الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجمل أمسية في حياتي 1972(ايتوري سكولا): المحاكمة الذهنية لما قبل الموت

بلال سمير الصدّر

2021 / 12 / 8
الادب والفن


إن كان علينا أن نضع نقطة انطلاق واضحة وفعلية للمخرج الايطالي ايتوري سكولا فربما هي تبدأ مع هذا الفيلم.
يتحرك ايتوري سكولا في فضاءات واسعة،ويبحر في عالم المسرح والسينما والأدب،ويقتبس احيانا من علم النفس ومن عالم الأحلام والسوريالية،ومن غموض العالم وكابوسيته،والكافكاوية تبدو أحيانا هي المسيطرة على هذا الفيلم المقتبس من مسرحية الكاتب السويسري فردريش دورنمات ـويتعاون فيه مع الممثل ألبرتو سوردي للمرة الثانية في دور هو من افضل الأفلام التي قدمها في حياته.
الدكتور روزي في سويسرا وفي جعبته مئة مليون ليرة من مصدر مشبوه،على ان الداقع الجنسي يقوده لأن يلاحق فتاة غامضة-من باب الغزل وحسن النية- والتي من الواضح بأنها تستدرجه في رحلة غامضة ستقوده نحو الهاوية.
إذا طرحنا هذا السؤال:كيف استطاعت استدراجه بهذه الطريقة السخيفة....؟!
هذا السؤال ليس في مكانه أبدا،فالفيلم قائم على الغاز متعمد،أو قائم على الغاز اعتيادي بالنسبة للعالم الغرائبي الذي تدور فيه هذه الحكاية،وقلنا سابقا ان الفيلم عبارة عن خلطة (مخففة) من عدة اشكال أدبية،ولكن تلك العوالم تدور في الخلف...من خلف نافذة واقع هذا العالم.
من خلف تلك النافذة-التي تحدثنا عنها في الاعلى-تكتمل المكيدة الخفية في استدراجه ـفتتعطل سيارته في غابة،وانقطاع الدرب المدبر هذا سيقوده الى قلعة أكثر غموضا من كل الذي حدث...
هنا-كما قلنا-لن نحاول أبدا أن نضع خيوطا لحل العقدة،او دعونا نقول بالأسباب التي أدت بالدكتور روزي بالوصول الى هذا الواقع المشكوك فيه،فالغموض الروائي يدفع بالانسان بالتأمل أكثر في مصيره المحسوب بدقة وبؤس الواقع الذي يعيش فيه.
المأساة الانسانية حملت كلا النقيضين،فالدكتور روزي-وهو لقب فحري بالمناسبة-يبدو بائسا غير واعي لمرارة وقسوة خياراته الانسانية،باختياره قتل شريكه وقتله قبل ذلك مع زوجته،واختياره للغنى والوصول السريع،كما انه يبدو بائسا ايضا لأنعدام خياره،حيث ان المحكمة الالهية قادته عمديا الى موقع محاكمة يبدو أنها تدور في عالم غير هذا العالم على شدة اتصاله بالواقع المألوف لنا جميعا...الانسان يبدو ضحية في كل الأحوال....ضحية لخياراته والخيارات المفروضة عليه...
،وهناك (Simonetaفي تلك القلعة-التي زارها نابليون ذات مرة وله غرفة خاصة فيها-نشاهد الخادمة(
أيضا بورتريهات لوجوه مخيفة،وتبدو أحيانا مشوهة لعدد من الكونتات(جمع كونت)،وهي السلالة التي ملكت هذه القلعة،وتتم الحبكة من خلال ثلاثة من كبار اعضاء المجتمع يعيدون-كما يقولون-تمثيل المحاكمات التاريخية مثل محاكة سقراط،المسيح،جن دارك،دريفوس....وغيرهم
بالعادة نحن نتوصل الى استنتاجات مختلفة جدا عن تلك التي كانت في المحاكمة الاصلية
بالطبع،سوف تصبح اللعبة اكثر متعة لأن المتهم الآن موجود بشحمه ولحمه:الدكتور روزي
لايشك المشاهد ولو للحظة،ان هذا المحاكمة هي محاكمة(حقيقية) وليست فنتازية،كما توحي كل المؤشرات،باستثناء الدكتور روزي الذي لن يحمل الأمر-كما يعتقد وكما هو واضح بالنسبة له-بأكثر مما تستحق.

إن مجرد وجوده في هذا المكان هو رغبة جنسية....افتتان جنسي قاده الى هذا المكان،وافتتان جنسي آخر بالخادمة هو ليس في حوهره سوى الإفتتان الأول الغامض.
وهي تصفف شعرها Simoneta هو يمارس متعة التلصص....نفس المرأةعارية
نستطيع القول عن هذه اللقطة بان الدكتور روزي يتلصص على الوجه الآخر للموت...موته الخاص
الموضوع ليس له اي علاقة بجورج باتاي لا من بعيد ولا من قريب...أنه فقط العالم الأدبي الغرائبي الذي ينهل منه الفيلم....
الموت...الحكم القادم اليه من مكان غير معروف وغير محدد،ويستند فقط على التأويل،وعلى التأويل غير الحاسم لكل ما يحدث أمامنا على الشاشة...
الفيلم ممتع،مشوق،ويحقق المعادلة الصعبة لمن يستطيع تذوقه فقط،فالنكهة الادبية واضحة جدا في الفيلم،والفيلم-كما اعتبره احد النقاد-ميزة انتقالية بين افلام ايتوي سكولا المبكرة وافلامه اللاحقة الأكثر تعقيدا
ثم تبدأ الأمسية باعترافات لاشعورية من قبل الدكتور روزي،فالحادث بالنسبة اليه لاتفسير له،ووجوده في هذا المكان حجته عبثية طبيعية واهية:قدمت الى هنا من أجل ملاحقة امرأة لاغير
ثم يعترف بأصله المتواضع،فأبوه بناء قرميد وشيوعي ايضا،ولقب الدكتور الذي يحمله هو مجرد لقب فخري بالنسبة له،بينما بالنسبة للمحكمة فاغتصاب الألقاب هي جرم بحد ذاته يا سيد روزي
يقود روزي نفسه بوضوح الى التهمة المركزية بلكنة واضحة من السذاجة وصدق غير متوقع
ثم نعود الى السؤال الأساسي:من يقود هذه المحاكمة فعلا...؟من الذي قاده اليه...؟
بماذا من الممكن ان ترمز المرأة القريبة جدا من عوالم ألن روب غرييه...؟
الحدث المسرحي يبدأ من نقطة اللافهم(صموئيل بيكيت)،وهناك واقع آخر مختفي خلف هذه اللحظة...خلف اللحظة الحالية فعليا وليس كل الواقع برمته.
السؤال المحيط....يتحرك كل المحيط لاثبات جرم القتل...يتردد الصدى...أنه السؤال المحبوك بدقة...انها المحاكمة الذهنية لما قبل الموت.
أو ربما فقط،العدالة الألهية التي قادته الى هذا الموقف والى هذا المكان كما يرى أحد اعضاء المحكمة...ونلاحظ ان الفيلم يحاول-هو نفسه-أن يضع تفسيرا منطقيا للواقع ولكنه فشل في ذلك....
العدالة امرأة غامضة فاتنة تتشح بالسواد وتقود دراجة نارية،وهي الوجه الآخر للموت كما ظهرت تماما في عوالم ألن روب غرييه،اوهي الموت العادل كما ظهرت في عوالم ايتوري سكولا وفردريش دورنمات...
الحكم:هو الموت بفصل الرأس عن الجسد
تعظيم الواقع الفنتازي من خلال خلط الحلم بالواقع،واحتفالية في صحة الذي حكم بالموت...
يسلم حكم الموت قبل مغادرته على شكل تلك الأسطوانة المالوفة التي توضع فيها الرسالة ويهم بالمغادرة...يلاحق تلك المرأة مرة أخرى،وتسقط الاسطوانة بين دواسة الفرامل والبنزين بحيث تؤدي الى حركة عكسية،فبدلا من ان يدوس على الفرامل يدوس على البنزين لكي تسقط السيارة في الهاوية...وفي تلك عن نفسها،وعندما يكتشف يبدأ بضحكة هستيرية في لقطة Simonetaاللحظة...تلك اللحظة بالذات تكشف
اعتمدت على التصوير البطيء اثناء سقوطه الأخير الى الهاوية...
القصة كما نرى غارقة في الرمز والكناية وتحتمل التأويل،بحيث نعتقد انها محاكمة ذهنية تدور في عقل رجل أثناء سقوطه الأخير الى الهاوية...
13/10/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته