الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرحية التي تنتظر منتجها

سامي عبد الحميد

2021 / 12 / 14
الادب والفن


أكتب هذه الكلمات والألم والحسرة يأكلان عقلي وقلبي لأن مسرحية مثل (أرامل) للكاتب الارجنتيني الشهير في هذا العصر (أريبل دورفان) وترجمة أحد طلبتي السابقين الذي اضطر الى الهجرة الى انكلترا ايام النظام السابق (علي كامل) لم تظهر للوجود لحد اليوم وقد كنت قد بدأت بإخراجها بداية سنة بغداد عاصمة للثقافة العربية، وكان انتاجها مدرجاً ضمن المسرحيات التي كان المفترض ان تعرض للجمهور في تلك السنة وكنت عازماً على تقديمها على شاطئ نهر دجلة حيث المكان المناسب للعرض. وكنت ايضا قد بدأت التمارين الاولية على المسرحية مع مجموعة من الممثلات المضحيات ومجموعة من الممثلين المتطوعين، غير ان وزارة الثقافة المحترمة آنذاك توقفت عن صرف الميزانية المالية المخصصة لانتاج المسرحية معتذرة بنفاد الغطاء المالي فأصبت وكادر العمل بالاحباط والخذلان، وبقيت انتظر جهة ما رسمية او غير رسمية تبادر لإنتاج المسرحية لكون موضوعتها تهم العراقيين جميعاً هذه الأيام ولكون كاتبها من أشهر مؤلفي المسرحيات في هذا العصر.
كان (أريبل) قد هاجر مع أمه وابيه الى أميركا حيث عمل الأب مندوباً رئيساً للتنمية الاقتصادية للأمم المتحدة حيث كان مفكراً اقتصادياً يسارياً مرموقاً. وتعرض (دورفمان الصغير لصدمة نفسية اثر ابتعاده عن مسقط رأسه وكذلك انهارت اعصاب والدته ما ادى الى دخوله دارا خاصة لتربية الاطفال ودرس الأب الاميركي ، ولكن الحرب الباردة منعته من اكمال الدراسة بسبب الصبغة اليسارية التي رسمت اسم والده والذي عانى الكثير من اضطهاد الماكارثية فانتقل الى (شيلي) ورسخ انتماده للحركات اليسارية الشيلية وحصل عام 1967 على الجنسية الشيلية، واثر ان يكون اسمه (أريبل) مستعيراً الاسم من شخصية في مسرحية (العاصفة) لشكسبير. وعين مستشاراً ثقافياً للرئيس اليندي وعندما تمت الاطاحة بحكومة اليندي من قبل الطغمة العسكرية بقيادة (بينوشيت) تمت تصفية العديد من اصدقاء دورفمان ورفاقه ساعة اقتحام قصر لامونيدا، اما هو فقد نجا من الموت باعجوبة ولجأ الى هولندا عام 1976 وعمل استاذاً في احدى جامعاتها يدرس الادب اللاتيني الاميركي وهناك بدأ بكتابة مسرحيته (ارامل) وثم انتقل الى جامعة (ديوك) في نيويورك وواصل نشاطه كمحرر في صحف واسعة الانتشار مثل (نيويورك تايمز) وعرف عنه ناشطاً بارزاً في منظمة الدفاع عن حقوق الانسان وعاد الى شيلي بعد زوال الدكتاتورية عام1990.
تتعرض المسرحية الى رجال قرية اختطفهم رجال الدكتاتور بينوشيت خوفاً لمعارضتهم نظامه القمعي وقتلوا ولم تسلم جثثهم الى اهلهم، وبقيت نساء القرية بانتظار عودة رجالهم ولكن بلا طائل وفجأة وعندما كنَّ على ساحل النهر يغسلن البستهن تأتي احدى الجثث طافية على سطح الماء فتتراكض النسوة لينتشلنها ويتفحصنها علها تكون لأحد رجالهن ويتخاصمن كل واحدة منهن تدعي ان الجثة تعود لابيها او لأخيها او لزوجها ويتوالى مجيء الجثث الطافية ويتصاعد الصراع حول عائديتها وما كان من السلطة العسكرية إلا ان تمنع النساء من البقاء في مكانهن عل ساحل النهر ينتظرن الجثث الطافية ولكنهن يصررن على البقاء يتحدين السلطة الغاشمة وكان انتظارهن للجثث بمثابة ثورة مجازية ضد الظلم. نعم عادت الديموقراطية الى شيلي، إلا ان الكثير من تلك النساء مازلن ينتظرن عودة ابائهن وازواجهن واخوانهن وابنائهن. نعم ما زال العديد منهم يأملن من النهر او من ا لرب ان يبعث الحياة بتلك الاجساد الميتة.
لو كانت امهات شهداء (سبايكر) يعرفن بان وحوش داعش قاموا بذبح اولادهن والقاء جثثهم الطاهرة من على رصيف القصور الرئاسية الى النهر لهرعن الى الشاطئ ينتظرن وصولها اليهن ويكون في ذلك لهن ، ولما تظاهرن كل يوم تحت نصب الحرية يطالبن بمعرفة مصير اولادهن ولكن لم تكن بايديهن حيلة. كانت جريمة قتل المئات من الشبيبة العراقية في تلك الحادثة المشؤومة جريمة كبرى بل هي جريمة العصر التي سيبقى الشعب العراقي يتذكرها وسينكرها ما دام حياً . ومثلما خلد (اريبل دورفان) ضحايا نظام بينوشيت الدكتاتوري سيخلد المسرح العراقي يوماً ما ضحايا الغزو البربري لداعش وانصاره.
نعم ستبقى مسرحية (أرامل) تنتظر منتجاً لها لتظهر الى الابصار والاسماع ولتسجل ذخراً في تاريخ المسرح في العراق وسيخلد التاريخ اسم ذلك المنتج كما سيخلد جميع العاملين في المسرحية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الفنان محمد عبده يكشف طبيعة مرضه ورحلته العلاجية


.. تفاعلكم | الحوثي يخطف ويعتقل فنانين شعبيين والتهمة: الغناء!




.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع