الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس.. الثورة المؤجلة

صبري الرابحي
كاتب تونسي

(Sabry Al-rabhy)

2021 / 12 / 9
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


#تونس الثورة المؤجلة
عندما إستفاق التونسيون من وهم التحول المزيف و القافز على "جملوكية" الرجل المريض أنذاك، تخيلوا لبرهة أن المشهد السياسي يستوجب صيانته متى سنحت الفرصة و كان أن تفاجئ الجميع بهروب بن علي مدحورا إلى منفاه الإختياري بتعليمات من صانعي اللعبة ضمن حبكة الربيع العربي المتهيأ لحلوله منذ أن دعته كونداليزا رايس من وراء حقيبتها للخارجية لأن يستسلم لسن تقاعده دون جدوى متناسيا أن الأمن العالمي كان لسنوات لعبتها التي أتاحت لها نجومية سود أمريكا من غير مغني الراب و لاعبي كرة السلة أو الملاكمة.عندما حطت الثورة أوزارها و كانت نوعا مبتدعا من الحراك الإجتماعي الثائر على الليبرالية المتوحشة الذي أصر الكونغرس على تحيته أنذاك بأن وقف له إجلالا كنوع من الرفاقية المستحدثة تماما كحلقات التعارف الجامعية المملة، عندها و بالذات إنقسم الشارع إلى نصفين يدعم نصفه الأول قيادة المرحلة من طرف الوجوه الكلاسيكية المعارضة المعمدة بالجدية و المثبتة بسنوات السجن و المراقبة الإدارية أو حتى الإجبار على النشاط في السرية في حين يدعم النصف الثاني قيادة المرحلة من طرف رجالات بورڨيبة الذين يحرص مريديهم على تمجيدهم متى سنحت الفرصة و متى تهيأت الفرصة لنوستالجيا سنوات رصاص 78 و شهداء 84 و غيرها من جراح الوطن التي تبيح الذاكرة الجمعية تناسيها أو غفرانها على الأقل. في هذه اللحظة بالذات إنبرت منظومة الحكم المتدثرة "بسفساري" السلم الأهلي لتفعل أفاعيلها في المشهد، فصار كل قدماء الساحة أزلاما لا يصلحون إلا لقيادة الأحزاب-أحزاب الشخص من منطلق "الباتيندة السياسية" و هنا نجحت المنظومة في "تدوير" أركانها و دفعهم نحو فضاء الطهورية السياسية بواسطة عامل الوقت. غير أنه في تلك المرحلة تصدر المشهد معارضو بن علي من أمثال منصف المرزوقي و محمد عبو و نجيب الشابي و مصطفى بن جعفر و حمة الهمامي و الكثير من التقدميين و أركان حركة النهضة طبعا و كان ذلك وفقا لنتائج 23 أكتوبر الشهير.. كانت الخطة الثانية للمنظومة تقتضي إقصاء المستقلين و إستئصالهم بسبب تيقنها من إفراغ الأحزاب من مضمونها السياسي و الإجتماعي و تحولها إلى شركات للمناولة السياسية توفر العمالة لكل طرح سخي بغض النظر عن توجهه غير أن هذه المنظومة إستشعرت الخطر عندما فاز ياسين العياري بمقعد برلماني على حساب إبن الرئيس الوريث الشرعي لهذه المنظومة نفسها.و بالرغم من تسارع الأحداث فإن الأحزاب السياسية في تونس ظلت منفصلة عن قضايا الشعب التونسي فإختلطت المفاهيم و التسميات و تعددت التوافقات و التسويات حتى ضاع اليمين في اليسار و ضاع اليسار في اليمين و ضل الإصلاحيون و المحافظون الطريق فيما إنشغل القوميون بمآل كرسي بشار الأسد و تفاصيل الصراع فوق الأراضي العربية السورية و مستقبل البعث في العالم العربي المنفتح على تحولات هامة يقودها أقزام الأمس القافزين على أدوار أكبر من أحجامهم.فعادت المنظومة إلى خيارها القديم و هو فسح المجال للمستقلين و ترذيل العمل السياسي الحزبي من خلال توجيهه نحو معارك لم تعد تعني التونسيين في شيء ساعة لم يعد يفرق بين أزلام العهود الغابرة و في هذه اللحظة بالذات سمحت المنظومة لقيس سعيد أن يتجرأ على وكلائها في الحكم و تركت له كرسي الرئاسة شاغرا أمام دهشة التونسيين من ضحالة المستوى الفكري و السياسي لنظيره نبيل القروي العابث بمقرونة الشعب و المتسلق للمشهد بعقد اللوبينڨ المشبوه مع عميل الموساد الشهير و هو ملف قبر و لا يجوز عليه إلا النسيان. ثم أتت مرحلة حكم قيس سعيد المخيبة للآمال من جميع النواحي حتى إستنهاضه لهمة مريديه ذات مساء 25 جويلية على أمل تركيع المنظومة و إرغامها على الإنخراط في مسار إصلاحي يرسمه الرئيس بذهنية المواطن البسيط و ليس السياسي المحنك مما أنتج هذا المشهد المشوه و الرديء الذي نرى و لعل كل ما يحدث يصب في خانة إعادة ترذيل النظام للمستقلين و المارقين عن الهيكلة الكلاسيكية لرجال الأحزاب الذين إختار لهم بعناية تسمية "رجال الدولة".. يبدو أن توجه المنظومة لن يخرج عن إقصاء المستقلين و إعادة ترتيب المشهد و تهيئته لأباطرة السياسة أو للجزمات الغليظة التي قد تنقض على وطن جريح لم يفلح في لملمة جراحه بواسطة أبنائه مجتمعين كانوا أو متفرقين حتى بتنافر أقطابهم.ظلت الساحة إذن سانحة لتغيير اللاعبين فحتى قيس سعيد نفسه المنتشي بجماهير ليلة 25 بدأ في خسارة حزامه "المواطني" كما يدعي، هذا الحزام الذي أسس لمساره الإصلاحي الذي عمده بشعار "الشعب يريد"، هذه الخسارة مردها تثاقل خطوات الرئيس في ساعات الحسم المفترض لإحراج الرأي العام الدولي و إقناعه عنوة برجاحة خياره "الشعبي" و هو ما أنتج تبعات واسعة داخليا و خارجيا.
ففيما لم يلاحظ التونسيون أي إنفراج للأزمة الإقتصادية و الإجتماعية و لا حتى أي بوادر لليالي السكاكين الطويلة المحكمة على الفاسدين لاحظوا في المقابل تراجع الرئيس عن إلتزامات الدولة التونسية تجاه المعطلين عن العمل الذين طالت بطالتهم، فالرئيس إتخذ من القانون المنظم للسلطات مؤقتا مطية لإعادة تنظيم إلتزامات الدولة و حتى ترتيب أولوياتها و وجد نفسه تلقائيا في مواجهة مباشرة مع شريحة مهمة و مؤثرة في المشهد السياسي.و مع إقتراب شهر ديسمبر بلياليه الشتوية الباردة و بدفء رمزيته لدى التونسيين ساعة ألهبت شعاراتهم المطلبية الساحات و الفضاءات العامة يجد التونسيون أنفسهم في نفس المكان عدا مراكمتهم لعشرية موشحة بكثير من العنف السياسي و الإقتصادي اللذان أنهكا هذا البلد الذي لم يعد يتحمل مثل هذه الصراعات الدنكيشوتية حول إرادة مفترضة للشعب. و بالرغم من أن جل التحركات الإجتماعية أثبتت أن هذا الشعب يعرف جيداً خارطة الطريق إلى مطالبه الإجتماعية بالأساس فإنه يصطدم كل مرة بأشكال متنوعة من الوصاية على إرادته و مناورات النظام في توجيه مطالبه لتصبح سياسية بالأساس حسب موازين القوى المتحكمة في المشهد.من المؤكد في تونس أن المشهد السياسي مازال منفتحا على كل السيناريوهات غير أن دراما الثورة المتواصلة و التي يراد لها أن تكون مستنزفة لآمال هذا الشعب أثبتت في كل مرة صلابة إرادته رغم كل العواصف التي مر بها دون أن يضيع البوصلة نحو تونس جديدة تليق به و يليق بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ




.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب


.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام




.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ