الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة البوليسية تحت حكم السادات ( النص كاملا )

سعيد العليمى

2021 / 12 / 12
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل حكم السادات ( المقال كاملا ) : اهتم حزب العمال الشيوعى المصرى بالقضايا الامنية منذ نشأته ، فكتب كراس الدولة البوليسية والصراع الطبقى فى مصر عام 1972 ، وعمقت خبراته الضربة البوليسية التى وجهتها له اجهزة الامن القومى فى صيف 1973 فى القضية 501 امن دولة عليا لعام 1973 التى انتهت ببراءة جميع المناضلين وبطلان قانون المخابرات فى حكم تاريخى شهير . وقد جرى الاهتمام بتخصيص مسؤول امنى فى كل المستويات الحزبية كلما اتيح ذلك وتطلب تنامى العمل الحزبى . وقد تضمنت النشرة الداخلية ( الصراع ) المخصصة لاعضاء الحزب فقط قسما يتناول الشؤون الامنية . وقد كان ابرز كتابها الرفيق سعيد العليمى الذى استهل الكتابة فى هذا المجال بكراسه المشار اليه اعلاه ، وهو ايضا كاتب هذه النصوص التى ننشرها . لم يفقد كراس الدولة البوليسية وان تاه فى ايدى بعض المهتمين بالتاريخ الحزبى . ولعلنا نتمكن من نشره ذات يوم فهو يقدم مدخلا نظريا للكتابات العملية اللاحقة . وقد لخصته نيابة امن الدولة فى ملف القضية المنوه عنها عاليه ونشر هذا التلخيص على نفس موقع الكاتب فى الحوار المتمدن .
- مزيد من الخبرة : حول المراقبة البوليسية

" إن سرية العمل هى توفير ظروف الحياة للتنظيم" .. لينين

إن اتباع قواعد السرية في مجمل نشاطات الحزب الشيوعي من جانب منظماته الحزبية بأعضاءه وكوادره هي السلاح الثوري الذي يمكن من المحافظة على طليعة الثورة من بطش أجهزة القمع البوليسي ويؤمن استمرارية هذه الطليعة . فقضية الأمن تتعلق بحماية الحزب الشيوعي وهو يخوض نضاله ضد ضربات السلطة ، فالحزب هو فصيلة الطليعة ، أي الكتيبة الصدامية للطبقة العاملة التي تخوض مع الجماهير النضالات الطبقية ضد الدولة الرأسمالية ، بهدف الإطاحة بها ، وتأسيس دكتاتورية البروليتاريا ، وهذه النضالات ليست نزهة رقيقة أو تطريز ثوب، فبعض الرفاق والمنظمات الحزبية يقعون في أيدي العدو الطبقي أثناء هذه النضالات ومهمة الأمن أي اتباع قواعد السرية هي تفادي الضربات التي يوجهها العدو الطبقي أو تقليص آثارها إلى أقصى حد .

والحزب الشيوعي بمقدار ما يتحلى بعقلية علمية منهجية ، ويتسلح بالحذر وباليقظة الثورية ، ويتابع تعميم خبراته وتدريب كوادره وأعضاءه، فإنه يستطيع أن يتفادى الضربات القاتلة الموجهة إلى "قلبه الداخلي" وكوادره السرية من المحترفين الثوريين ، ويقلص إلى أقصى حد من تأثير الضربات الأخرى – التي تقويه – فالحزب الثوري لا يتعلم خارج الممارسة بل عبر نضاله الطويل المتراكم ويدفع ثمنا للخبرة ، من حياة كوادره ، وأعضاءه، أعواما يقضونها محتجزين خلف أسوار السجون والمعتقلات .

وبادئ ذي بدء نود أن نشير إلى أن كل الأجهزة التقنية التي تمتلكها أجهزة القمع ، ليست كائنا خرافيا لا يمكن مجابهته ، فالقضية تكمن فيمن يستخدمون هذه الأجهزة ، ووفقا لأي منهج ولأي خطة . لذلك فإن المناضل الثوري ، وخبراته ، ويقظته ، وابتكاره الخلاق ، وأولا وأخيرا منهجه العلمي المخطط في مواجهة هذه الأجهزة هو العامل الرئيسي والحاسم في عملية الصراع ضد الشرطة ، والمخابرات ومجمل الأجهزة القمعية ، والانتصار في هذا الصراع سواء على الصعيد التكتيكي ، أو الصعيد الاستراتيجي مشروط ببذل الجهد الدؤوب في تجميع الخبرة ، ودراسة أجهزة العدو الطبقي ، وخاصة أكفأ هذه الأجهزة في الفترة الراهنة ، أي المخابرات حتى نتمكن من إدراك مخططاتها ، ومتابعة نشاطاتها المعادية للثورة ، واكتشاف ثغرات ضعفها وتوجيه الضربات المؤثرة لها في سياق سياستنا إزاء مجمل جهاز الدولة .

إن الأوضاع السياسية التي تحيط بالنظام الحاكم ، وانتهاجه أكثر فأكثر سياسة معادية للشعب وللحركة الثورية خاصة طليعتها الشيوعية يقتضي أن نكون يقظين ، وأن نحافظ على أمن التنظيم وسريته ، ازاء اى تحرك بوليسى وتتبع كل نشاط معاد للحركة الثورية . وإذا كان على قضية السرية أن توضع في المكان الأول من قائمة اهتماماتنا ، فليس هذا واجب مستوى قيادي معين ، أو منظمة حزبية بعينها ، بل هذا واجب كل الرفاق في العمل الحزبي حتى نساهم جميعا في تحديد الأسس التي تقوم عليها سرية التنظيم ، وفي استيعاب كافة خبرات النضال ، وتعميقها من أجل الوصول إلى إدراك أرقى يشكل مجابهتنا للأجهزة القمعية . ولا شك أن الأمن الحقيقي لأي عمل حزبي يتوفر بقدر ما تزداد قواعده الجماهيرية فهي التمركز الأول لمجمل نشاطاته ، والدرع الواقي لأي محاولات من جانب السلطة لتصفية التنظيم بأسلوب قمعي بوليسي .

لقد توفرت لنا خلال عملنا الحزبي خبرات ثمينة مدفوعة الثمن . هذه الخبرات التي لا يجب أن تظل حبيسة التكرار الشفوي في المناسبات ، لذلك ستتابع اللجنة المركزية من خلال أجهزتها طرح خبراتها ، ودروسها المستفادة في هذا المجال ، وهي تطالب كافة الرفاق دون استثناء بتقديم خبراتهم الخاصة ونقلها وتعميمها عبر النشرة الداخلية ، أو الكراسات الخاصة ، حتى نتملك جميعا وعيا أمنيا أرقى يحمي نضالنا ، ويمكننا من إنجاز مهماتنا. ن هذه الدراسة التالية مخصصة فقط لتناول المراقبة البوليسية خاصة تلك التي تستخدمها أجهزة المخابرات ، وتدخل ضمن ما يسمى بالمراقبة "الراقية" وهذا النمط من المراقبة لا يستبعد أية أشكال دنيا من المراقبة سبق أن تم طرحها على الزملاء فهى تكملها من الناحية الأساسية ولا تتعارض معها وقبل أن نتناول ذلك القسم الذي يتعلق بالمراقبة البوليسية نرى من الضروري أن يكون مدخلنا إلى ذلك هو قصورنا العام عن الأجهزة القمعية التي تمتلكها السلطة ، وتوجهها ضد القوى الثورية ، وما يميز هذه الأجهزة من فروق خاصة بين طبيعة جهازي المخابرات – وهو القوة الأكفأ – والمباحث العامة .

الأجهزة البوليسية

مثل كل أجهزة الدولة تعد أجهزة القمع بمثابة أدوات في يد السلطة الطبقية السائدة فهي تمثل مصالح الحلف الحاكم ، وفي لحظات خاصة واستثنائية مشروطة يمكن لتلك الأجهزة ، أو أبرز رؤوسها أن تتناقض بشكل ثانوي، أو مؤقت مع هذا الجناح أو ذاك من السلطة الطبقية وبصفة عامة تنعكس في تلك الأجهزة التناقضات داخل صفوف الطبقة الحاكمة ، فهذه الأجهزة ليست معلقة خارج أوضاع الصراع الطبقي ، كما أنها على وجه الخصوص ، ليست خارج أوضاع الطبقة البرجوازية . وقدرات تلك الأجهزة وشروط عملها تتحدد في مجرى ذلك الصراع الذي تشنه وتخوضه القوى الثورية وحزبها الطليعي في إطار الشروط التكتيكية المحددة بهذه القدرات ذات الطابع القمعي . إلا أن الممارسة التي تقوم بها هذه الأجهزة وباعتبارها أدوات قمع للحركة الثورية تتراكم لديها خبرات متعاظمة مستمرة من عملية المجابهة مع قوى الثورة ذاتها ، وتتزايد هذه الخبرة بمقدار تنامي نفوذ وتأثير الحزب الشيوعي ، وقد كانت سمات بعض هذه الأجهزة في الأعوام الماضية عليها طابع التخلف الشديد بما يتضمن ذلك من قلة الكفاءة لأن النقيض المقابل وهو الحركة الثورية وحزبها الطليعي لم يجد الأرض والشروط المهيأة لوجوده فلم تكن مهمة ملاحقة هذا الحزب مطروحة على جدول أجهزة القمع بما يفترض في هذه الملاحقة من خصوصية ، والتي تختلف من جوانب أساسية مع مجرد تصفية الحياة السياسية ، ومطاردة الحلقات والمجموعات الماركسية، ولهذا نلاحظ بالتحديد أن هذه الأجهزة لا تتناسب إمكانياتها المادية الضخمة مع حجم فاعليتها وتأثيرها الحقيقين ، وعلى سبيل المثال فإن معظم "القضايا" التي استطاعت هذه الأجهزة ضبطها لم تستند فيها إلى مراقبتها ، ومتابعتها بأدواتها التكتيكية بقدر ما كان في غالب الأحيان تهاوى بعض عناصر هذه القضايا وانحرافهم في اتجاه التبليغ عن النشاط الثوري لهذه الجماعة الثورية أو تلك وحتى بالنسبة لفصائل الحركة الشيوعية السابقة ، فإن معظم قضاياها جاءت عن هذا الطريق وقد كان ذلك ممكنا بسبب ضعف هذه التنظيمات وطابعها البرجوازي الصغير ، وتناقضاتها الداخلية ، ثم قبل كل شيء خطها السياسي الذيلي الذي يتضمن تأييد السلطة ، والتحالف معها وتأكيد جانب وطنيتها في معاداة الاستعمار، وانعكاس كافة هذه المفاهيم على البنية التنظيمية ، خاصة ما يتعلق بقضية سرية الحزب .

لقد استمدت الأجهزة قدرتها القمعية بالدرجة الأولى بسبب قدرة الطبقة الحاكمة في فترة تاريخية سابقة على مصادرة المجتمع ككل لصالح حكم بونابرتي ذو سطوة سياسية بالدرجة الأولى . واستند نجاحها بجوار كافة الظروف الموضوعية نجاح السلطة التاريخي في لف الجماهير الشعبية حولها ، ولم تكن هذه الأجهزة في حاجة حقيقية لتملك القدرات التكنيكية لمزاولة مهام القمع الطبقي فقد اختفى هذا الجانب التكتيكي في أغلب الأحوال برقابة الجواسيس والنشاط الخارجي .

إن أجهزة القمع لا يمكن أن تنمو بمعزل عن نمو نقيضها وهو الحركة الثورية . ففي اللحظة الراهنة حيث تتصاعد الحركة التلقائية للطبقة العاملة ، والطبقات الشعبية حيث تظهر في هذه المدينة أو تلك حلقات ثورية أو مجموعات أو تنظيمات تنمو الأجهزة البوليسية ، وتزيد من كفاءاتها حماية للنظام الطبقي القائم أما عن إمكانيات هذه الأجهزة من الناحية المادية : أدواتها التكنيكية، انفاقها، شبكات عملائها فهي حقا ذات طابع سرطاني استثنائي ، وهي تستفيد بخبرات أجهزة القمع في العالم الرأسمالي في مواجهة الحركة الثورية ، وتستورد آلاتها وتوفد مبعوثيها في دورات تدريبية إلى هناك .

ولابد لأي تناول لتركيب الأجهزة البوليسية أن يوضح التمايز بين تلك الأجهزة في حجمه الحقيقي ، فبدرجة أو بأخرى هناك قنوات مشتركة للمعلومات بين الأجهزة المختلفة فالتمايز الإداري لا يلغي تداخلها في الواقع ، لكن هذا التداخل يقع ضمن شروط عدم التنسيق بينها ، بل بالأحرى التنافس وعلى أية حال فهناك تمايز بين أجهزة - أو فروع أجهزة – المعلومات ، والأجهزة التنفيذية وكذلك التمايز بين أجهزة المخابرات ، وأجهزة المباحث كأجهزة لجمع المعلومات .

إن التقسيم الإداري بين أجهزة القمع خاصة جهازي المخابرات والمباحث لا يجب أن يبعدنا عن جوهر الأمر فيما يتعلق بنضالنا ، أي أنها أجهزة ذات طبيعة واحدة ، وليس علينا أن نميز في النضال اليومي بين هذا الجهاز ، أو ذاك فعادة لا يكون هناك الوقت ، ولا الإمكانية للمعرفة المحددة حول أي جهاز ينتمي اليه هذا المخبر أو ذاك ، خاصة أن تملك أحد الأجهزة لأشكال راقية في التدخل والرقابة لا ينفي استخدام نفس الجهاز للأشكال الدنيا .

ويبدو جهاز المباحث إذا ما قورن بجهاز المخابرات أكثر تماسا بالجماهير وحياتها اليومية وأقل قدرة من الناحية التكنيكية ، وأكثر عددا ، وهناك جهاز كامل على مستوى البلاد وله أفراده الذين يتبعون رئاسته بشكل مباشر ونفرق هنا بين جهاز المباحث العامة، وبين مباحث أمن الدولة – التي هي قسم من هذا الجهاز – حيث يتركز عمل الأخيرة أساسا في مجال الأمن السياسي بهدف تأمين الوضع السياسي والجبهة الداخلية .

أما عن دور جهاز المخابرات فمن غير الصحيح أن نشاطها يقتصر على التعامل مع "الأعداء" باسم الحفاظ على أمن البلاد ! فأمن البلاد لا يعني لدى البرجوازية وأجهزتها سوى استمرار وتأمين نظامها السياسي القائم المعبر عن مصالحها . وبهذا الصدد يبرز على الدوام "لحفاظ على الأمن الداخلي للبلاد" وتقوية الجبهة الداخلية وسلامتها ". وتلعب المخابرات العامة الدور الرئيسى في الحفاظ على هذا الأمن ويبدو هذا واضحا من خلال عديد من القضايا كانت هي من قام بضبطها وتقديمها للنيابة والمحكمة – وسلاحها الاساسى جمع المعلومات عما يحدث داخل البلاد أو خارجها .

ومع نمو الحركة الثورية في الداخل يصبح الدور الرئيسى لأجهزة المخابرات هو ملاحقة ومتابعة كشف التنظيمات الثورية خاصة بعد تأسيس فرع الأمن القومي وهو أحد فروع المخابرات العامة الذي يهتم بالنشاط الثوري في الداخل . ومن المهم أن نشير إلى أن دور أجهزة المخابرات – خاصة الأمن القومي – لا يقتصر من زاوية دورها في عمليات القمع الداخلي على مبادرتها الخاصة ، بل هي في الأساس تكلف من قبل الرئاسة بلعب هذا الدور أو ذاك فالسلطة تستدعي أعتى أجهزتها وأقدرها في قتالها ضد نهوض الجماهير الشعبية وطلائعها الثورية .

إن أحد السمات الجوهرية لنشاط المخابرات هو أنها تعتمد في الأساس على ما يسمى "بالعمليات" بمعنى عملية جمع معلومات فهي تشكل "مجموعة عمل" للقيام بعملية محددة ، بدءا من الرقابة وجمع المعلومات ، والمتابعة ، والاختراق وهي تعتمد بشكل ثانوي على المعلومات التي تحصل عليها من وجودها في مركز يسمح لها بالتجسس على الأماكن المختلفة ، وعادة ما تبدأ المعلومات لدى المخابرات من هذا الشكل الثانوي وينتقل الجهاز لاستخدام الشكل الرئيسى بعد ذلك . أما جهاز المباحث فيعتمد على عيونه الكثيرة قليلة الكفاءة والتي لها صفة الثبات مثل مباحثي الحي حيث تطلب منه مراقبة بيت ما أو رفيق بعينه وتعتمد على الزمن ليراكم معلوماتها بالقدر الكافي – ومن هنا تنتقل المعلومات لبعض الثوريين أحيانا ، وهذا في حد ذاته لا يستبعد أن يقوم جهاز المباحث بعملية محددة – ويماثل المخابرات في هذا الشأن – مثل العمليات التي تقوم بها مباحث أمن الدولة لكشف أسرار تنظيم معين . لكن هذه العمليات تكون أضعف بما لا يقارن بعمليات المخابرات لعدة أسباب أولها وأبرزها أن الأفراد الذين يقومون بالعملية في المباحث ليسوا على نفس الدرجة من الكفاءة ، ففي المخابرات ضباط متخصصون ، ولهم خبرات سابقة في متابعة الجواسيس – وضباط مباحث أمن الدولة يختارون من بين أكفأ ضباط مكاتب مكافحة المخدرات والآداب – وطبيعة عملياتهم من النوع الطويل الأمد الذي يواجه خطر المتابعين وهم يعملون في ظروف أكثر مواتاه وثانيا أن جهاز المخابرات في العادة لا يكون في عجلة من أمره لذا فلديه فرص كافية لجمع المعلومات وتبويبها وفهرستها دون أن يكتشف القائمون بالعملية ، وهذا يختلف عن وضع المباحث التي تطالبها السلطة باستمرار القبض على "مثيري الشغب" أو "قادة الأحزاب" أو أعضاء "التنظيم المعين" وثالثا أن جهاز المخابرات – الأمن القومي أساسا – يقوم بعمليات قليلة لكنها رئيسية من وجهة نظر النظام فينفق على العملية مبالغ طائلة كجزء من المصاريف الباهظة لهذه الأجهزة عموما والتي تكون غالبا مصاريف سرية .

اشكال الرقابة البوليسية

ترتبط عمليات الرقابة على العمل الثوري برقابة الرفاق ، والرقابة في التحليل الأخير هي وضع الرفيق أو مجموعة الرفاق تحت المنظار البوليسي ( بشكل مباشر أو غير مباشر ) . وهذا ما نستهدف بقدر الإمكان أن نتجنبه لأطول فترة ممكنة خاصة في غير العمل الجماهيري ،وعندما يضع البوليس تحت رقابته أحد الرفاق (الجماهيريون ، وبعض الرفاق ذوو النشاط نصف العلني ، والرفاق السريون الذين تمسهم الرقابة البوليسية ) يصبح عليه مواجهتها من موقع يختلف عن موقع رفيق لم يكتشفه البوليس بعد، ولكشف الرقابة ومواجهتها ينبغي البحث في أشكال الرقابة، لكن أساليب الرقابة ليست جامدة فهي ترتبط بظروف عديدة تجعل الأسلوب السائد ملائما للحالة الثورية أي أن هذه الأساليب ترتدي وجوها عديدة وذلك بمقدار ما يتسع العمل السياسي والفكري والتنظيمي للحركة الشيوعية بمجموعها وبناء عليه فإن بعض هذه الأساليب تزاح لتحل محلها أساليب جديدة موائمة للحالة التي بلغها الوضع الثوري ، فأساليب التسمع بمراقبة التليفونات ، أو تسجيل المناقشات ، أو المراقبة الفردية تفقد مغزاها متى انخرطت أوسع الجماهير في النضالات الطبقية ، لذا فإن الحركة الثورية مدعوة إلى تغيير أساليبها ولتطويرها وفقا للحالة التي يبلغها الوضع الثوري ، وهذا يقودنا إلى القول بأنه ليست هناك قواعد جامدة على الثوري أن يتبعها لتوقى المراقبة ولتضليل الشرطة، ونتيجة لشراسة السلطة في محاولات خنقها للعمل الثوري ، فإن هذه القواعد لا يمكن أن تشمل في نطاقها كل الحالات الملموسة . إن اتباع نماذج محددة بشكل آلي تكون نتيجتها دائما وفي الواقع عدم مراعاة مبادئ العمل السري ، وافتقاد اليقظة الثورية ، والدقة وروح الابتكار، وإن المبادئ المرشدة في العمل السري عموما ، وفي تمويه النشاط السياسي ليست مبادئ طقسية ، فإن مجال الصدام مع السلطة الطبقية وخصوصا أشرس جوانبها القمعية يقتضي إبداعا خصبا خلاقا حتى يعمل تحت الأرض بعيدا عن أعين أجهزة السلطة المكلفة بمطاردته ، وعلى المناضلين السياسيين عموما ، والشيوعيين خاصة أن يستلهموا تلك الحكمة التي أبدعها فلاحونا المصريون وهي أن "المدفونة تكسر المحراث" أي أن العمل السري الدؤوب واليقظ يمكن إذا ما التحم بالجماهير على أسس ثورية أن يدمر دكتاتورية البرجوازية المسيطرة.

عيون المدينة أسلوب رئيسى في المراقبة البوليسية ( المخابرات والمباحث )

"إن تشعب أجهزة القمع المكلفة بمطاردة الحركة الثورية قد امتدت إلى كل مكان عقب حركة يوليو ، ولم يعد القسم المخصوص ، أو البوليس السياسي ، أو المباحث العامة هي الأجهزة المعنية بملاحقة الثوريين فحسب ، بل انها باتت مثل الملك الذي كان كل ما تمسه يداه يتحول إلى ذهب ، فإن كل مؤسسات المجتمع المصري بالمنظمات ، والروابط ، والجمعيات ، والنقابات ، والاتحادات قد تحولت إلى أجهزة بوليسية والمهمة الأساسية للجميع هي القيام بدور في قمع الجماهير الشعبية المصرية وتطلعاتها وتفويت فرص صدامها الثورية . ومنذ ذلك الحين أي بعد أن استطاعت البرجوازية القومية أن تستأثر بالسلطة السياسية وبعد أن قضت على بعض طبقات المجتمع القديم كان عليها أن تطور أيضا أجهزتها الخاصة بمصادرة العمل الثوري المتعلقة بقطع الطريق أمام أى تغيير طبقي ، يتناول أساس المجتمع البرجوازي وكان عليها أن تستفيد من خبرة أجهزة القمع في العالم الرأسمالي ، وأن تعمق أسلوب عيون المدينة الذي كانت القوى الرجعية قد عرفته منذ فترة طويلة ، وأدركت أن من الأسهل أن تخلق من الفلاح جاسوسا بدلا من أن تخفي جنرالا أو مارشالا في زي فلاح . لقد تقلص الدور الذي كان يقوم به المرشد العادي وحل محله الأستاذ الذي يدرس في الجامعة ويقوم بالتجسس على أعضاء هيئة التدريس وعلى طلابه ويقم التقارير والمعلومات عن الأساتذة والطلاب لمكتب الأمن ولا يقتصر هذا الدور على الأساتذة فحسب بل تقوم به كذلك بعض العناصر الطلابية المشتراة وموظفي الكلية العايين ، وفي المصانع ، والشركات حيث تتركز الطبقة العاملة . تقوم بهذا الدور أيضا مكاتب الأمن وما شابه ذلك ، ويعتبر العمال والإداريين الصفر من أكفأ العناصر في القيام بهذا . وقد وصل الامر في ظل نظام الدولة البوليسي إلى حد أن الجيش الشعبي الذي يقوم بمهمة "الدفاع الذاتي" عن المصانع ضد احتمالات الهجوم من العدو الإسرائيلي قد بدأ ينخرط في القيام بأعمال تجسسية بوليسية .

إن هذا الدور لم يعد يقتصر على أحد أي على فئة المخبرين ، والمرشدين العاملين بالأجهزة نفسها ، فقد وسعت تلك الأجهزة من صفوفها أثناء سعيها في أن تلف المجتمع بكامله في شبكاتها حتى زاد عدد القائمين بدور العملاء من الاتحاد الاشتراكي والاتحادات الطلابية ومنظمات الشباب حتى الصحفي والطبيب والموظف العادي والبقال والبواب والمكوجي .

إن أسلوب عيون المدينة هذا يقتضي أن يتخذ رجل المباحث – أو المخابرات – أحد زملاء المناضلين الشيوعيين ، موظف عادي ، فراش حتى يوافيه بتحركاته ، وصلاته ، وأفكاره ، وميوله ، وأسماء من يتصلون به أثناء وجوده في مقر عمله ، أو يستعين ببواب منزله ، أو المكوجي الذي في شارعه ، أو البقال المجاور لمسكنه أو خادمه ، أو خادم منزل مجاور ليقدم بيانا بخطواته ، وتحركاته وقد يستعين أيضا بعامل أو مساح أحذية بالمقهى الذي يتردد عليه أو فراش النادي ، أو المدرسة والرابطة التي ينتمي إليها أو أحد زملائه بها لموافاته بأخباره أو من اتصل به أثناء وجوده بها، كذلك قد يلجأ ضباط المباحث للاستعانة ببعض الصبية المؤتمنين بعد تدريبهم على طرق المراقبة ، ومن القواعد المعروفة أن قوة وهيبة ضابط المباحث تقاس بعدد مرشديه . لهذا فهو يسعى دائما إلى اختيار أعوان من الأهالي للانتفاع بمعلوماتهم ، ويكون هؤلاء الأعوان من بين الأفراد الأكثر اتصالا بالجماهير، ويستخدم أكثر من مصدر واحد في كل جهة لمده بالمعلومات ، ويتخذ من مقارنة المصادر وسيلة للتأكد من صحة المعلومات التي تصل إليه مع الحرص على بقاء المصادر منفصلة عن بعضها ، وإحاطة اتصاله بأعوانه ، بالكتمان التام حتى لا يتعرضون للأذى ، أو الانتقام ويكافئ المجد منهم حتى يتقدم في أداء مهامه البوليسية .





وهناك أربعة أشكال سنتكلم عنها ، لكن نود الإشارة إلى أن الاختراق البوليسي هو تتويج للجهود البوليسية وتكون خطوته التالية إذا ما نجح في أحداث هذا الاختراق ، أسهل منالا . فهذا الشكل يتيح له إمكانية الحصول على معارف تفصيلية ، يضطر ان يبذل الكثير من الجهود في الحصول عليها بالوسائل الأخرى، وهو يمتلك بالاختراق – رقابة داخلية – على الاجتماعات ، وكافة جوانب النشاط السري . وتصبح بعد ذلك وسائل الرقابة الثابتة ، والتتبع سهلة للغاية وفي متناوله ، ويصعب كشفها في هذه الحالة حيث تتسم خطواته بالبطء الشديد . أما في حالة عدم وجود هذا الاختراق فتبرز أمام الشرطة أهمية الرقابة الثابتة ، والتتبع ، لكشف الرفاق ونوعية نشاطهم . وفي أغلب الأحوال لا يبدأ البوليس بنوع من أنواع الرقابة إلا بعد تبليغ محدد، أو شكوك تثار حول أحد الرفاق في مجال عمله ، أو إقامته ، أو في مكان لقاءاته ، أو خلال ممارسة هذا الرفيق أو ذاك للنضال العلني الجماهيري حيث يكفي الأخير بذاته لتوجيه أنظار الشرطة إليه .

ويمكن للرقابة أن تنتقل من شكل لآخر تبعا لتطور عمليات الرصد البوليسي، أو عادة بعد وجود شكوك .

في كل الأحوال لابد للرفيق أثناء حركته التأكد من عدم وجود عناصر بوليسية مترجلة تتبعه ، وكمجرد أمثلة نذكر أن المراقبين يسيرون خلف الرفيق الهدف بأقصى بعد يسمح بمراقبته ، وتقل المسافة في الأماكن المزدحمة خاصة في الليل ، وتطول في الأماكن الخالية "خاصة بالنهار" وغالبا ما يوجد اثنين من المراقبين وراء الرفيق الهدف إن لم يكن أكثر أحدهما على نفس الرصيف مثلا والآخر على الرصيف المقابل وهذا الوضع الأخير يسمح باستيعاب، ومواجهة مناورة الزميل المفاجئة مثل ركوبه وسيلة مواصلات من الاتجاه المعاكس لاتجاهه الأصلي، أو قطعة المفاجئ للشارع أو حتى رجوعا في عكس الاتجاه (حيث يتابعه في هذه الحالة المراقب الآخر البعيد حتى يغير الأول هيئته أو يبادل مع مراقب آخر) وفي الأماكن الخالية قد يستعمل المراقب طريقة أخرى غير السير وراء الرفيق الهدف فهو يتابعه بنظرة فحسب من أقصى بعد يسمح بذلك دون أن يراه الرفيق وذلك عن طريق الاختفاء في تقاطعات الطريق أو في حارة جانبية أو الاختفاء وراء عمود إضاءة أو شجرة وهكذا عندما يصل الرفيق لنهاية الطريق ويدخل في طريق جديد يجري المراقب بأقصى سرعة حتى نهاية الطريق الذي كان يسير فيه الرفيق ويختفي في زاوية ويتابع الرفيق بالنظر أيضا أي يسير على قفزات في تتبعه وهناك شكل آخر أيضا هو السير في شارع موازي للشارع الذي يسير فيه الرفيق ويتابعه عبر المسافة الفاصلة في كل تقاطع (انظر شكل 4 المتابعة المتوازية ) .

وفي حالة شك الرفيق في وجود رقابة من هذا النوع (رقابة مترجلة) أو للتيقن من عدم وجدوها لابد وأن يناور محاولا أن يتثبت من ذلك بأن يلجأ على سبيل المثال االى الآتي :

يسير في شارع أ طويل خالي أو يكاد وليست به أية تفرعات جانبية لمسافة كافية ويسير لنهاية الشارع ثم في الشارع المتفرع من ب مسافة كافية لظهور أي مختبئ في الشارع أ ثم الرجوع من نفس الطريق من الشارع ب إلى الشارع أ وفحص الطريق أ بإمعان وفي حالة عدم كشف الرفيق لرقابة مترجلة خلفه بأحد الطرق البسيطة فعليه وضع أحد احتمالين أنه لا توجد رقابة خلفه أو أن هناك رقابة تتخذ أشكالا راقية. أنه من الهام كشف الرقابة وليس مجرد قطع الطريق عليها ( مثل القفز المفاجئ في وسيلة مواصلات ) .

*المصدر : الصراع العدد السادس – نشرة الامن - 5 يوليو 1975 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟