخاص من الكتب، و القراءة، و المحاضرات... بعيدا عن هذا العالم القبيح يا حبيبتي. تبادلنا اللايكات و الصور و كل شيء بعدها حتى صور الزاد، حتى صار بيننا حب و خبز و بعد أول دمعة دخلت فمي صار حب و ملح... لم يحدث أن صادفت أحدا يشعر بي لهذه الدرجة، من الكلمة الأولى يتوقع ردة فعلي و جزئيات تفكيري، يقول لي أكتبي كي أراك. أصيب كل منا بالتوحد، انسحبنا من عالمنا الحقيقي، صار الافتراض حقيقتنا، لا يحلو شيء دون أن نتبادله معا، كان هو الوحيد الذي أستطيع أن أضحك بسبب نكاته يقال أن الأصدقاء الحقيقيون من يجعلونك تضحك. أحدثه عن مجنون في الطريق أو الأغنية التي تدور على لساني هذا الصباح، عن الفساتين التي اشتريتها.. عن حوار مع صديقة عن المقهى الذي أقرأ فيه لغسان كنفاني... عن أدويتي التي أتناولها و التي أصفها للمرضى في عيادتي... عن الوجبات التي أعدها و طيفه إلى جانبي، كان سعادتي الرائعة التي أخفيها عن الجميع حتى عن نفسي، قاسمني كل همومه... كان أماني الذي لم أشعر به قط. كان يتحدث عن كل الشعراء و كل أصدقائه، يتعرف عليهم من وجوههم في البروفايلات مثل "الفرّاسين" و هذا سببه الوحيد في حب أحدهم من عدمه، أمازحه هل تعرفهم من قفاهم كرجال الشرطة في الأفلام المصرية.. أو من مخارج حروفهم كالجاحظ في اللايف... ـــ هل صرت عرّابا للنوايا؟ يجيب ليس تماما، في الافتراض كما في الواقع لا تراهني على كثرة المتحدثين من حولك الأهم من يبقى معنا للنهاية و يتحمّلك و أنت في أسوأ حالاتك، الذي يحسب علاقتكما بعدد اللايكات أو يعاملك كموظف عنده لتوقيع حضورك على دفتر غثيانه و حزمة برازه، مرعب و تافه. لا يمكنني أن أكون منافقا أو شاعرا مهرجا من فصيل الدواجن أنقر باللايك كي يرضى مراهقي و مراهقات الفيس بوك، أنا صانع وعي و لا يمكن أن أسمح بضياع النصوص الجميلة وسط كل هذا الهراء... الواقع مرّ و حارق، أدخل هنا كي أنطفىء أو أتعالج من مخلفات الحرائق و الندوب بالأشعة الزرقاء، أتحدث ببراءة طفل دون نوايا مبيتة لتصفية الحسابات. دعينا من شعوب اللايك باللايك يا صاحبتي فأنا متعب و هش و فتحت لك قلبي على مصراعيه لترمّميه. بعد مدة من الغرق اكتشفت "غادة" أنه متزوج. كان يعيش حياة مزدوجة بين الافتراض و الواقع. أخبرها أنه لا يحبها و أنهما غير متفاهمين و سيطلقان، العبارات التي تقال عادة في مثل هذا الموقف، تذكرت عبارة صديقها السوري الذي نشرها كنكتة: " ديري بالك من الرجل المتزوج اللي بقلك فيه مشاكل بينو و بين مرتو و رح ينفصلو قريبا، هاد بالذات مرتو بتولد مرتين بالسنة". من يومها قدحت شرارة ما في خيط العلاقة أصبح يجرها للخلاف عن قصد أو بقصد، تنافح.. تدافع.. تبرر تعتذر.. على أخطاء لم ترتكبها، ثم يمن عليها بالغفران كإله. سئمت من تكرار المشهد و تبرير نفسها، و مشاعرها لكنها أبقت على شعرة معاوية، أحالتها إلى عقدة في حبل، كان قد تفشى فيها بالكامل، لم تقو على فراقه أدمنت رنة الرسالة و تفاصليه و صوره فأحبته هو و امرأته و كل حريمه.. تلك النقاط الثلاثة التي ترقص في فراغ الماسنجر قبل هذيانك الأخير و همهماتك بكلمات مدببة كسوار "نايلي" و أنت تلوك لسان حالك، كانت قارب نجاة يأخذني إلى جدار قلبك. النقاط التي نتركها كفراغ بين كلمتي حب، كانت قبلة على شفتين ثرثارتين قبل أن ترسلها كنت أبتسم كالبلهاء، ما كنت أعلم أنها مشروع بندقية. تموت الأصابع قبل الرأس في العالم الافتراضي. نقتل بالكلمة التي تبقى تنعق كبومة في خلفية الذاكرة، نبقى ذاهلين و عاجزين عن استيعاب كل ما يجري، للكلمة التأثير نفسه صوتا أو كتابة لها الوجع ذاته الذي كنا نطيل عمره لنبقى معا، الوجع الذي أصبح يشعرنا باللذة كالمازوخيين. قد تتحول الكلمة من وسادة لشخصين يغفوان عليها لتعويض الأمومة المفقودة، إلى نفس أخير من سيجارة ملغومة. تقول غادة: سألته ذات نقاش عن الحوارات التي أجراها مع مثقفي و مثقفات الافتراض عن تعــريف الشعـر. قال بسخريته المعتادة: هناك من يطيل و يمط عادة يكون شاعرا، أما تعاريف الشويعرات فتجدهن يقلن أنه مرآتهن أو قلم حمرة أو كحل، يضحك بسلسلة من الهاءات ههههه قد يقلن أنه ثيابهن الشفافة أو وسادة، الوسادة يكررنها بكثرة لتعريف الشعر، لكن إجابات الشعراء قد نسيتها فعليا، فلتذهب تلك الإجابة إلى السعير. في الحقيقة لا أحد قتل نزار، في كل القصائد التي تصلني أبحث عن شاعر عاشق، سئمت من العثور عن عشاق يخالون أنفسهم شعراء. أجابته بالاندفاع ذاته الذي أحبته به، أنتم الصحافيون رديئون و مخادعون و دمى فارغة تحركها أيدي الأنظمة الملطخة بكل أنواع الفساد، تهمشون الجميل و تنفخون الفارغ قد تنشر لامرأة لمجرد أن صورتها في البروفيل تعجبك و قد تهمش شاعرا لمجرد أنه أخصب منك خيالا أو قال بدلا عنك الكلام الذي عجزت أن تقوله في قصيدة. ــ أتتهمينني بمناقضة مبادئي و الضعف أمام صور النساء، و أنني قد أسقط نص و أعلي آخر لمجرد أن الأمر له علاقة بتاء التأنيث؟ كل الكلمات بعدها أردتها قتيلة، كل مرة يقارنها بزوجته و يذكرها بأنه لا يريد نسخة أخرى منها، في المقابل لم ينفصل عنها، كان يريدهما معا، لكن تهديداته بالترك لغادة " بكبسة زر" جعلتها تدرك أن الحبل الذي ظفرته من نياط قلبها و كان يلزمه أمهر جراح فرعوني و أكبر مشرط في التاريخ، كان عنده أهون من خيط عنكبوت. رجل خرج للتو من فرن التجربة ساخنا، أشبه بحقل ألغام. سيفتح في وجهك كل مرة صور الذين خذلوه و يفجرها في وجهك معتقدا أنه يشاركك ألعابه النارية، هو يضحك و أنت تنزفين على الضفة الأخرى من حياتك الافتراضية. آخر رسالة منه كانت: " أنصحك بالإلتفات لحياتك، تفادي تضييع المزيد من الوقت مع شاعر مثلي". هنا كان يدغدغ همومه لتضحك الحياة... هنا كنا بالضغط على تلك الأحرف الصغيرة بعيون مجهدة من الضوء و الدموع و المسافة نخفف و طأة الخواء في نفسينا، هاهي الكلمة ذاتها خرجت كرصاصة و تركتنا للفققد وحيدين جدا كما بدأنا، كالأبواب في البيوت المهجورة في البوادي لا أصابع تدق عليها. تعضّ الكلمة من الكتف عندما لا تعرف من أين يؤكل القلب، ينفلق القلب نصفين، لو نقفته بضغطة إصبع كرمانة فاسدة. يطلق الرصاص أيضا من الفيسبوك و الماسنجر و الواتس أب لو تـدرون. كتبت هذه القصة بتاريخ: 21 جويلية 2021 القصة الأولى من مجموعة "أنتِ أولى بنبضك..." لكن النكتة السودراء التي نشرها صديق مصري و قرأتها بالصدفة للمرة الثانية انزلق سوادها يوم: " 28 نوفمبر 2021 إلى رئتي. دخنت شجرة صنوبر لأظلّل نحل القرى و الحب كي لا يحرق عشاقه، لكن قــد فات الأوان النبوءة كانت تعدو ورائي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية