الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


پورتريه

ساطع هاشم

2021 / 12 / 11
الادب والفن


امامي الان على الجدران من السقف إلى الأرض رسومات سريعة (سكيجات) معلقة, لأشخاص رسمتها في فترات ماضية، لوجوه بشر حقيقين، بالمواد الفحمية المظلمة او بالحبر الاسود.
على واحدة منها هناك كتابة بدون تاريخ تقول: اذا كان فنا حقيقيا فسيتم اكتشافه عاجلاً أم آجلاً
هل يقرأ ذلك الوجه المرسوم على تلك الورقة ما كتبته؟ وهل تراني هذه الوجوه الان مثلما اراها؟ وهل يجلب وجودي معها اليوم اهتمامها لتتذكرني؟
البعض يناديني بأصوات ناعمة، وآخرون غارقون بصمتهم وشوقهم الموحى، كأنهم ممسكين بشموع او فوانيس او مصابيح يدوية في اياديهم حتى اتمكن من ملاحظتهم بشكل أكثر وضوحًا، وانا اتخيلهم كالقلب النابض داخل كائن حي، بينما تضيء ألسنة اللهب الصغيرة المنبعثة من بضع مصابيح هنا وهناك على هذه الوجوه التي تنظر نحوي، وتجعل انوارها الخافتة ملامحهم تتغير وتتغير لتبدو مثل رسوم شبحية متحركة.

مثل ما رأيت في الصيف الماضي وكأنه شبح امرأة شابة كانت تستلقي تحت اشعة الشمس على جانبها بجانب رجل، ورأسها مستند على فخذه، واحدى ذراعيها مثنية بحيث تلمس كفها ذقنها، بينما تحمل اليد الأخرى والمثنية أيضا زهرة ذابلة، ولا هي ولا هو منزعجين من الذباب الذي يتطاير حولهم ويقومون بضربه باستخدام مضرب الذباب عندما تهبط على أذرعهم وأرجلهم، وكان شعرها كستنائي وهي متوسطة الطول مع معصمين رقيقين واكتاف ضيقة وترتدي ملابس صيف شفافة.
وغير بعيد عنهما هناك صبي في سن المراهقة يرقد ورأسه على يده اليسرى تحت ذقنه وعلى الجانبين من ركبته اليسرى اغصان يابسة ممدودة وفي متناول يده اليمنى متى شاء لكش الذباب.

وإذا نظرت الى الخلف منهما يمكنك رؤية بقايا مجزأة لدراجة هوائية مربوطة بحجر اسمنتي كانت تقف في طريق ممر للمشاة يؤدي الى بناية، والبناية بها ممر يقسمها الى نصفين بثمانية غرف، أربعة غرف على كل جانب من الممر، والغرف متوسطة الحجم وبها شبابيك ومكان للمدفأة وهي خالية من الأثاث ما عدى افرشة بسيطة على الأرض.
وقد قيل لنا بانه في الأيام الخوالي كان حارس البناية وعائلته يقيمون في احدى هذه الغرف ودائمًا على استعداد للمساعدة لكنهم قد هاجروا منذ سنة ربما لأنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون التحرك بشكل سريع فيما لو تم اجبارهم على اخلاء المكان، فهم مهاجرون هاربون وبانتظار تصريحات الاقامة.
وقد هاجروا مرة أخرى الى بلد آخر، وهم من جديد بانتظار تصريحات أخرى بالإقامة في مكان ما، وربما هم الان في غرفتهم الجديدة وقد تكون شبيهة بما في هذه البناية، بدون اثاث ما عدى افرشة بسيطة على الأرض.
لكن نادل المقهى المجاور قال بان الحارس كان قلقاً، ويعاني من ضجر الليالي، وحتى عندما يخلد إلى النوم، فان أحلامه أكثر إرهاقًا من يقظته، مقتنعًا بأن المنزل به شبح يتسلل عبر حيطانه ويحاول الدخول الى غرفتهم، ويشكو من أنه يظل مستيقظًا في الليل على صوت العديد من السواح الذين يتزاوجون مع عشيقاتهم، او زوجاتهم الجدد، أو البغايا اللاتي يمكن ادخالهن بالخفاء، ويقول له صاحب المبنى ان هذا المكان ليس ديرًا، وإلا فكيف يُفترض بالناس أن يرفهوا عن أنفسهم؟
هذا بلد السياحة وانفاق المال.
ومرة قال للنادل، لا أعرف ماذا أفعل بالحزن الجاثم على كتفي مثل طائر، وهو يمسكني بقوة ويغير ثقله من هنا الى هناك بينما أتحرك للخلاص منه دون فائدة.
وفي ليلة شتائية ظلماء معتمة اجتمع عليه الغضب واليأس مع المطر والريح، اخذ عائلته واشباحه وهرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تذكرتي تتيح حجز تذاكر حفلات وفعاليات مهرجان الموسيقى العربية


.. ابنة ثريا ا?براهيم: محمد سعد عمل لها نقلة فنية في فيلم «كتكو




.. بسمة الحسيني: أولويات الإغاثة الثقافية في المناطق المنكوبة •


.. زينب العبد : جهود جبارة من المشاركين في أعمال مهرجان المهن ا




.. كلمة نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي خلال مهرجان «المهن التمثي